الإخوان والفوضى الليبية: عندما تتحول الجماعة إلى أداة لتعطيل الدولة

الجمعة 23/مايو/2025 - 06:07 م
طباعة الإخوان والفوضى الليبية: حسام الحداد
 
تشهد العاصمة الليبية طرابلس حراكًا شعبيًا متصاعدًا ينذر بانفجار اجتماعي محتمل، في ظل حالة من الفوضى الأمنية والانهيار المؤسساتي، وسط دعوات متزايدة لإقالة حكومة عبد الحميد الدبيبة التي فقدت شرعيتها القانونية والشعبية. لكن وسط هذه الأزمة العميقة، يطفو إلى السطح مجددًا الدور التخريبي لجماعة الإخوان المسلمين، بوصفها أحد أبرز العوائق أمام أي مسار حقيقي نحو الاستقرار والشرعية في ليبيا.

الإخوان واستثمار الفوضى
لم يكن مستغربًا أن تندفع جماعة الإخوان، عبر واجهاتها الدعوية والسياسية، وعلى رأسها المفتي المعزول الصادق الغرياني، للدفاع المستميت عن حكومة الدبيبة، رغم تورطها في ملفات فساد مالي وإداري، وعجزها عن فرض سلطة الدولة على الأرض. فالجماعة لطالما اتخذت من الأجسام السياسية الانتقالية – الهشة والمنقسمة – أدوات لمد نفوذها، وضمان استمرار تحكمها بمفاصل القرار عبر وكلائها داخل مؤسسات الدولة ومليشياتها المسلحة على الأرض.
تتغذى استراتيجية الإخوان في ليبيا على إبقاء البلاد في حالة من "اللاحسم"، لا انتخابات تُنجز، ولا حلول تُنفذ، بل مجرد إدارة للأزمة وفق معادلات ولاءات وتنفيعات، تتيح لهم كسب الوقت والمواقع في آن واحد. فهم يدركون أن أي انتخابات وطنية نزيهة قد تفضي إلى إقصائهم شعبيًا بعد تراجع شعبيتهم وتعرية خطابهم، لذا فهم الأكثر حرصًا على عرقلة العملية السياسية، ولو بالتحريض والدم.

خطاب الغرياني.. الفتوى في خدمة الجماعة
الفتوى الأخيرة للمفتي المعزول الصادق الغرياني – الذي أضحى منذ سنوات لسان حال جماعة الإخوان – تمثل نموذجًا صارخًا لتوظيف الدين كأداة قمع وتكفير في وجه المطالب الشعبية المشروعة. حين يصف الغرياني المحتجين بأنهم "غير شرعيين" ويهددهم بأنهم "يموتون ميتة جاهلية"، فهو لا يكتفي بتجريم المعارضة، بل يسعى لتأصيل خطاب ديني يُجرّم الحراك المدني، ويمنح شرعية دينية لعسكرة المدينة ولقمع المظاهرات السلمية.
هذا النمط من الفتاوى يضع ليبيا أمام خطر داهم: تحويل المؤسسات الدينية إلى منصات تحريض سياسي وأمني، تستخدم الفقه كسلاح ضد المجتمع، وتحمي جماعة سياسية على حساب المصلحة الوطنية.

الإخوان.. التحالف مع السلاح ضد الدولة
لطالما مثلت علاقة الإخوان بالمليشيات المسلحة إحدى أخطر أدوات نفوذهم في ليبيا. فهم لا يملكون فقط أدوات سياسية ومالية، بل أيضًا أذرعًا مسلحة متمترسة في طرابلس ومصراتة، تستخدمها الجماعة لفرض إرادتها، وتخويف الخصوم، ومنع أي تغيير سياسي لا يصب في صالحهم. وهو ما يفسر إصرارهم على دعم حكومة الدبيبة، ليس من باب القناعة السياسية، بل لضمان استمرار شبكة المصالح الأمنية والمالية التي يسيطرون عليها.

ما بعد الدبيبة: الإخوان وصناعة "الأسوأ"
يدفع الغرياني وأنصاره بفرضية أن حكومة الدبيبة، رغم فسادها، تظل "أقل الشرين ضررًا". لكن السؤال هنا: من صنع هذا الواقع المأزوم؟ من عرقل الانتخابات؟ من شوّه كل محاولة للحل السياسي؟ الإجابة واضحة: إنهم الإخوان. فهم يصنعون الأزمة، ثم يسوقون أنفسهم كأهون البدائل، متمترسين خلف خطاب ديني شعبوي لا علاقة له بروح الشريعة أو بمصلحة الأمة.

نحو إنقاذ ليبيا من براثن الجماعة
ما تحتاجه ليبيا اليوم هو تفكيك منظومة المصالح التي صنعتها جماعة الإخوان على مدى عقد من الزمن، بدءًا من المؤسسات الدينية المسيسة، مرورًا بالمليشيات المسلحة، وصولًا إلى أدوات الإعلام والدعاية التي تُخدر الشارع وتضلل الرأي العام.
ينبغي دعم مطالب الشارع الليبي في إقامة حكومة طوارئ وطنية تُشرف على عملية انتخابية شفافة، وتحظى بغطاء شعبي وقانوني، مع تفكيك الفصائل المسلحة، وتجفيف منابع الفتوى التحريضية.
فلا يمكن لأي دولة أن تستعيد سيادتها وشرعيتها بينما يتحكم بها تنظيم ديني عابر للحدود، يوظف الدين لخدمة مشروع سياسي ضيق، ويختطف طموحات الناس في العيش الكريم خلف شعارات فارغة وخطابات تكفيرية.
ليبيا لن تنهض إلا بتحريرها من قبضة السلاح والفتوى، ومن عبث الإخوان الذين يحكمونها من وراء الستار منذ سنوات.

شارك