توتر متصاعد على الحدود السورية اللبنانية.. هل يعكس تهريب السلاح عودة النفوذ الإيراني؟

الأربعاء 28/مايو/2025 - 11:40 ص
طباعة توتر متصاعد على الحدود أميرة الشريف
 
في مشهد يعيد إلى الأذهان سنوات الحرب السورية وأدوار القوى الإقليمية المتشابكة فيها، عادت الحدود السورية اللبنانية إلى واجهة الأحداث الأمنية، بعد إعلان السلطات السورية، ضبط شحنة ضخمة من الأسلحة، تضم صواريخ غراد كانت معدّة للتهريب إلى "حزب الله" اللبناني، وذلك في مدينة القصير السورية الحدودية.
هذه العملية هي الثانية التي تُكشف خلال شهر مايو الجاري، ما يثير تساؤلات واسعة حول الجهة التي تقف خلف هذه الأنشطة، وما إذا كانت تعكس بوادر استعادة إيران لنفوذها العسكري والأمني في سوريا، أم أنها مجرد تحركات فردية لعصابات محلية تتغذى على الفوضى.
ليست القصير بلدة عابرة في الحسابات الجيوسياسية. فقد شكلت خلال العقد الماضي مركزًا حيويًا لحزب الله وموقعًا استراتيجيًا لتحركاته العابرة للحدود. 
ومع تصاعد القتال في سوريا منذ عام 2011، تحوّلت القصير إلى قاعدة عمليات متقدمة، حيث أنشأ الحزب فيها ثكنات عسكرية ومراكز تدريب لميليشيات موالية لإيران، من أبرزها "لواء الرضا" المنتشر في ريف حمص.
ورغم ما شهدته الساحة السورية من تغييرات ميدانية وتراجع نفوذ طهران نسبيًا في أعقاب تآكل سلطة نظام الأسد وتقدم بعض الأطراف الدولية في ملفات إعادة الإعمار، فإن الوقائع الميدانية تشير إلى محاولات إيرانية متكررة لإعادة تشكيل شبكة نفوذها، لا سيما في المناطق الحدودية التي تسهّل لها التواصل مع حزب الله، ذراعها الأبرز في المنطقة.
مصادر سورية مطلعة أكدت في تصريحات خاصة أن وتيرة عمليات التهريب التي تم ضبطها، خصوصًا خلال الأشهر الماضية، تشير إلى عودة تدريجية لحركة شبكات تهريب مرتبطة بطهران.
 وأضافت المصادر أن العديد من الشحنات المضبوطة، والتي توزعت بين حمص، والقصير، وسهل البقاع، كانت تحتوي على أسلحة متوسطة وثقيلة من طراز إيراني، ما يعزز فرضية تورط مباشر من الحرس الثوري أو وكلاء تابعين له.
وكان شهر يناير الماضي قد شهد عدة محاولات تهريب مشابهة، مما دفع الجهات الأمنية في سوريا إلى تعزيز وجودها في بعض النقاط الساخنة، خصوصًا في مناطق التماس القريبة من الحدود اللبنانية.
مع ذلك، لا يمكن تجاهل الاحتمال الآخر الذي تشير إليه بعض التقديرات، وهو أن تكون عصابات محلية مسلحة هي من يقف وراء هذه العمليات.
 ففي أعقاب سقوط النظام المركزي في العديد من المناطق السورية، ظهرت شبكات تهريب معقدة تستغل الفوضى والفراغ الأمني، وتتعامل بمرونة مع الجهات القادرة على الدفع، سواء كانت ميليشيات، أو تجار مخدرات، أو فصائل مسلحة.
وتنشط هذه الشبكات بشكل خاص في مدن مثل القصير وحمص، حيث تمتد الروابط العائلية والقبلية إلى داخل لبنان، لا سيما في منطقة البقاع. 
وتركز هذه العصابات، بحسب المصادر، على تهريب الكبتاغون والأسلحة الخفيفة، التي أصبحت مصدر دخل رئيسي في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية.
ولم تقتصر مظاهر التوتر على محاولات التهريب فقط، بل شهدت الحدود في فبراير الماضي اشتباكات عنيفة بين عناصر من "هيئة تحرير الشام" وفصائل محسوبة على "حزب الله" في مناطق متفرقة من البقاع، خصوصًا في بلدات سهلات الماي، الزكبا، والقصير.
وبحسب ما أفادت به مصادر ميدانية، فقد اندلعت المواجهات بعد محاولة عناصر من الحزب تمرير شحنة أسلحة ومخدرات عبر معابر غير شرعية، بتنسيق مع مجموعات سورية موالية لإيران.
 وامتدت الاشتباكات لتشمل بلدات أخرى، في مؤشر واضح على هشاشة الوضع الأمني وغياب السيطرة الكاملة لأي جهة على الأرض.
مع تكرار هذه الحوادث، يبدو المشهد الحدودي السوري اللبناني مفتوحًا على عدة سيناريوهات، أولها أن تعمد إيران إلى إعادة رسم وجودها الأمني في سوريا من خلال وكلائها، وعلى رأسهم حزب الله، مستفيدة من ضعف السيطرة الحكومية السورية في المناطق الحدودية.
أما السيناريو الآخر، فيتمثل في توسّع نفوذ العصابات المحلية التي تعمل بمنطق السوق، والتي قد تكون متورطة في تمرير الأسلحة مقابل المال، دون ارتباط مباشر بأي أجندة سياسية.
 وهذا السيناريو يطرح تحديات كبيرة أمام الأمنين السوري واللبناني، كونه يعكس تحوّل بعض المناطق إلى "مناطق رمادية" خارجة عن السيطرة.
ويري مراقبون أن الوقائع على الأرض تشير إلى أن خطوط التهريب لم تُغلق قط، وإنما خضعت لإعادة تنظيم وتكتيك جديد يتماشى مع التوازنات الإقليمية. 
وبين طهران التي تسعى لإعادة تموضعها في سوريا، وحزب الله الذي يحتاج إلى تدفق مستمر للأسلحة لتعزيز وضعه الداخلي والخارجي، والعصابات المحلية التي وجدت في الفوضى مورد رزق دائم، تبقى الحدود السورية اللبنانية منطقة قابلة للاشتعال في أي لحظة.
ما يحدث على الحدود اللبنانية-السورية "لا يرتبط بخلفية سياسية مباشرة، بل هو صراع على النفوذ والسيطرة يحمل أبعاداً طائفية"، بحسب خبراء.
وأشار المراقبون إلي أنه في ظل غياب حلول سياسية شاملة في سوريا، واستمرار تفكك السلطة الأمنية، ستظل هذه المناطق ساحة مفتوحة أمام شبكات التهريب والمصالح المتضاربة، في انتظار انفجار أكبر، قد لا يكون بعيدًا.

شارك