غياب الحلول يُنعش الإرهاب.. ليبيا بين فوضى الميليشيات ومبادرة الدبيبة

الأربعاء 04/يونيو/2025 - 01:38 م
طباعة غياب الحلول يُنعش إعداد أميرة الشريف
 
 في توقيت حرج يتصاعد فيه التوتر الأمني ويشتد الانقسام السياسي، أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبد الحميد الدبيبة، عن عزمه إطلاق مبادرة سياسية جديدة تهدف إلى إنهاء الأزمة السياسية المستعصية التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عقد.
 الإعلان جاء خلال اجتماع وزاري عقد في العاصمة طرابلس، حيث قدم الدبيبة ملامح مبادرته بثلاثة مسارات، تبدأ بإعادة هيكلة الحكومة وفق معايير الكفاءة بعيدًا عن المحاصصة، وتطرح مشروعًا وطنيًا تحت مسمى "الاستعلام الوطني"، وتنتهي بوضع آلية جديدة لتأمين إجراء الانتخابات وإنهاء مبرر وجود حكومة موازية في الشرق.
 رغم النبرة التفاؤلية التي حرص رئيس الحكومة على التحدث بها، فإن المبادرة لم تترافق مع أي تفاصيل تنفيذية واضحة، ما أثار الكثير من التساؤلات حول توقيت الإعلان ومضمونه الفعلي، خصوصًا وأن ذلك تزامن مع تحركات عسكرية مريبة في الغرب الليبي وتعبئة أمنية غير مسبوقة، الأمر الذي زاد من حدة المخاوف من تصعيد عسكري جديد يعيد ليبيا إلى مربع النزاع المسلح.
 وتشير تقارير إعلامية محلية إلى أن شاحنات محملة بالدبابات شوهدت وهي تمر من طريق قصر بن غشير في اتجاه طرابلس، في وقت رُصد فيه تحرك رتل عسكري تابع للواء 444 داخل العاصمة، وسط صمت رسمي مطبق حول أهداف هذه التحركات.
 وفي الشرق، أعلنت شعبة الإعلام الحربي التابعة للقيادة العامة بقيادة المشير خليفة حفتر عن تحرك "اللواء الخامس"، دون تقديم تفاصيل بشأن المهام أو الوجهة، ما اعتُبر مؤشراً على إعادة تشكيل خرائط النفوذ الميداني.
 هذا التوتر الأمني قابله تحذير صريح من "تجمع ثوار مصراتة"، الذي اعتبر أن هذه التحركات العسكرية تُنفذ خارج إطار الشرعية، وقد تمثل مقدمات خطيرة لمواجهة مفتوحة تهدد وحدة ليبيا واستقرارها.
 بالتوازي، أثار وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية، اللواء عماد الطرابلسي، جدلاً واسعًا عندما أعرب خلال الاجتماع ذاته عن استعداده التام لحل كافة الأجهزة الأمنية، ودمج العناصر الشابة ضمن الجيش والشرطة، مشددًا على أنه لا استثناء لأي جهة أمنية تابعة للمجلس الرئاسي أو الحكومة. 
ورغم أن هذا الطرح قد يُقرأ بوصفه محاولة لضبط المشهد الأمني وتفكيك الميليشيات، فإن غياب البدائل المؤسسية الفعلية يثير خشية من أن يؤدي تفكيك هذه الأجهزة دون خطط متكاملة إلى فراغ أمني خطير، خاصة في الجنوب الليبي حيث تتراجع سيطرة الدولة وتنتعش شبكات الجريمة المنظمة وتهريب السلاح وتتحرك خلايا إرهابية عابرة للحدود بحرية مقلقة.
وليبيا، التي تعيش منذ عام 2011 في حالة من الانقسام السياسي والفوضى الأمنية، باتت فعليًا مقسمة إلى سلطتين متنازعتين، حكومة الدبيبة المعترف بها دوليًا والتي تسيطر على الغرب انطلاقًا من طرابلس، وحكومة موازية مكلفة من البرلمان يقودها أسامة حماد وتدير الشرق وبعض مدن الجنوب بدعم مباشر من الجيش الوطني بقيادة حفتر. 
هذا الانقسام العميق جعل من كل مساعٍ لإجراء انتخابات شاملة أو توحيد المؤسسات مجرد أحلام مؤجلة، في ظل تنازع على الشرعية، وسلطة موزعة بين الميليشيات والمجالس المحلية وقوى الأمر الواقع. 
الأخطر أن هذا الوضع المترنح يفتح الباب واسعًا أمام عودة النشاط الإرهابي، خاصة من قبل تنظيم داعش الذي سبق له السيطرة على سرت خلال سنوات الفوضى، قبل أن يُهزم عسكريًا دون أن يُستأصل جذريًا.
 ويخشى مراقبون من أن أي تدهور أمني جديد قد يمنح هذه الجماعات الفرصة لتجميع الصفوف من جديد، لا سيما مع تراجع الاهتمام الدولي بالملف الليبي وانشغال القوى الكبرى بأزمات أخرى، أبرزها الحرب في أوكرانيا وتصاعد التوتر في الشرق الأوسط. على خلفية هذا المشهد المعقد، تأتي مبادرة الدبيبة محاطة بالكثير من علامات الاستفهام، هل هي محاولة فعلية لحلحلة الأزمة؟ أم مجرد خطوة سياسية لفرض أمر واقع في الغرب الليبي؟ وهل تحظى بغطاء دولي أو توافق إقليمي؟ أم ستُواجَه برفض من القوى الشرقية التي تعتبر أن أي مبادرة خارج إطار البرلمان هي بمثابة تجاوز للشرعية؟ الإجابات تبدو ضبابية، لكن ما هو مؤكد أن ليبيا تعيش اليوم على صفيح ساخن، ومصير المبادرة سيتوقف على قدرتها في تحويل النوايا إلى أفعال ملموسة، وتوفير ضمانات تضمن أن لا تُستخدم كغطاء لفرض سلطة أحادية. 
ويري مراقبون أن حال فشل المبادرة أو استغلالها سياسيًا، فإن ذلك قد يكون الشرارة التي تعيد إشعال فتيل الصراع، وتهدد بتحول ليبيا مجددًا إلى ساحة مفتوحة للإرهاب والفوضى، ما ستكون له تداعيات تتجاوز حدودها الجغرافية لتطال أمن دول الجوار والاستقرار الإقليمي برمّته.

شارك