تنامي العلاقات الأفغانية الروسية.. هل تكون موسكو بوابة الاعتراف بطالبان؟

الجمعة 16/مايو/2025 - 07:15 م
طباعة تنامي العلاقات الأفغانية محمد شعت
 

في تحول لافت يعكس تغيرًا جذريًا في مسار العلاقات الإقليمية، أعلنت حكومة طالبان توقيع خمس مذكرات تفاهم مع روسيا خلال مشاركتها في منتدى قازان الاقتصادي الدولي، في خطوة تأتي تتويجًا لتقارب متصاعد بين الجانبين منذ سيطرة طالبان على الحكم في كابول منتصف عام 2021. الاتفاقيات شملت قطاعات حيوية مثل النقل، الترانزيت، الطاقة، الاستكشافات الجيولوجية، وتأسيس مراكز تجارية وصناعية مشتركة، ما يشير إلى دخول موسكو وكابول في شراكة استراتيجية غير مسبوقة.
ووفق بيان صادر عن مكتب عبد الغني برادر، نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية في حكومة طالبان، فإن مذكرات التفاهم تم توقيعها بين وزارة النقل والطيران الأفغانية ونظيرتها الروسية، وتركز على تنمية التعاون في قطاع الترانزيت والنقل، وتوسيع مستوى التجارة البينية، إضافة إلى شراكات بين شركات القطاع الخاص في كلا البلدين في مجالات النفط والغاز.
وأكد برادر، في كلمة ألقاها خلال منتدى الأعمال الأفغاني – الروسي الذي عقد على هامش المنتدى، أن حركة طالبان مستعدة لبناء نفق سالانج الثاني الذي يُعد من أبرز المشاريع اللوجستية في المنطقة، وناشد الجانب الروسي للمشاركة في هذا المشروع الذي سيسهم – بحسب تعبيره – في دعم التجارة بين أفغانستان وروسيا ودول آسيا الوسطى. ويُشار إلى أن نفق سالانج الأول بُني خلال الحقبة السوفييتية، وهو يربط شمال أفغانستان بجنوبها عبر جبال هندوكوش.
من جانبه، قال نائب رئيس الوزراء الروسي خلال الاجتماع إن موسكو منفتحة على التعاون الاقتصادي مع كابول، وإن الشركات الروسية مستعدة للعمل في مجالات التعدين، بناء السدود، توليد الكهرباء، توسيع شبكة السكك الحديدية، وتطوير معدات النقل، إلى جانب زيادة الاتصالات والتجارة الإقليمية مع أفغانستان.
هذا الإعلان يأتي بعد أشهر من التحولات التدريجية في الموقف الروسي تجاه حركة طالبان. فقد قررت موسكو مؤخرًا إزالة طالبان من قائمتها للجماعات الإرهابية المحظورة، وهي الخطوة التي مهدت الطريق لرفع القيود القانونية والدبلوماسية على التعامل مع الحكومة القائمة في كابول. كما كشفت تقارير دبلوماسية عن أن الحركة رشحت بالفعل سفيرًا لها في موسكو، وأن السلطات الروسية بصدد دراسة وضعه تمهيدًا للاعتراف الدبلوماسي الرسمي.

من العداء إلى التحالف:

العلاقة بين موسكو وطالبان لم تكن دائمًا على هذا النحو من التقارب. فالذاكرة التاريخية لا تزال تحتفظ بصور الحرب السوفييتية في أفغانستان (1979–1989)، التي كانت طالبان أحد روافدها لاحقًا، عبر الحركات الجهادية التي حاربت الاحتلال السوفييتي بدعم أمريكي وخليجي واسع. كما أن موسكو ظلت لعقود تصنف طالبان كتنظيم إرهابي، متهمة إياها بإيواء متشددين من القوقاز ودول آسيا الوسطى.
غير أن الواقع الجيوسياسي بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان غيّر من معادلات التعامل. فروسيا باتت تنظر إلى أفغانستان باعتبارها خاصرة رخوة لأمنها القومي، خاصة في ظل تصاعد تهديدات تنظيم "داعش – ولاية خراسان"، وهو فصيل متشدد يعادي كلًّا من طالبان وروسيا. ومن هذا المنطلق، أصبح التحاور مع طالبان ليس خيارًا سياسيًا فقط، بل ضرورة أمنية واستراتيجية.
وتشير تقديرات إلى أن موسكو باتت تنتهج سياسة احتواء استباقي، تقوم على احتضان طالبان لتقليل فرص تمدد الجماعات المتشددة نحو دول الجوار، خصوصًا طاجيكستان، أوزبكستان، وتركمانستان، وهي دول تربطها بروسيا مصالح أمنية وعسكرية ضمن فضاء النفوذ السوفييتي السابق.

