الحوثيون يصعّدون تجنيد الفتيات.. مراكز صيفية تتحول إلى بوابة لـ"الزينبيات" في صنعاء

الثلاثاء 27/مايو/2025 - 10:09 ص
طباعة الحوثيون يصعّدون أميرة الشريف - فاطمة عبدالغني
 
في خطوة أثارت قلق الأوساط التربوية والمجتمعية، كشفت مصادر تعليمية في العاصمة اليمنية صنعاء عن تصاعد وتيرة استغلال جماعة الحوثي للمراكز الصيفية كغطاء لتجنيد الفتيات وإدماجهن في التشكيلات العسكرية النسائية التابعة للجماعة، والمعروفة باسم "الزينبيات".
ووفقاً للمصادر، فقد حوّلت الجماعة أكثر من 150 مدرسة ومسجداً في أحياء مختلفة من صنعاء إلى مقرات لاستقطاب آلاف الطالبات من مختلف الفئات العمرية.
 وتشير التقديرات إلى أن نحو 16 ألف فتاة شاركن هذا العام في تلك المراكز، رغم العزوف المجتمعي الواسع عنها، مقارنة بطموحات الجماعة التي كانت تسعى لتجنيد أكثر من 55 ألف طالبة في ما يقارب 516 منشأة تعليمية ودينية.
المعلومات الواردة من صنعاء تشير إلى صدور توجيهات مباشرة من مكتب زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، لتشكيل فرق نسائية ميدانية تحت مسمى «الدعم والإسناد».
 هذه الفرق، بحسب المصادر، تضطلع بدور مباشر في تجنيد الفتيات، مع التركيز على الطالبات في المرحلتين الإعدادية والثانوية، وتدريبهن على استخدام الأسلحة الخفيفة، تمهيداً لدمجهن في صفوف «الزينبيات».
وتقود هذا النشاط التجنيدي قياديات بارزات في الجماعة من بينهن، ابتسام المحطوري، وسعاد الكحلاني، وبشرى مفضل، وأمة المجيب القحوم، وغادة أبو طالب، وسارة جحاف، وحنان الشامي، وإشراق المأخذي، وأخلاق الشامي، وهناء المحاقري. 
وتُعد هذه الأسماء من الوجوه النسائية التي لعبت أدواراً رئيسية في حملات التعبئة والتجنيد خلال السنوات الماضية.
يتّهم تربويون الجماعة باستخدام أساليب متعددة لاستدراج الفتيات إلى مراكزها، منها الإغراءات المالية والعينية، مثل الوعود بجوائز وسلال غذائية ورحلات مدرسية، فضلاً عن تقديم تسهيلات أكاديمية كتعديل الدرجات أو إعفاءات من الرسوم المدرسية.
وبحسب تقارير إعلامية، أكد عاملون في قطاع التعليم أن الجماعة تستغل الوضع الاقتصادي الصعب لأغلب الأسر اليمنية لتكريس حضورها في الوسط التربوي، مبينين أن كثيراً من أولياء الأمور وقعوا تحت ضغط الحاجة أو التهديد الضمني بعدم قبول أبنائهم في المدارس الرسمية.
و تحدثت بعض الفتيات عن تجربتهن داخل أحد هذه المراكز الصيفية الحوثية، وقالت إن معظم الأنشطة التي خضعت لها كانت تركز على تلقين المشاركات أفكار الجماعة ومفاهيمها الطائفية، بالإضافة إلى إلزامهن بحضور خطابات عبد الملك الحوثي، وترديد شعارات دينية ومذهبية، وتحفيزهن على التبرع للجبهات.
وأضافت الفتيات أن النشاطات التعليمية أو الترفيهية التي كانت تتوقعها غابت تماماً، موضحة أن الدورة الصيفية افتقرت لأي محتوى توعوي أو تنموي، لا سيما في مجالات الصحة النفسية، أو المهارات الحياتية، أو التمكين الاقتصادي للفتيات.
