تصاعد العمليات المسلحة في باكستان وسط اتهامات للهند برعاية الإرهاب

في خضم تصاعد القلق من تزايد العمليات المسلحة في باكستان، نفذت قوات الأمن الباكستانية عملية نوعية في منطقة داتا خيل بإقليم وزيرستان الشمالية، أسفرت عن مقتل 14 عنصرًا مسلحًا يُشتبه بانتمائهم إلى جماعة "فتنة الخوارج"، التي تتهمها إسلام آباد بتلقي الدعم من الهند. وتأتي هذه العملية ضمن سلسلة من الجهود المكثفة التي تقوم بها القوات الباكستانية لمواجهة موجة جديدة من التصعيد الإرهابي، الذي امتد من مناطق الشمال الغربي إلى إقليم بلوشستان المضطرب.
العملية
العسكرية الأخيرة، التي أعلن عنها الجناح الإعلامي للجيش الباكستاني، جاءت بعد
ورود معلومات استخباراتية دقيقة عن تحركات لمسلحين في المنطقة الجبلية، وجرى
خلالها اشتباك عنيف استمر لعدة ساعات، قبل أن تتمكن القوات من تصفية المسلحين
بالكامل. ووفق البيان الرسمي، فإن الجماعة المستهدفة كانت تخطط لشن هجمات على
مواقع عسكرية وأهداف مدنية، في محاولة لضرب الاستقرار الداخلي.
رئيس
الوزراء شهباز شريف أشاد بالعملية واعتبرها "رسالة قوية للإرهابيين ومن يقف
خلفهم"، مؤكدًا أن باكستان لن تتراجع عن حربها ضد الإرهاب، سواء كان مدعومًا
من الداخل أو الخارج. وقال في بيان رسمي: "النوايا الشريرة لأعداء الدولة
سيتم سحقها.. وقواتنا الأمنية تثبت كل يوم احترافيتها وقدرتها على الدفاع عن الوطن".
وفي
السياق ذاته، أعلنت الأجهزة الأمنية مواصلة عمليات التطهير في المنطقة للقضاء على
أي عناصر أخرى قد تكون مختبئة، مؤكدة أن “العملية جزء من جهد وطني شامل لملاحقة
الجماعات الإرهابية، خاصة تلك التي تتلقى دعماً خارجيًا بهدف زعزعة الأمن القومي”.
بلوشستان..
ساحة المواجهة المفتوحة
وتأتي
عملية وزيرستان بعد أقل من 24 ساعة على مقتل خمسة مسلحين آخرين خلال عملية أمنية
في منطقة كاتشي بإقليم بلوشستان، الذي يشهد تصعيدًا متسارعًا في عدد الهجمات
المسلحة خلال الأسابيع الأخيرة. فقد شهد الإقليم خلال شهر مايو وحده أكثر من 35
هجومًا مسلحًا، أسفرت عن مقتل 51 شخصًا وإصابة 100 آخرين، معظمهم من المدنيين،
بحسب إحصائيات معهد باكستان لدراسات الصراع والأمن (PICSS).
وتتهم
باكستان جماعة "فتنة الهندوستان"، المدعومة من نيودلهي، بالمسؤولية عن
عدد من هذه الهجمات، بما في ذلك التفجير الذي استهدف حافلة مدرسية في خوزدار،
وأسفر عن مقتل ثلاثة طلاب وجرح العشرات. ووصف الهجوم بأنه “إجرامي وعديم
الإنسانية”، وأثار موجة من الغضب في الشارع الباكستاني، وسط دعوات للرد الحاسم على
منفذيه وداعميهم.
وفقًا للتقرير الأمني الشهري الصادر عن هيئة الخدمات الأمنية الباكستانية، فإن شهر مايو الماضي شهد 85 هجومًا مسلحًا على مستوى البلاد، مقارنة بـ81 في أبريل، في تصاعد يعتبره المراقبون مؤشراً على نشاط متزايد للجماعات المسلحة رغم الجهود الأمنية المبذولة.
وخلفت
هذه الهجمات 113 قتيلاً، من بينهم 52 من أفراد الأمن و46 مدنيًا، إضافة إلى 11
مسلحًا. كما أصيب 182 شخصًا، بينهم 130 مدنيًا، وهو ما يشير إلى تصاعد واضح في
استهداف المدنيين، وارتفاع ملحوظ في شدة العمليات الإرهابية.
