إيران تُعدم منفذ هجوم سفارة أذربيجان دون كشف هويته... هل تخفي طهران إرهابًا خلف ستار العدالة؟

الأربعاء 21/مايو/2025 - 10:10 ص
طباعة إيران تُعدم منفذ أميرة الشريف
 
في خطوةٍ تحمل دلالات أمنية وسياسية، أعلنت السلطات الإيرانية تنفيذ حكم الإعدام بحق منفذ الهجوم المسلح على سفارة أذربيجان في طهران، والذي وقع في 27 يناير 2023 وأسفر عن مقتل أحد أفراد طاقم الحراسة وإصابة آخرين. ورغم تأكيد وكالة "ميزان" التابعة للسلطة القضائية الإيرانية أن الحكم نُفذ بعد مصادقة المحكمة العليا، إلا أنها لم تكشف عن هوية المنفذ أو خلفياته، مما زاد من الغموض الذي يحيط بهذه الجريمة التي تُصنفها باكو ضمن الأعمال الإرهابية الموجهة ضد بعثاتها الدبلوماسية.
ومنذ لحظة وقوع الهجوم، سعت السلطات الأذرية إلى توصيفه ضمن خانة العمل الإرهابي المدبر، محملة إيران مسؤولية التقصير الأمني، بل والضلوع في تسهيل وقوع الجريمة. 
الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، وفي خطاب مباشر عقب الحادثة، اتهم طهران بإرسال "إرهابي" إلى سفارة بلاده، وبتجاهل تحذيرات مسبقة كانت تفيد بوجود تهديدات محتملة.
 هذا التصريح لم يكن فقط استنكارًا، بل كان بمثابة إدانة دبلوماسية لإيران ومؤشرًا على فقدان الثقة في نواياها السياسية والأمنية.
وفي عرف القانون الدولي، فإن مهاجمة البعثات الدبلوماسية تصنّف ضمن أعمال الإرهاب الدولي، خاصة حين تترافق مع دوافع سياسية أو طائفية، أو حين يُظهر التحقيق أن هناك قصورًا ممنهجًا في الحماية أو تسترًا على الجناة. 
الهجوم على سفارة أذربيجان لم يكن مجرد جريمة جنائية، بل فعل يحمل أبعادًا تتقاطع مع المفهوم الموسّع للإرهاب،  استهداف لأمن دولة، ورسالة ترهيب ضمن سياق سياسي معقّد.
ورغم محاولات طهران نفي أي صلة تنظيمية بالحادث، فإن سجلها السابق لا يُخليها من الشبهات. فخلال العقود الماضية، تعرّضت بعثات دبلوماسية على أراضيها لاعتداءات، بعضها تم في سياقات احتجاجية أو انتقامية من قرارات سياسية لدول أجنبية، كما حدث مع السفارة السعودية عام 2016.
ويري مراقبون أن رفض السلطات الإيرانية حتى اللحظة نشر صورة أو اسم المنفذ، أو تفاصيل التحقيق، يعزز من فرضية التستّر أو محاولة طيّ الملف دون كشف أبعاده الحقيقية، وهي استراتيجية كثيرًا ما تُستخدم حين تكون الجريمة ذات أبعاد سياسية حساسة أو تتورط فيها جهات غير نظامية محسوبة على الدولة.
الربط بين الهجوم والإرهاب لا يقتصر فقط على نتائج الجريمة، بل على السياق الذي وقعت فيه، فالعلاقات بين إيران وأذربيجان شهدت في السنوات الأخيرة توترًا متصاعدًا، على خلفية التقارب الثلاثي بين باكو وأنقرة وتل أبيب، وهو ما تعتبره طهران تهديدًا مباشرًا لنفوذها في القوقاز.
 كما أن إيران تُبدي قلقًا بالغًا من صعود أذربيجان كقوة إقليمية بعد انتصارها في حرب ناغورنو قره باغ، خصوصًا مع وجود أقلية أذرية كبيرة داخل إيران قد تستلهم النزعة القومية من باكو.
في هذا السياق، يرى محللون أن الهجوم على السفارة الأذرية سواء تم بدعم مباشر أو عن طريق التغاضي المتعمد – لا يمكن فصله عن سياسات "ترهيب الخصوم" التي تتبعها طهران منذ سنوات، سواء ضد ناشطين ومعارضين أو ضد بعثات أجنبية، في ما يُصنّف أحيانًا ضمن ممارسات إرهاب الدولة.
ورغم أن تنفيذ حكم الإعدام قد يبدو، في الظاهر، تجسيدًا للعدالة القضائية، إلا أن توقيته، وبعد أكثر من عام على الحادث، يثير التساؤلات حول ما إذا كانت إيران تحاول استخدام الحكم كأداة لإعادة ضبط العلاقات مع باكو، أو كغطاء لإغلاق ملف تسبب بإحراج دولي لها.
من جهة أخرى، فإن عدم تقديم رواية مفصّلة حول الدوافع والخلفيات، وتجنّب الإشارة إلى أي ارتباطات خارجية للجاني، يثير شكوكًا حول جدية التحقيق، ويضعف من قيمة الحكم كخطوة في سياق مكافحة الإرهاب الحقيقي، لا الاكتفاء بإعدامات صامتة.
ويري محللون أن حادثة السفارة الأذرية في طهران لا يجب أن تُقرأ كجريمة منعزلة، بل كمؤشر خطير على هشاشة البيئة الأمنية في إيران، وتداخل الأجهزة الرسمية مع قوى غير منضبطة، تتصرف أحيانًا خارج القانون أو بدعمه الضمني، فإذا كانت إيران تسعى لتقديم نفسها كدولة تحارب الإرهاب، فإن عليها أولًا أن تحاسب من يزرع ثقافته على أراضيها، وأن تقدم ضمانات شفافة لحماية البعثات الدبلوماسية الأجنبية.
ويروا أن تنفيذ حكم الإعدام دون محاكمة علنية أو كشف النتائج، فهو لا يعفي إيران من المساءلة، بل يؤكد أن ملف الإرهاب في طهران لا يزال ملفًا مفتوحًا على مصراعيه، ينتظر تحقيقًا دوليًا مستقلًا، لا عقوبة محلية صامتة.

شارك