العراق بين صناديق الاقتراع وتهديد السلاح.. الانتخابات البرلمانية تحت ظلال الإرهاب
الجمعة 23/مايو/2025 - 11:56 ص
طباعة

بينما يستعد العراقيون لخوض غمار انتخابات برلمانية جديدة في 11 نوفمبر المقبل، تُطرح تساؤلات جوهرية حول مدى قدرة البلاد على تنظيم اقتراع نزيه وشامل في ظل تصاعد التهديدات الإرهابية، وتباطؤ عملية تحديث السجلات البايومترية، واستمرار أزمات الثقة بين المواطن والدولة.
ففي بلد لا يزال يضمد جراح الحرب على الإرهاب، ويعاني من هشاشة أمنية في بعض مناطقه، تفرض الانتخابات المقبلة نفسها كمحطة مفصلية تُقاس فيها جدية النظام السياسي في إعادة الاعتبار للعملية الديمقراطية، بعيدًا عن أهواء السلاح وعقيدة العنف.
بحسب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، بلغ عدد الكيانات السياسية التي قدمت أوراق ترشحها حتى الآن 118 حزبًا، إلى جانب 25 تحالفًا و16 قائمة فردية، ما يعكس حالة من الحراك السياسي النشط.
ومع أن عدد الأحزاب المسجلة رسميًا يبلغ 343، إلا أن هناك 60 حزبًا آخر ما يزال في طور التأسيس، كما صادقت المفوضية على 66 تحالفًا سياسيًا، فيما تنتظر 11 تحالفًا استكمال إجراءات المصادقة.
لكن، ورغم هذا الزخم في الترشحات، فإن المؤشرات الواقعية تطرح سيناريو مختلفًا بشأن المشاركة الشعبية، إذ يشير تقرير صادر عن "المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق" إلى أن أكثر من 8 ملايين ناخب لم يُحدّثوا بياناتهم البايومترية بعد، ما يعني أنهم قد يُقصون تلقائيًا من التصويت.
يُضاف إلى ذلك أن عدد الناخبين في عموم البلاد تجاوز 29 مليونًا بعد إدراج مواليد 2005 و2006، بينما لم يسجل منهم بايومتريًا سوى 21 مليون فقط، وهو ما يعزز المخاوف من انخفاض كبير في نسبة الإقبال.
وفرضت المفوضية شرط الحصول على بطاقة بايومترية فعّالة كشرط أساسي للمشاركة في التصويت، وهو ما يراه مراقبون أداة مزدوجة قد تُستخدم لتعزيز الشفافية، لكنها أيضًا تحمل خطرًا متمثلًا في استبعاد الملايين من الناخبين، خاصةً في المناطق المهمشة التي تعاني من ضعف في الخدمات الحكومية والبنى التحتية.
وفي هذا السياق، تُثار تساؤلات حول مدى عدالة هذه الآلية، في ظل عجز مئات الآلاف من الناخبين عن تحديث بياناتهم إما لأسباب تقنية أو لوجستية أو حتى أمنية، خصوصًا في المحافظات التي لا تزال تحت تهديد التنظيمات المتطرفة أو المليشيات المسلحة الخارجة عن سيطرة الدولة.
وفي دولة عايشت ويلات الإرهاب لسنوات طويلة، لم تكن الانتخابات يومًا بمنأى عن تهديدات العنف المسلح. وفي ظل تقارير أمنية حديثة تحذّر من محاولات لخلايا إرهابية لتنظيم "داعش" لاستغلال الموسم الانتخابي لتنفيذ عمليات تستهدف مراكز الاقتراع أو الناخبين أنفسهم، يصبح الخوف من استخدام العنف كأداة لتخويف الناخبين أو التأثير على نتائج الاقتراع أمرًا واقعيًا وليس مجرد هاجس.
الانتخابات السابقة في العراق شهدت العديد من الحوادث الأمنية التي عطّلت العملية الانتخابية في بعض المناطق أو أجبرت الناخبين على الامتناع عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع، خوفًا من التفجيرات أو الاستهداف الانتقائي من قبل الجماعات الإرهابية أو المليشيات ذات الأجندات السياسية.
اليوم، ومع اقتراب موعد الانتخابات، يتجدد التحدي، ويتعين على الحكومة العراقية ومفوضية الانتخابات والقوى الأمنية التنسيق المكثف لتأمين المراكز الانتخابية وضمان وصول الناخبين بحرية إلى صناديق الاقتراع، دون تهديد أو ترهيب.
وتُجرى الانتخابات المقبلة وفق صيغة "سانت ليغو المعدلة" بمعامل 1.7، ونظام الدوائر المتعددة داخل المحافظة الواحدة، وهي صيغة نالت دعم العديد من القوى السياسية التقليدية وبعض الكتل المستقلة الناشئة.
و يُفترض أن يتيح هذا النظام تمثيلًا أكثر عدالة ويمنح فرصة للقوى الجديدة لدخول البرلمان، لكنه في الوقت ذاته قد يُستخدم من قبل القوى المتنفذة لتعزيز هيمنتها عبر هندسة التحالفات واستخدام الموارد، وربما السلاح، لحسم النتائج في بعض الدوائر المتنازع عليها.
ومن بين أكثر من 29 مليون عراقي يحق لهم التصويت، يشكل الشباب (من مواليد 2000 فما فوق) النسبة الأكبر، ما يعكس وجود طاقة تغيير حقيقية إذا ما تم توجيهها واستثمارها بالشكل الصحيح، لكن هذا الجيل تحديدًا هو الأكثر تهميشًا، سياسيًا واقتصاديًا، وهو ذاته الذي كان في طليعة احتجاجات تشرين 2019 التي طالبت بإسقاط الطبقة السياسية الفاسدة وإنهاء نفوذ السلاح في القرار الوطني.
ولذلك، فإن مشاركة الشباب في الانتخابات المقبلة تُعد حاسمة في كسر الجمود السياسي الذي عانت منه البلاد، لكنها في الوقت نفسه مهددة إذا استمرت الفجوة بينهم وبين الدولة، وإذا شعروا بأن الانتخابات مجرد إعادة إنتاج للواقع نفسه.
ويري مراقبون أن مستقبل العراق على المحك، فالانتخابات المقبلة لا تُمثل فقط استحقاقًا ديمقراطيًا، بل اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدولة على ضبط الأمن، وإنفاذ القانون، وتوفير بيئة انتخابية نزيهة وآمنة.
ويروا أن الخطر الأكبر ليس فقط في ضعف الإقبال أو المشاكل التقنية، بل في احتمال استغلال الفوضى من قبل الإرهاب لخلط الأوراق وفرض أجنداته على حساب إرادة الشعب، إما أن تكون هذه الانتخابات بداية لإعادة بناء الدولة على أسس ديمقراطية عادلة، أو فرصة أخرى تضيع في دهاليز الصفقات السياسية وظلال السلاح والإرهاب.