من مأرب إلى ميونيخ.. حوثي متهم بالإرهاب يقع في قبضة السلطات الألمانية

السبت 24/مايو/2025 - 08:37 ص
طباعة من مأرب إلى ميونيخ.. فاطمة عبدالغني
 
في خطوة تعكس تصاعد الاهتمام الأوروبي بملاحقة المتورطين في جرائم الحرب والانتهاكات الحقوقية في اليمن، أعلنت السلطات الألمانية في مدينة داخاو الواقعة جنوبي ألمانيا- قرب ميونيخ، عاصمة ولاية بافاريا-، اعتقال أحد عناصر ميليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران، وذلك بتهمة التورط في جرائم جسيمة ضد المدنيين خلال فترة نشاطه ضمن صفوف الجماعة.
وبحسب بيان المدعي العام الاتحادي، تم وضع المشتبه به، الذي لم يكشف عن اسمه الكامل احتراما لقوانين الخصوصية الصارمة في ألمانيا وأشير إليه باسم (حسين ح) فقط، قيد الحبس الاحتياطي بعد عرضه على قاضي تحقيق في محكمة العدل الاتحادية في كارلسروه، أعلى محكمة مدنية وجنائية في ألمانيا.
ويأتي هذا التحرك ضمن جهود أوروبية متزايدة لمحاكمة منتهكي القانون الدولي، لاسيما أولئك المرتبطين بميليشيات موالية لطهران، والتي اتُهمت بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق بحق الشعب اليمني منذ اندلاع الصراع قبل أكثر من عقد.
وفي هذا السياق أشادت الحكومة اليمنية بإعلان السلطات الألمانية، واعتبرته بمثابة خطوة مهمة تؤكد التوجه الأوروبي والدولي المتصاعد نحو التعامل مع المليشيا كتنظيم إرهابي عابر للحدود، شأنها شأن الجماعات الإرهابية الأخرى كداعش والقاعدة، وامتداداً لتحركات دولية متسارعة، بدأت بإعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى، وما رافقها من عقوبات بريطانية على قيادات حوثية، جاء ذلك على لسان وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، حيث قال إن "الادعاء العام الألماني أوضح في بيان له أن المدعو (حسين. ح)، انضم إلى صفوف مليشيا الحوثي في أكتوبر 2022، حيث خضع لدورات فكرية متطرفة "المراكز الصيفية " التي تديرها مليشيا الحوثي  وتدريبات عسكرية مكثفة استمرت ثلاثة أشهر، قبل أن يتم الدفع به إلى جبهات القتال في محافظة مأرب خلال عام 2023، للمشاركة في العمليات القتالية ضمن صفوف المليشيا الإرهابية".
وأضاف الوزير اليمني في تغريدة له على منصة "أكس" "إن توجيه تهم الانتماء إلى منظمة إرهابية وارتكاب جرائم ضد الإنسانية لهذا العنصر الحوثي، يرسل رسالة واضحة مفادها أن المجتمع الدولي بات يدرك طبيعة الخطر الذي تمثله المليشيا، ليس على اليمن فقط، بل على الأمن الإقليمي والدولي، وخصوصاً في الممرات الملاحية الحيوية، حيث لم تعد جرائم الحوثيين محصورة في الداخل اليمني، بل امتدت لتهديد التجارة العالمية وابتزاز المجتمع الدولي، وهو ما يفسر هذا التحرك الأوروبي باعتباره رد فعل على تهديدات مباشرة لمصالح وأمن العالم".
ولفت الإرياني إلى أن هذا التطور يؤشر إلى تحول نوعي في تعامل المجتمع الدولي مع عناصر المليشيا الحوثية المتواجدين خارج اليمن، وبدء مرحلة جديدة من الملاحقات القانونية على خلفية الانخراط في أنشطة إرهابية، وهو ما يعزز من حالة الضعف التي تمر بها المليشيا على الصعيدين السياسي والعسكري، ويؤكد أن هناك إرادة دولية متبلورة لعزلها ومحاسبة قياداتها وعناصرها
