"داعش" يعود من الظل.. تصاعد الإرهاب في شرق سوريا وتحديات ما بعد الحرب
الخميس 22/مايو/2025 - 11:38 ص
طباعة

وسط حالة من الهدوء الهش الذي يلف المشهد السوري، يعود تنظيم "داعش" الإرهابي إلى الواجهة، متخطيًا حدود الهجمات المتفرقة ليطلق حملة من العمليات المنسقة، التي تُنذر بإعادة تدوير العنف في منطقة لم تلتقط أنفاسها بعد من آثار حربٍ دامت أكثر من عقد.
التنظيم الذي أعلن المجتمع الدولي مرارًا هزيمته، يثبت مجددًا قدرته على التحول والتكيف، مستغلًا الفوضى الأمنية والانقسامات السياسية لتوسيع نشاطه الإرهابي، خاصة في شرق سوريا، المنطقة التي باتت تمثل نقطة التقاء مصالح متضاربة بين قوى محلية ودولية.
تصاعد لافت في نشاط التنظيم شرق سوريا
في الأشهر الأخيرة، شهدت محافظة دير الزور، تحديدًا في ريفها الشرقي والغربي، سلسلة هجمات تبناها التنظيم أو نُسبت إليه من حيث الأسلوب والتنفيذ.
بدأت هذه العمليات بهجوم على بلدة الطيانة، تلاه هجوم على موقع عسكري في ذيبان، ثم اشتباكات مسلحة في بلدة الشحيل، وأخيرًا هجوم استهدف نقطة أمنية في الكبر.
هذه الهجمات لم تكن عشوائية، بل نفذتها خلايا نائمة استيقظت فجأة وأظهرت تنسيقًا عسكريًا يدل على أن التنظيم لم يختفِ بل أعاد بناء نفسه في الخفاء.
والمقلق في هذا التصاعد ليس فقط حجم العمليات وعددها، بل تنوع الأهداف التي طالت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من التحالف الدولي، وكذلك قوات الجيش السوري التابع للحكومة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع.
هذا التوسع في رقعة العمليات يؤكد أن "داعش" لم يعد يكتفي بالاختباء في الصحارى أو التسلل إلى القرى النائية، بل بات يملك قدرة استخباراتية وتنظيمية تؤهله لاختراق مؤسسات أمنية داخل المدن.
إرهاب متعدد الوجوه: من التفجير إلى الابتزاز
واحدة من أبرز مظاهر هذا التحول تمثلت في التفجير الذي هزّ مدينة الميادين، حيث انفجرت سيارة مفخخة أمام مقر قيادة الشرطة، مخلفة قتلى وجرحى بين المدنيين وعناصر الأمن.
لم تكن هذه الحادثة معزولة، بل جاءت متزامنة مع إعلان وزارة الداخلية السورية عن إحباط خلية تابعة لـ"داعش" في مدينة حلب، في عملية أمنية أسفرت عن مقتل عنصر أمني ومصرع ثلاثة من أفراد التنظيم.
التزامن الزمني بين الحدثين يشير إلى وجود غرفة عمليات نشطة تدير هذه الهجمات عن بُعد، وتُنفذها عبر خلايا محلية مزروعة بعناية في عمق المدن السورية.
ولم تقتصر أنشطة التنظيم على العمليات المسلحة، بل امتدت إلى الإرهاب الاقتصادي والاجتماعي. فقد تلقى عدد من التجار في ريف دير الزور رسائل تهديد تطالبهم بدفع "الزكاة"، وهي وسيلة التنظيم لتمويل عملياته، عبر ابتزاز السكان تحت غطاء ديني.
هذا التكتيك، الذي كان التنظيم يستخدمه سابقًا إبان سيطرته على "دولة الخلافة"، عاد مجددًا ليظهر أن "داعش" لا يستهدف فقط السيطرة العسكرية، بل يسعى لاستعادة نفوذه الاقتصادي والاجتماعي في المناطق الريفية والمهملة من الدولة.
هجوم سياسي غير مسبوق
في تطور لافت، أقدم التنظيم على إصدار بيان سياسي صريح هاجم فيه الرئيس السوري أحمد الشرع، بعد لقائه العلني بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب. البيان، الذي نُشر على قنوات موالية للتنظيم على تطبيق "تلجرام"، وصف الشرع بـ"الطاغوت"، ودعا إلى إعلان الجهاد ضده، مؤكدًا على "ضرورة التحاق المجاهدين الأجانب بسرايا التنظيم في الأرياف السورية".
هذه الدعوة تمثل منعطفًا خطيرًا لأنها تُعيد إلى الأذهان مرحلة ما قبل 2014، حين استقطب التنظيم آلاف المقاتلين من مختلف الجنسيات، ما أدى إلى تفاقم الأزمة وتحول سوريا إلى ساحة حرب عالمية مصغرة.
عودة "داعش": خطر إقليمي يهدد الأمن الدولي
تأتي عودة "داعش" في سياق إقليمي معقد، حيث تتداخل الأجندات الدولية، وتتصاعد التوترات بين واشنطن وطهران، وتستمر روسيا في تعزيز وجودها العسكري إلى جانب الحكومة السورية.
وفي ظل هذه الظروف، يُمكن للتنظيم أن يلعب دور "الفوضى المطلوبة" لإعادة ترتيب الأوراق، سواء من خلال خلق مبررات للتدخلات الدولية، أو إضعاف خصومه المحليين عبر استنزافهم أمنيًا.
كما يُثير تصاعد نشاط التنظيم مخاوف دول الجوار، لاسيما العراق، الذي يعاني من ثغرات أمنية مماثلة في مناطقه الغربية.
وبحسب تقارير استخباراتية، فإن جزءًا من الهجمات التي تُشن من سوريا يُخطط لها من داخل الأراضي العراقية أو العكس، في ما يبدو أنه إعادة تفعيل لشبكات "داعش" العابرة للحدود، وهو أمر يُهدد بإعادة إنتاج الإرهاب الإقليمي بأبشع صوره.
ما بعد الحرب.. مرحلة غير آمنة
رغم مرور سنوات على إعلان "النصر على داعش"، فإن واقع الميدان السوري يثبت أن الحرب ضد الإرهاب لم تنتهِ بعد، بل دخلت مرحلة جديدة أكثر تعقيدًا، عنوانها "الإرهاب من الداخل".
لا يحمل مقاتلو "داعش" الرايات السوداء علنًا هذه المرة، لكنهم يتحركون بين الناس، يبنون خلايا صغيرة، ويجمعون الأموال، ويشنّون الهجمات بأسلوب العصابات.
فشل المجتمع الدولي في معالجة جذور التطرف، وغياب التنمية عن المناطق المحررة، وعودة الفساد والظلم، كلها عوامل تُغذي عودة التنظيم، وتُهدد بتحول "ما بعد الحرب" إلى "ما قبل الانفجار".
ويري مراقبون أن عودة "داعش" تبقي جرس إنذار بضرورة مراجعة سياسات مكافحة الإرهاب في سوريا والمنطقة، ليس فقط من الناحية الأمنية، بل عبر استراتيجية شاملة تُعالج الجذور وتُعيد الثقة بين الدولة والمجتمع، قبل أن تترسخ جذور الإرهاب في تربة ما زالت رخوة، تنتظر من يزرع فيها الموت من جديد.