صفقة الكوكايين والسلاح.. كيف تحوّلت ترسانة الأسد إلى خزينة لدعم الإرهاب العالمي؟
الخميس 29/مايو/2025 - 11:16 ص
طباعة

كشفت لائحة اتهام فدرالية غير معلنة، أُزيح الستار عنها مؤخرًا في ولاية فرجينيا الأمريكية، عن واحدة من أخطر العمليات الإجرامية العابرة للحدود، حيث امتدت خيوطها من كولومبيا إلى ميناء اللاذقية السوري، مرورًا بلبنان وغانا والمغرب وكينيا، لتُرسم على إثرها ملامح تحالف غير مسبوق بين عصابات مخدرات دولية، جماعات إرهابية، وشبكات فساد داخل أنظمة مارقة.
العملية التي وُصفت بأنها “تبادل قاتل” بين الكوكايين والسلاح، تُعدّ من أكبر محاولات التعاون بين مافيا المخدرات في أمريكا اللاتينية وتنظيمات إرهابية مسلحة في الشرق الأوسط.
وبحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" فقد كان من المقرر وصول مئات الكيلوجرامات من الكوكايين إلى ميناء سوري، مخبأة في حاوية شحن يُفترض أنها مليئة بالفاكهة.
وبحسب وثيقة الاتهام التي نشرتها نشرة "كورت ووتش" القانونية، فإن المواطن اللبناني أنطوان قسيس، واثنين من شركائه، لعبوا أدوارًا محورية في مخطط يُعتقد أنه تم بتنسيق مع شخصيات رفيعة من داخل النظام السوري، وتحديدًا بقايا الشبكة العسكرية التي ظلت فاعلة حتى بعد الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر الماضي.
وتكشف الوثائق أن قسيس، الموصوف بأنه "تاجر مخدرات عالي المستوى"، قام بتنسيق صفقة تقضي بتوريد مئات الكيلوغرامات من الكوكايين إلى سوريا، مخفية داخل حاوية شحن زُعِم أنها تحتوي على فاكهة من كولومبيا. وفي المقابل، كانت ترسانة من الأسلحة المتبقية من عهد الأسد على وشك الانتقال إلى أيدي جيش التحرير الوطني الكولومبي (ELN)، وهو تنظيم مصنف كجماعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة، وله تاريخ حافل بالعمليات المسلحة والاتجار بالمخدرات.
هذه الصفقة لم تكن مجرد عملية تهريب تقليدية، بل جزء من منظومة إرهابية متكاملة تربط تجارة المخدرات بالتمويل غير المشروع للإرهاب. فالأسلحة التي كان من المقرر شحنها، بحسب الادعاء الأمريكي، شملت معدات قدمتها روسيا وإيران سابقًا للنظام السوري، ما يطرح تساؤلات خطيرة حول مصير الترسانة السورية وما إذا كانت قد أصبحت الآن في متناول جماعات مسلحة تتلقى دعماً من عصابات الجريمة المنظمة.
ويؤكد الادعاء الأمريكي أن العملية، التي بدأت ملامحها في ربيع العام الماضي، شهدت مشاركة مباشرة من شخصيات أخرى، منها عليريو رافائيل كوينتيرو من أمريكا اللاتينية ووسام نجيب خرفان، اللبناني أيضًا. كوينتيرو وخرفان تولّيا عمليات دفع وغسل أموال بملايين الدولارات، في حين تولى قسيس توزيع المخدرات في الشرق الأوسط وتأمين صفقات السلاح من داخل سوريا.
وبالرغم من التغييرات السياسية التي طالت دمشق، ظل قسيس يتمتع بنفوذ يسمح له بالوصول إلى مخازن أسلحة من المفترض أنها كانت تحت رقابة دولية.
وفي عملية أمنية سرية قادتها مديرية التحقيقات الجنائية في كينيا، تم توقيف قسيس في أحد فنادق نيروبي بداية هذا العام، بعد رصد تحركاته بناءً على مذكرة توقيف أمريكية مدعومة بإشعار من الإنتربول.
الصفقة التي أحبطتها السلطات الدولية لم تكن لتشكل فقط خرقًا أمنيًا خطيرًا، بل تهديدًا جيوسياسيًا حقيقيًا، حيث كانت تؤسس لنموذج جديد من الإرهاب المموّل عبر شبكات المخدرات والسلاح العابرة للحدود.
ويري مراقبون أن هذه القضية تثير تساؤلات متزايدة حول دور بقايا النظام السوري في تغذية الإرهاب العالمي عبر التعاون مع جماعات إجرامية من أمريكا اللاتينية، الأمر الذي يعيد تسليط الضوء على سوريا ما بعد الأسد كساحة خلفية للصفقات السوداء والتحالفات المشبوهة بين الإرهاب والجريمة المنظمة.
وبينما لا تزال التحقيقات جارية، يبدو أن هذه القضية ليست سوى رأس جبل الجليد، وسط تقديرات استخباراتية تشير إلى وجود شبكات أوسع وأعمق تستغل الفراغات الأمنية لتأسيس نماذج جديدة من “اقتصاد الإرهاب”، ترتكز على المخدرات، السلاح، وغسل الأموال، لتغذية صراعات لا تعرف الحدود.