ووصفت الطالبات المعسكر بأنه "عملية غسيل أدمغة ممنهجة"، مشيرة إلى أن بعض الفتيات طُلب منهن تعبئة استمارات انضمام إلى وحدات نسائية أمنية تابعة للجماعة.
يأتي هذا التصعيد في وقت تعاني فيه النساء اليمنيات من أوضاع مأساوية بسبب الحرب والانقلاب المستمر منذ 2014.
 وفي ظل غياب أي برامج حقيقية لتمكين النساء اقتصادياً أو تأهيلهن مهنياً، تتجه الجماعة نحو عسكرة الطفولة والأنوثة، وتحويل الفتيات إلى أدوات أمنية تخدم أجنداتها السياسية والعسكرية.
وبينما تنهي المراكز الصيفية الحوثية فعالياتها لهذا العام، يرى تربويون أن المرحلة القادمة ستشهد توسعاً في محاولات التجنيد، محذرين من أن صمت المجتمع الدولي إزاء هذه الانتهاكات قد يشجع الجماعة على مواصلة مخططاتها دون رادع.
من جانبها دعت منظمات حقوقية داخلية وخارجية مراراً إلى ضرورة مراقبة النشاطات الحوثية داخل المدارس والمراكز التعليمية، ومنع استخدام المؤسسات التعليمية لأغراض عسكرية أو طائفية. 
كما حثت هذه المنظمات على وضع حد لتجنيد الأطفال والفتيات، وتوفير بدائل تعليمية آمنة في المناطق الخاضعة للحوثيين.
وفي ظل هذه الانتهاكات المتكررة، لا تزال تساؤلات كثيرة تطرح حول مستقبل جيل يمني مهدد بفقدان حقه في التعليم الطبيعي، ليجد نفسه وسط مشروع عسكري مغلّف بشعارات دينية وبرامج صيفية تُدار من قبل جماعة لا تعترف بمواثيق حقوق الإنسان ولا اتفاقيات حماية الطفولة.
ويري مراقبون أن ما يحدث اليوم في صنعاء من استغلال للفتيات تحت غطاء التعليم الصيفي ليس إلا حلقة ضمن سلسلة طويلة من الانتهاكات التي ترتكبها جماعة الحوثي بحق المرأة اليمنية والمجتمع ككل، فمنذ سيطرتها على العاصمة، سعت الجماعة إلى تفكيك النسيج الاجتماعي وإعادة تشكيله وفقاً لأيديولوجيا مذهبية مغلقة، حيث أصبحت المرأة – لا سيما الفتاة في سن الدراسة – هدفاً مباشراً لحملات التعبئة والتجنيد.
ولم تكتفِ الجماعة بتجنيد النساء في التشكيلات العسكرية مثل «الزينبيات»، بل عمدت إلى استغلال فقر العائلات وضعف البنية التعليمية والمؤسساتية لفرض أجندتها داخل البيوت والمدارس. 
ويروا أن هذه الممارسات تهدد مستقبل الطفولة في اليمن، وتحوّل الفتيات من عناصر فاعلة في التنمية إلى أدوات في صراع طويل ومدمر، يُوظف فيه التعليم كوسيلة للسيطرة لا للتحرير، وللتعبئة لا للتنوير، وأن عسكرة التعليم وتطييفه، خاصة حين يُمارس على الفتيات في مجتمع محافظ كاليمن، لا يعني فقط انتهاك حقوق الطفولة والتعليم، بل يشكّل تهديداً استراتيجياً طويل الأمد لمستقبل البلاد، ويقوّض فرص السلام والمصالحة الوطنية.
وأشار المراقبون إلي أن السكوت عن هذه الانتهاكات أو التهاون في مواجهتها، سيُفضي إلى تكريس واقع مظلم، تنشأ فيه أجيال مشوهة الهوية، منزوعة الوعي، مدفوعة بالقوة إلى مسارات لا تشبه أحلامها ولا تمثل تطلعات شعب بأسره للخلاص من الحرب والجهل والتطرف.

شارك