تفكيك خلية داعشية في طهران.. الإرهاب يتربص بالرموز الدينية في الذكرى الخمينية

أعلنت السلطات الإيرانية، عن إحباط واحدة من أخطر المخططات الإرهابية التي كانت تستهدف العاصمة طهران، وذلك بعد أن تمكنت من تفكيك خلية تابعة لتنظيم "داعش" المتشدد.
الخلية التي وصفتها أجهزة الأمن الإيرانية بأنها "انتحارية"، كانت تستعد لتنفيذ هجمات دامية خلال مراسم الذكرى السنوية لرحيل مؤسس الجمهورية الإسلامية، آية الله روح الله الخميني، في مرقده الواقع جنوبي طهران.
الحدث لم يكن عادياً، بل يشكل امتداداً لمسلسل طويل من المواجهة بين إيران وتنظيم داعش، الذي وإن تقلص نفوذه الجغرافي في العراق وسوريا، إلا أن خطره الاستخباراتي والأمني ما زال قائماً، ويتسلل في ثنايا الدول والمجتمعات من خلال خلايا نائمة تنشط وقت الحاجة، وتستهدف مواقع ذات رمزية سياسية أو دينية كبرى.
ووفقاً لما نقلته وكالة "نور نيوز"، المقربة من الأجهزة الأمنية الإيرانية، فإن العملية الأمنية جاءت نتيجة متابعة دقيقة ورصد طويل لتحركات الخلية الإرهابية، التي تبيّن لاحقاً أنها كانت تضم 13 عنصراً، بينهم زعيم المجموعة، بالإضافة إلى عناصر الدعم اللوجستي والتنفيذي.
ولم يكن بحوزتهم مجرد أدوات بسيطة، بل تم ضبط سترات ناسفة وحقائب ظهر مفخخة، ومعدات متفجرة متطورة، في دلالة واضحة على مدى التحضير والتنظيم الذي سبق محاولة التنفيذ.
ما يعطي هذه العملية بعداً أمنياً خطيراً، هو توقيتها الرمزي، إذ كانت الخلية تخطط لتنفيذ الهجوم خلال احتفالات الذكرى السنوية لرحيل الخميني، وهو ما كان من شأنه أن يتسبب في مجزرة كبيرة، لا سيما أن المرشد الإيراني الحالي، علي خامنئي، كان حاضراً وألقى كلمة خلال المناسبة، إلى جانب حضور عدد كبير من المسؤولين المدنيين والعسكريين وجموع من المواطنين.
الجهات الأمنية الإيرانية وصفت هذه العملية بأنها "من أنجح العمليات الاستباقية لهذا العام"، مشيرة إلى أنها جاءت نتيجة تنسيق دقيق بين الشرطة وقوات الاستخبارات في طهران وعدد من الأقاليم الأخرى.
وقد أظهرت التحقيقات الأولية أن الخلية كانت جزءاً من شبكة أوسع، تنشط ضمن بيئة أكثر تعقيداً، هدفها تنفيذ هجمات داخل إيران بغية زعزعة الاستقرار، وبث الرعب، وإثارة الفوضى في لحظة رمزية وسياسية بالغة الحساسية.
الإعلان عن تفكيك هذه الخلية يعيد إلى الأذهان الهجوم الدموي الذي نفذه تنظيم داعش في السابع من يونيو 2017، عندما استهدف بشكل متزامن البرلمان الإيراني ومرقد الخميني، ما أسفر عن مقتل 12 شخصاً وإصابة نحو 39 آخرين.
في ذلك الحين، كانت تلك الضربة تمثل أول ظهور علني ودموي للتنظيم على الأراضي الإيرانية، ما دفع السلطات إلى إعادة هيكلة جزء كبير من جهازها الأمني الداخلي وتعزيز المراقبة على الحدود والمناطق الحضرية.
لكن عودة التنظيم اليوم إلى المشهد الإيراني من بوابة "الذكرى الخمينية"، تثير تساؤلات كثيرة عن حجم التهديد الحقيقي الذي ما زال يشكله تنظيم داعش في منطقة الشرق الأوسط، ومدى قدرته على إعادة تنظيم صفوفه، والتسلل من جديد إلى دول تعتقد أنها بعيدة نسبياً عن جبهات المواجهة المباشرة.
كما أن اختيار تنظيم داعش لرمز الثورة الإسلامية كمسرح محتمل لهجماته، يعكس بوضوح استهدافه لأهم الرموز الدينية والسياسية في الجمهورية الإسلامية، في محاولة واضحة لكسر هيبة الدولة وبث الذعر في أوصالها.
تجدر الإشارة إلى أن طهران غالباً ما تتهم قوى خارجية بتغذية التنظيمات المتطرفة في محيطها الإقليمي، وربما داخل أراضيها، لا سيما تلك التي تسعى لإضعاف إيران عبر حرب استخباراتية غير معلنة.
ويرى مراقبون أن نشاط تنظيم داعش داخل إيران لا يمكن فصله عن التوترات الجيوسياسية في المنطقة، خصوصاً في ظل صراعات النفوذ بين طهران وخصومها الإقليميين والدوليين، والتي تتخذ أحياناً أشكالاً غير تقليدية، مثل زرع خلايا إرهابية أو شن هجمات سيبرانية.
كما أن تفكيك هذه الخلية يسلّط الضوء على مدى يقظة الأجهزة الأمنية الإيرانية، في وقت تتعرض فيه البلاد لضغوط اقتصادية وسياسية متزايدة، سواء بفعل العقوبات الدولية أو بفعل التحديات الداخلية التي تعصف بالمجتمع الإيراني.
فبينما يعتقد البعض أن التركيز على الشأن الداخلي قد يقلل من الجاهزية الأمنية، يبدو أن المؤسسة الأمنية لا تزال تحتفظ بقدرتها على الرصد والتدخل السريع، خاصة في مواجهة تهديدات من هذا النوع.
ومع أن العملية الأخيرة شكلت نصراً استخباراتياً مهماً للسلطات الإيرانية، إلا أنها في الوقت ذاته دقّت ناقوس الخطر حول احتمالية وجود خلايا أخرى لا تزال نائمة أو لم تُكتشف بعد، ما يعني أن التهديد لا يزال قائماً، ويحتاج إلى تعزيز إضافي في التدابير الوقائية، وتحديث مستمر في أدوات المواجهة.
إن الحرب على الإرهاب، خصوصاً بشكله العابر للحدود والمنصات، لم تعد مقتصرة على ميادين محددة، بل باتت أشبه بمعركة مستمرة في الزمن والمكان.
وطالما أن هناك جماعات مثل داعش لا تزال قادرة على إعادة التشكل، فإن النجاحات الأمنية، مهما بلغت أهميتها، يجب أن تُقرأ ضمن سياق أوسع من الصراع الإقليمي على النفوذ، والتحديات الدولية في مواجهة الإرهاب المتجدد والمتلون
ويري مراقبون أن عملية طهران الأخيرة تبدو كإشارة مزدوجة إنذار بأن الخطر ما زال قائماً، ورسالة بأن المؤسسة الأمنية الإيرانية لا تزال قادرة على التصدي له قبل أن يتحول إلى كارثة.
وفي الوقت نفسه، فإن استهداف ذكرى الخميني ليس مجرد عمل إرهابي، بل يحمل دلالات سياسية ودينية لا يمكن فصلها عن طبيعة الصراع الممتد في المنطقة، حيث بات الإرهاب أداة في صراعات الهوية والنفوذ.