طالبان والبحث عن الشرعية:

من جهة أخرى، تمثل روسيا فرصة لطالبان في سعيها لتثبيت أركان حكمها داخليًا، والحصول على شرعية سياسية دولية. فالحركة التي لا تزال تعاني من عزلة شبه كاملة من جانب القوى الغربية، تجد في موسكو نافذة مفتوحة نحو العالم، وشريكًا لا يشترط الإصلاحات الاجتماعية والسياسية التي ترفضها طالبان حتى الآن، خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة، وحرية الإعلام، وتشكيل حكومة شاملة.
وبالنسبة لحكومة طالبان، فإن التقارب مع روسيا لا يهدف فقط إلى كسر العزلة، بل أيضًا إلى جذب الاستثمارات والمساعدات الاقتصادية. فالوضع الاقتصادي في أفغانستان يعاني من الانهيار، ونقص السيولة، وانعدام الخدمات الأساسية. وفي ظل تجميد الأصول الأفغانية في الخارج ووقف معظم المساعدات الدولية، تبدو روسيا (ومعها الصين وإيران) بدائل حقيقية لتوفير الموارد التي تحتاجها طالبان لتثبيت سيطرتها على البلاد.

وتشير الاتفاقيات الأخيرة  بوضوح إلى تركيز طالبان وروسيا على الشراكة الاقتصادية كقاعدة للتقارب. فروسيا تمتلك خبرات واسعة في مجال التنقيب واستخراج الطاقة، بينما تمتلك أفغانستان موارد غير مستغلة في مجالات متعددة، أهمها الليثيوم، النحاس، النفط، والغاز.
وإذا مضت الاتفاقيات قدمًا، فإن الشركات الروسية ستكون من أوائل المستثمرين الأجانب في أفغانستان منذ انسحاب القوات الأمريكية. كما أن إنشاء مجمعات لوجستية وتجارية قد يسهم في دمج أفغانستان ضمن مبادرات الربط الإقليمي الكبرى، مثل ممرات النقل الصينية أو خط الغاز "TAPI"، وهو ما قد يُعيد تشكيل الدور الجغرافي الاستراتيجي لأفغانستان.

محفزات بقاء العلاقة وتحديات الانهيار:

يطرح التقارب الروسي – الطالباني سؤالًا جوهريًا حول مدى قدرة هذا النوع من الشراكات غير التقليدية على الصمود في وجه التحولات الإقليمية والدولية. فالعلاقة التي تبدو اليوم مدفوعة بالمصالح المشتركة، تظل في جوهرها تحالفًا هشًّا تحيط به اعتبارات أمنية، واقتصادية، وأيديولوجية قد تهدد استمراريته.

أول هذه المحفزات يتمثل في تقاطع المصالح الأمنية بين الطرفين؛ فروسيا تنظر إلى أفغانستان باعتبارها بوابة تهديد مباشر لأمنها القومي عبر الحدود الجنوبية، في ظل نشاط الجماعات المتطرفة، خاصة "داعش – ولاية خراسان"، والتي تبنت عدة هجمات داخل الأراضي الروسية، أبرزها هجوم قاعة كروكس في موسكو.

في المقابل، ترى طالبان أن التعامل مع روسيا يمنحها غطاءً سياسيًا إقليميًا يمكن أن يُستخدم كورقة ضغط في مواجهة الرفض الغربي للاعتراف بها، خاصة إذا اقترن هذا التعاون بدعم اقتصادي ملموس يسهم في معالجة التحديات الداخلية، من الفقر إلى البطالة والبنية التحتية المتآكلة.

كما أن الموقع الجغرافي لأفغانستان، بوصفها عقدة مواصلات آسيوية بين الصين، آسيا الوسطى، إيران، وباكستان، يجعلها لاعبًا مهمًا في أي مشروع إقليمي للتكامل الاقتصادي، سواء تعلق الأمر بخطوط الغاز أو ممرات السكك الحديدية أو التبادل التجاري، وهي ملفات توليها موسكو اهتمامًا متزايدًا.

تحديات الاستمرارية: 

ورغم ما سبق، تواجه هذه العلاقة تحديات جوهرية قد تعرقل استمرارها على المدى المتوسط أو البعيد. فمن جهة، لا تزال حكومة طالبان تواجه رفضًا داخليًا ودوليًا واسعًا، بسبب ممارساتها القمعية، وإقصائها للنساء والأقليات، وعدم تشكيل حكومة شاملة، ما يجعل أي استثمار سياسي أو اقتصادي فيها رهانًا محفوفًا بالمخاطر.
ومن جهة أخرى، فإن روسيا نفسها تمر بحالة من العزلة الدولية والعقوبات الغربية على خلفية حربها في أوكرانيا، ما قد يدفعها لإعادة ترتيب أولوياتها الاقتصادية والديبلوماسية، بحيث لا تُفرط في مواردها داخل شريك غير مضمون مثل طالبان، خاصة إذا تطورت الضغوط الغربية أو حدثت انتكاسات أمنية داخل أفغانستان.

كذلك فإن أي تغير مفاجئ في موقف طالبان – مثل تساهلها مع جماعات جهادية معادية لروسيا، أو حدوث انقسامات داخلية تعيد خلط أوراق الحكم – قد يؤدي إلى انهيار سريع لهذا التقارب، خاصة في ظل غياب إطار قانوني أو سياسي مستقر يحكم العلاقات بين الطرفين.

شارك