"جهاز أمن الثورة".. أداة حوثية جديدة على خطى الاستخبارات الإيرانية
الإثنين 26/مايو/2025 - 12:57 م
طباعة

في تطور أمني جديد يعكس مدى تعقيد وتشعب البنية الاستخباراتية لجماعة الحوثي المدعومة من إيران، كشفت مصادر أمنية لموقع "ديفانس لاين" عن إنشاء الجماعة جهازًا أمنيًا جديدًا تحت مسمى "جهاز أمن الثورة"، ويأتي هذا الجهاز ضمن منظومة أمنية تتوسع تدريجيًا على غرار النموذج الإيراني، خصوصًا وزارة "الإطلاعات"، وهي خطوة تعزز الاتجاه العقائدي والسياسي للجماعة نحو تأصيل مفهوم "الولاية" وتنفيذ "المسيرة القرآنية" بمفهومها الجهادي التوسعي.
الجهاز الجديد، الذي يخضع مباشرة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، يمثل قفزة في المشروع الأمني الحوثي، ويعد حلقة جديدة في سعي الجماعة لإعادة هندسة أجهزة الدولة على أسس أيديولوجية وطائفية، مستلهمة تجربة "حزب الله" اللبناني ومرتبطة عمليًا بجهات إقليمية فاعلة، كالحرس الثوري الإيراني و"فيلق القدس".
الهيكلية والمهام
وفقًا للمصادر، فإن "جهاز أمن الثورة" كُلف بمهام استراتيجية متعددة تشمل:
توجيه الأداء الأمني العام.
التخطيط والرقابة على الأجهزة الأخرى.
الإشراف على المنظومة الاستخبارية بشكل عام.
المساهمة في ما يسمى "الأمن الخارجي والإقليمي".
هذه المهام تعكس ليس فقط توجهًا لتعزيز قبضة الجماعة داخليًا، بل أيضًا توسيع دورها خارجيًا، بما يخدم مشروعها التوسعي في الجزيرة العربية، وهو ما يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن الإقليمي.
كما يتجاوز هذا الجهاز الأطر التقليدية للعمل الاستخباراتي المحلي، إذ يُنظر إليه كمنصة سيادية لتنسيق الجهود الأمنية والاستخباراتية بين مختلف الأجهزة التابعة للحوثيين، ما يضعه في موقع مكافئ لوزارة الاستخبارات الإيرانية من حيث الدور والسيطرة.
البعد الأيديولوجي والتنظيمي
يتزامن تأسيس الجهاز مع تسارع جماعة الحوثي في "تأصيل الثورة" من خلال "الرؤية الوطنية"، و"ثورة 21 سبتمبر"، حيث تتقاطع العقيدة الدينية مع الهيكلة الأمنية، بشكل يستنسخ إلى حد كبير النموذج الخميني في إيران، مع تطعيمه بخصائص يمنية محلية من خلال ربط التعيينات والانتماءات بعوامل النسب والولاء.
جميع القيادات في هذا الجهاز الجديد - كسائر التكوينات الأمنية الحوثية - يتم اختيارهم من "الهاشميين" ودوائر الولاء الضيق المحيطة بعبد الملك الحوثي، وهو ما يرسخ الطابع الطائفي الإقصائي الذي تنتهجه الجماعة في مؤسسات الدولة المختطفة.
من هو جعفر المرهبي؟
يتولى جعفر محمد أحمد ناصر المرهبي، المعروف بلقبه الحركي "أبو جعفر"، قيادة هذا الجهاز، المرهبي أحد القادة الأمنيين البارزين من أبناء محافظة صعدة، يملك خلفية أمنية ثقيلة، فهو أحد المؤسسين الأوائل لتنظيم "الشباب المؤمن"، وشارك في بناء النواة الأولى لـ"جهاز الأمن الوقائي الجهادي"، وكان مسؤولا مباشرا عن حماية قيادات الجماعة في مراحلها الأولى.
ما يميز المرهبي هو علاقاته الوثيقة مع الدوائر الاستخباراتية الخارجية المرتبطة بإيران و"حزب الله"، وتورطه في أنشطة تخريبية داخل اليمن، تشمل اغتيالات وتفجيرات وعمليات تجسس، وقد صدر بحقه حكم بالإعدام عام 2008، لكن تم الإفراج عنه بعفو سياسي، قبل أن يعود ليتبوأ مناصب أمنية بارزة تحت غطاء رسمي.
المصادر تؤكد أن المرهبي تلقى تدريبات استخباراتية في لبنان، وسافر بهويات مزورة، وتمت ترقيته في 2016 إلى رتبة "عقيد"، ولاحقًا "لواء"، وشغل منصب وكيل في وزارة الإرشاد التابعة للجماعة، رغم كونه مطلوبًا للمحاكمة أمام المحكمة العسكرية في مأرب بتهم تتعلق بالإرهاب وجرائم ضد الدولة.
دور مزدوج وسرية مشددة
الجماعة تتعامل مع المرهبي كشخصية أمنية مركزية تُدار بسرية تامة، وقد قامت مؤخرًا بحذف كل ما يتعلق به من منصاتها الإعلامية، رغم ظهوره في فيلم وثائقي بثته قناة "المسيرة"، مما يعكس حجم الحساسية الأمنية المرتبطة به، وهذا التعتيم الإعلامي مؤشر واضح على طبيعة الدور الذي يضطلع به، وعلى أهمية الجهاز الذي يقوده.
ويرى محللون أمنيون أن إنشاء "جهاز أمن الثورة" هو خطوة خطيرة باتجاه تحويل اليمن إلى دولة أمنية طائفية خاضعة لنفوذ إيراني مباشر، وأن هذا الجهاز يمثل نسخة يمنية من الاستخبارات الإيرانية، وهو ما يؤكد تحول الجماعة إلى كيان يشبه "حزب الله" من حيث الهيكلة، العقيدة، والأدوار الإقليمية.
كما يعتبر المراقبون أن تعيين شخصية متشددة ومطلوبة قضائيًا على رأس جهاز بهذه الحساسية يؤشر إلى أن الجماعة تتجه نحو تصعيد أمني داخلي وقمع أوسع للحريات، مع إمكانات متزايدة لتنفيذ عمليات إرهابية في الداخل والخارج بدعم إقليمي، خصوصًا من "فيلق القدس".
ويؤكد الخبراء أن هذا التطور يتطلب يقظة أمنية إقليمية ودولية، لأن "جهاز أمن الثورة" يمكن أن يتحول إلى أداة مركزية في توجيه العمليات الخارجية وتنسيق الخلايا النائمة التابعة للجماعة خارج اليمن.
وختامًا يؤشر تأسيس "جهاز أمن الثورة" إلى مرحلة جديدة من التأطير الأمني الأيديولوجي لدى جماعة الحوثي، في مسار يعكس تأثرًا عميقًا بالنموذج الإيراني، ويخدم أهدافًا توسعية تتجاوز الحدود اليمنية، ومع وجود قيادات متورطة بالإرهاب على رأس هذا الجهاز، تزداد المخاوف من استخدامه كأداة لإحكام السيطرة الداخلية، وتنفيذ أجندات تخريبية إقليمية تهدد الأمن القومي العربي، ما يفرض على المجتمع الدولي متابعة دقيقة، وإجراءات استباقية لتحجيم هذا الكيان ومنع تحوله إلى ذراع استخباراتي إقليمي على غرار "الإطلاعات" الإيرانية أو "أمن حزب الله".