ووجه الإرياني تحذيراً واضحاً للمواطنين في مناطق سيطرة الحوثيين، مؤكدًا أن حضور ما تسميه المليشيا بـ"الدورات الثقافية"، بما في ذلك المراكز الصيفية التي تستهدف الأطفال والشباب، هو بمثابة انخراط مباشر في أنشطة إرهابية تُعرض أصحابها للمساءلة والعقاب وفق القانون الدولي، حيث أثبتت الوقائع أن المليشيا تستخدم ما تُسميه "الدورات الثقافية" و"المراكز الصيفية" كغطاء لتجنيد المقاتلين وغسل أدمغة الأطفال وتحويلهم إلى أدوات حرب
ودعا الوزير اليمني كافة المغرر بهم في صفوف المليشيا الحوثية داخل اليمن وخارجه، سواء من انضموا إليها أو تعاونوا معها، إلى التوقف الفوري عن أي شكل من أشكال التواصل والتخادم مع المليشيا، حرصاً على مستقبلهم وتجنباً لأي ملاحقة قانونية قد تطالهم نتيجة ذلك، فالمليشيا لم يعد بإمكانها الاستمرار في تضليل أتباعها، والعالم يتعامل معها كما يتعامل مع المنظمات الإرهابية، وكل من يرتبط بها، داخل اليمن أو خارجه، أصبح في دائرة الخطر القانوني
كما دعا الإرياني الأجهزة الأمنية والعدلية في الدول الأوروبية والدول الشريكة، إلى تعزيز التنسيق والتعاون مع الحكومة الشرعية، وتبادل المعلومات، لتسريع ملاحقة المتورطين في الانضمام للمليشيا الحوثية حول العالم، مؤكدًا أنه آن الأوان لكل من لا يزال مخدوعاً بشعارات المليشيا أن يعيد التفكير، فالعالم لم يعد يتساهل مع من يشكلون جزءاً من مشروع إرهابي يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
ويرى مراقبون أن الخطوة الألمانية باعتقال أحد عناصر ميليشيا الحوثي الإرهابية تمثل تطورًا لافتًا في التعاطي الأوروبي مع ملف الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة بحق المدنيين في اليمن، وتعبّر عن تحوّل تدريجي في النظرة الدولية تجاه الحوثيين، من جماعة متمردة إلى كيان مصنّف إرهابي تجب محاسبته، ويؤكد هؤلاء أن التحرك القضائي الألماني ليس معزولًا، بل يأتي في سياق سلسلة من الإجراءات الدولية التي تعكس إدراكًا متزايدًا لخطورة المليشيا على الأمن الإقليمي والدولي، لا سيما بعد تصاعد تهديداتها للملاحة الدولية في البحر الأحمر واستمرارها في استهداف المدنيين داخل اليمن.
ويشير المراقبون إلى أن اعتماد الادعاء الألماني على تهم الانتماء إلى منظمة إرهابية وارتكاب جرائم ضد الإنسانية يفتح الباب أمام ملاحقات قانونية مماثلة في دول أوروبية أخرى، خاصة أن العديد من عناصر المليشيا قد لجؤوا إلى الخارج خلال السنوات الماضية، كما يرون أن التنسيق المتزايد بين الحكومة اليمنية والدول الغربية في هذا الملف قد يشكل بداية مرحلة جديدة من الضغط الدولي على الحوثيين، تتجاوز الإدانة السياسية إلى المحاسبة القضائية.
ويؤكد خبراء قانونيون أن هذه السابقة القانونية من شأنها أن تسهم في تجريم كثير من أنشطة الحوثيين في الخارج، خصوصًا ما يتعلق ببرامج التجنيد وغسل العقول التي تُمارس في ما يُسمى بـ"الدورات الثقافية" و"المراكز الصيفية"، والتي باتت تُعتبر غطاءً لتجنيد الأطفال والزجّ بهم في جبهات القتال، ويرى المراقبون أن مثل هذا التحول القانوني الدولي سيكون له تأثير مباشر على قدرات المليشيا في تجنيد أنصار جدد أو تأمين مصادر دعم من الخارج، ما يزيد من عزلتها ويضعف قدرتها على المناورة سياسياً وعسكرياً.

شارك