صراع أمريكي–إيراني وميليشيات تمسك بزمام القرار..من يحكم بغداد؟

الجمعة 30/مايو/2025 - 11:19 ص
طباعة  صراع أمريكي–إيراني أميرة االشريف
 
وسط صمت رسمي عراقي، وتصعيد غير معلن من الجانب الأمريكي، تتصاعد مؤشرات التوتر بين بغداد وواشنطن، في ظل ما يصفه مراقبون بـ"الفتور الدبلوماسي" الذي يعكس أزمة عميقة في الثقة بين الحليفين السابقين. 
هذه الأزمة، التي تأخذ طابعًا استراتيجيًا، ترتبط بشكل وثيق بتقاطعات النفوذ الإيراني داخل العراق، وهو ما يعيد إلى الواجهة تساؤلات جوهرية حول موقع بغداد في المعادلة الإقليمية، ودورها في مواجهة الإرهاب، لا سيما مع تصاعد نفوذ الميليشيات المسلحة.
في الوقت الذي تنظر فيه واشنطن إلى العراق كخط تماس أولي في معركتها المفتوحة ضد النفوذ الإيراني، لا ترى بغداد نفسها طرفاً فاعلاً في هذه المواجهة، بل تبدو، وفق تحليل مختصين، عاجزة أو مترددة في اتخاذ خطوات قد تُقرأ على أنها قطيعة مع طهران، الحليف القوي للعديد من الأطراف الفاعلة داخل النظام السياسي العراقي.
أحد أكثر الملفات حساسية في العلاقة بين بغداد وواشنطن يتمثل في ملف الميليشيات المسلحة، فبينما ترى الإدارة الأمريكية أن هذه الفصائل، المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، تمثل تهديدًا مباشرًا لقواتها ومصالحها في العراق، لا تبادر الحكومة العراقية إلى اتخاذ إجراءات واضحة وحاسمة تجاهها، ما يُفسَّر في واشنطن كخضوع للنفوذ الإيراني، بل وتواطؤ ضمني أحيانًا.
هذا التراخي في مواجهة الميليشيات يُنظر إليه داخل دوائر صنع القرار الأمريكية على أنه جزء من منظومة "الإرهاب الإيراني العابر للحدود"، والذي تستخدم فيه طهران أذرعها في العراق وسوريا ولبنان واليمن لإرباك الأمن الإقليمي، وتهديد المصالح الأميركية والغربية.
تصاعد التوتر لم يقتصر على البعد الأمني فقط، بل امتد إلى الجانب السياسي والاقتصادي، مع مضي واشنطن في توقيع اتفاقات إستراتيجية مباشرة مع حكومة إقليم كردستان دون الرجوع إلى بغداد. هذه الخطوة، التي رآها كثيرون تجاوزاً للسيادة العراقية، فُسرت من قبل آخرين على أنها رسالة سياسية مفادها أن واشنطن باتت تنظر إلى أربيل كطرف موثوق أكثر من بغداد، خاصة في ظل الانهيار المتكرر لثقة واشنطن بالحكومة المركزية.
ولعل أبرز تلك الاتفاقات ما يتعلق بقطاع الطاقة، إذ وقّعت شركات أمريكية عقوداً ضخمة مع الإقليم، متجاوزة الحكومة الاتحادية، الأمر الذي يعكس بحسب الباحث الكردي ريبين سلام "محاولة أمريكية لإعادة رسم خارطة النفوذ السياسي والاقتصادي في العراق، عبر دعم قوى محلية لا تخضع للنفوذ الإيراني".
من بين أبرز الخطوات التي اتخذتها واشنطن مؤخراً، إلغاء استثناءات استيراد الكهرباء والغاز من إيران، وهي خطوة فسّرها محللون على أنها جزء من إستراتيجية أميركية أشمل، تستهدف تقليص الموارد المالية التي تحصل عليها طهران من السوق العراقية.
هذا التوجه الأمريكي تزامن مع فرض قيود مشددة على تدفق الدولار إلى السوق العراقية، ضمن حملة مالية لمحاصرة عمليات تهريب العملة التي تُستخدم بحسب تقارير أميركية  في تمويل أنشطة "إرهابية" عبر شبكات مرتبطة بإيران.
في المقابل، تبدو بغداد مترددة، وربما غير راغبة في الدخول بمواجهة مفتوحة مع الفصائل المسلحة، أو مع إيران نفسها.
 ويرى خبراء عراقيون أن الطبقة السياسية العراقية الحالية لا تملك إرادة حقيقية لمواجهة النفوذ الإيراني، بل تنتظر مآلات التفاوض الأمريكي الإيراني، على أمل أن تأتي الحلول من الخارج، لا من الداخل.
ويروا أن الولايات المتحدة بدأت تنفيذ مطالبها بالقوة، من دون انتظار تفاهمات مع بغداد، في ظل اقتناعها بأن العراق بات ضمن دائرة الهيمنة الإيرانية، مشيرين إلى أن إدارة ترامب منحت بغداد نوعاً من الهدنة عبر تمديد الحماية على الأموال العراقية في الخارج، لكن هذه الخطوة باتت محل مراجعة في ظل التطورات الأخيرة.
وفي واشنطن، تتصاعد الأصوات داخل الكونجرس التي تطالب بإعادة تقييم العلاقة مع العراق، ووقف المساعدات العسكرية والمالية، في ظل ما يُوصف بـ"خضوع بغداد التام لطهران". 
وفي رسالة رسمية إلى وزارة الخارجية الأمريكية، دعا نائبان جمهوريان إلى تجميد العلاقات الثنائية حتى تتخذ الحكومة العراقية خطوات جدية لـ"وقف هيمنة وكلاء إيران في العراق.
هذا الربط المباشر بين الميليشيات العراقية والإرهاب المدعوم إيرانيًا يعكس تحوّلاً في النظرة الأمريكية لبغداد، من شريك في الحرب على الإرهاب (ضد داعش)، إلى ساحة خاضعة لنفوذ دولة متهمة بدعم الإرهاب (إيران)، وهو ما ينذر بتحول إستراتيجي في طبيعة العلاقة المستقبلية بين البلدين.
في ظل هذه التطورات، يبدو أن هامش المناورة الذي كانت تملكه بغداد في التعامل مع واشنطن وطهران معاً بدأ يتآكل. فالضغوط الأميركية لم تعد تقبل التفسيرات الرمادية، ولا التسويات المؤقتة.
 ويري مراقبون أن صمت الحكومة العراقية إزاء سطوة الميليشيات وفقدان السيطرة على العقود النفطية والتحويلات المالية بات يُقرأ في العواصم الغربية كعلامة ضعف لا يمكن تبريرها، بل تُعد تهديداً للأمن الإقليمي.
ويشير المراقبون إلي أن استمرار بغداد في هذا النهج قد يقودها إلى خسارة موقعها كشريك إستراتيجي للغرب، وتحولها التدريجي إلى ساحة مواجهة بين أطراف إقليمية ودولية، يكون المواطن العراقي ضحيتها الأولى، والإرهاب بصيغته القديمة والجديدة هو الرابح الأكبر.

شارك