وتُظهر
المقارنة الشهرية أن عدد قتلى أفراد الأمن ارتفع بنسبة 73%، بينما زادت إصابات
المدنيين بنسبة 145%. أما إصابات أفراد الأمن فقد تراجعت بنسبة 20%، وهو ما يُعزى،
بحسب الخبراء، إلى تعزيز التدابير الوقائية واستخدام تكتيكات جديدة في مواجهة
الكمائن المسلحة.
خلال
نفس الفترة، نفذت قوات الأمن الباكستانية عمليات استباقية في مناطق عدة، أسفرت عن
مقتل 59 مسلحًا والقبض على 52 آخرين، إلى جانب مقتل خمسة من أفراد الأمن وإصابة
سبعة. ورغم هذه النتائج، فقد سجلت إحصائيات مايو انخفاضًا بنسبة 68% في عدد قتلى
المسلحين مقارنة بشهر أبريل، حين قُتل 203 منهم، وهو ما يثير تساؤلات حول تطور
تكتيكات الجماعات المسلحة، ومدى قدرتها على التكيف مع الضغوط الأمنية.
ويشير
محللون إلى أن هذا التراجع ربما يعكس تحولًا في نمط العمل المسلح من المواجهات
المباشرة إلى العمليات الانتحارية والتفجيرات عن بُعد، وهو ما يُصعّب من مهمة قوات
الأمن في احتوائها بشكل كامل.
اتهامات
متبادلة تعمّق الأزمة مع الهند
في
الجانب السياسي، ألقت التطورات الأمنية بظلالها على العلاقات المتوترة أصلًا بين
باكستان والهند، حيث تبادل البلدان الاتهامات برعاية الإرهاب ودعم جماعات متشددة
تنشط عبر الحدود.
فقد
اتهمت باكستان، على لسان وزير داخليتها الكابتن (متقاعد) خرم محمد آغا، نيودلهي
بدعم منظمات مثل طالبان باكستان وجيش تحرير بلوشستان، مشيرًا إلى أن “الهجمات
الأخيرة، خصوصًا في خوزدار، دليل على تورط مباشر لوكلاء خارجيين”.
من
جانبها، ردت الهند باتهام باكستان بالضلوع في الهجوم الذي وقع في باهالجام في
الجزء الهندي من كشمير، وأدى إلى مقتل 26 سائحًا، معظمهم من النساء والأطفال.
وتعتبر نيودلهي أن هذا الهجوم جزء من “سياسات باكستان المستمرة في دعم الإرهاب
العابر للحدود”.
لكن
باكستان رفضت هذه الاتهامات جملة وتفصيلًا، وعرضت فتح تحقيق دولي شفاف في الحادث،
متهمة الهند باستخدام الإعلام كأداة لتضليل الرأي العام الدولي وتحويل الأنظار عن
دعمها لجماعات إرهابية تنشط داخل الأراضي الباكستانية.
ويدخل المشهد الأمني في باكستان مرحلة أكثر
تعقيدًا، حيث تتداخل فيه العوامل المحلية، مثل هشاشة الوضع في بعض الأقاليم، مع
الأجندات الإقليمية المتشابكة، خاصة في ظل التوتر الدائم مع الهند حول كشمير.
ويعتقد
البعض أن التصعيد المتبادل قد يؤدي إلى موجة جديدة من العنف المتبادل عبر الحدود،
في وقت يعاني فيه كلا البلدين من تحديات اقتصادية واجتماعية حادة. كما أن الانشغال
الدولي بنزاعات أخرى قد يسمح بتمدد الصراع في جنوب آسيا دون رقابة كافية، ما يزيد
من احتمالية تفجّر الأوضاع بشكل يصعب احتواؤه لاحقًا.
في
ضوء هذه التطورات، تبقى معركة باكستان مع الإرهاب قائمة على عدة جبهات: المواجهة
الميدانية مع الجماعات المسلحة، المعركة الدبلوماسية مع الهند، والمعركة الإعلامية
لكسب تعاطف المجتمع الدولي. ورغم النجاحات الأمنية المتفرقة، فإن الأرقام تكشف عن
تحديات كبيرة، تستوجب إصلاحًا عميقًا في البنية الأمنية والسياسية، فضلًا عن تعاون
إقليمي حقيقي لمكافحة الإرهاب، بدلًا من الاتهامات المتبادلة التي تؤجج الصراع
وتفتح الباب أمام مزيد من الدماء.