هل تتحول سيطرة الدعم السريع على المثلث الحدودي إلى بوابة جديدة للإرهاب؟
الأربعاء 11/يونيو/2025 - 02:11 م
طباعة

في تصعيد جديد ينذر بعواقب أمنية خطيرة على المستوى الإقليمي، أعلنت قوات الدعم السريع في السودان سيطرتها الكاملة على منطقة “عوينات” الواقعة ضمن المثلث الحدودي الحساس الذي يربط السودان بمصر وليبيا.
وجاء هذا التقدم الميداني بعد انسحاب مفاجئ لقوات بورتسودان من المنطقة، في خطوة تزامنت مع إعلان الدعم السريع عن شن هجوم مباغت انتهى بالاستيلاء على الحامية العسكرية الرئيسية هناك.
وتعد منطقة عوينات من أكثر النقاط الحدودية الاستراتيجية في شمال إفريقيا، ليس فقط لموقعها الجغرافي الذي يربط ثلاث دول، بل لما تمثّله من أهمية في جهود مكافحة الإرهاب، والاتجار بالبشر، والهجرة غير النظامية.
وقد أثار سقوطها في يد قوات الدعم السريع، التي تواجه اتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة خلال النزاع المستمر في السودان، مخاوف كبيرة من استغلال هذه المنطقة لوجستياً وأمنياً في أنشطة تتجاوز حدود الدولة الواحدة.
وبحسب مصادر عسكرية تابعة لقوات الدعم السريع، فقد أسفر الهجوم عن استيلاء عناصرها على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر، إضافة إلى آليات عسكرية ثقيلة كانت بحوزة قوات بورتسودان، التي اضطرت إلى الانسحاب تحت وقع المفاجأة والضغط الميداني.
وأظهرت مقاطع فيديو تداولها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، جنود الدعم السريع وهم يحتفلون بالسيطرة الكاملة على القاعدة العسكرية في عوينات، في وقت رُفعت فيه أعلامهم فوق المقرات والآليات.
ويمثل هذا التقدم خطوة استراتيجية جديدة نحو تعزيز نفوذ الدعم السريع على طول الجبهة الشمالية، ويمهّد الطريق أمام قواته للتوغل في ولايتي نهر النيل والشمالية، وصولاً إلى العاصمة الخرطوم، التي باتت هدفًا مُعلنًا لهم منذ بداية النزاع مع قيادة الجيش المتمركزة في بورتسودان.
بعيدًا عن الحسابات العسكرية، فإن سيطرة الدعم السريع على المثلث الحدودي تفتح الباب أمام تحديات أمنية حقيقية تمس مصر وليبيا، الشريكتين الحدوديّتين في هذه المنطقة. فالمثلث لطالما كان معبرًا يستخدمه مهربو البشر والأسلحة، ونقطة مراقبة حيوية في جهود مكافحة الإرهاب عبر الحدود.
ويرى مراقبون أن وجود ميليشيا مسلحة غير منضبطة في هذه المنطقة، قد يحوّلها إلى قاعدة لوجستية لدعم جماعات إرهابية أو شبكات تهريب دولية، ما يُهدد الأمن القومي لدول الجوار، ويقوّض جهود الاستقرار في شمال إفريقيا.
وفي هذا السياق، يشير محللون إلى أن تحرّك قوات الدعم السريع في هذا الاتجاه ليس عشوائيًا، بل يُمثّل جزءًا من استراتيجية تهدف إلى ربط الجبهات الداخلية في السودان بامتدادات حدودية قد تُستخدم مستقبلاً في تنسيق عمليات أو استقبال دعم لوجستي من الخارج، وربما حتى التواصل مع مجموعات مسلحة تنشط على الأراضي الليبية.
ويربط بعض المتابعين بين التقدم الميداني الأخير للدعم السريع والتوتر المستجد بين السودان وليبيا، على خلفية ما قيل عن مهاجمة عناصر من “القوة المشتركة” الموالية لبورتسودان لوحدة من الجيش الليبي أثناء تواجدها في دورية داخل الأراضي الليبية.
وقد جاء رد الجيش الليبي سريعًا، ما دفع القوة المشتركة إلى التراجع داخل الأراضي السودانية، وفق ما نقلته مصادر ميدانية.
وفيما نفت القيادة العامة للجيش الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، أي تحرّك هجومي داخل السودان، اعتبرت المزاعم محاولة لتصدير الأزمة الداخلية السودانية إلى الخارج، وخلق عدو خارجي وهمي، وهو ما يعكس توجّهًا متصاعدًا في خطاب بورتسودان العسكري، الذي يسعى لتبرير الإخفاقات المتتالية على الأرض.
الوضع الجديد في المثلث الحدودي يعيد إلى الأذهان المخاوف القديمة من استغلال المناطق الحدودية غير المسيطر عليها في نشر الفوضى، وفتح ممرات آمنة للميليشيات العابرة للحدود. ففي ظل التراجع الأمني في الداخل السوداني، والتوتر المستمر في ليبيا، والتهديدات المتصاعدة على الحدود المصرية، تصبح عوينات نقطة اشتعال محتملة لأي سيناريو إرهابي قادم.
ويرى مراقبون أن استغلال الدعم السريع لهذه المنطقة سيفتح الباب لتقاطع مصالح مع تنظيمات خارجة عن القانون تنشط في الجنوب الليبي وشمال دارفور، ما يحوّل المثلث إلى بؤرة إقليمية جديدة لنشاط الجماعات الإرهابية، على غرار ما جرى في منطقة الساحل.
تأتي هذه التطورات الميدانية في سياق متصاعد لصالح قوات الدعم السريع، التي سيطرت خلال الأسابيع الماضية على عدة مدن رئيسية في ولايتي غرب وجنوب كردفان، منها الخوي والدبيبات وأم صميمة، وها هي تحاصر مدينة الأبيض، عاصمة شمال كردفان، من عدة محاور، وإذا ما سقطت الأبيض، فإن الطريق نحو أم درمان، إحدى أكبر مدن العاصمة السودانية، سيصبح مفتوحًا، ما يزيد من تعقيد المشهد العسكري والسياسي.
ويري مراقبون أن الانسحاب المفاجئ لقوات بورتسودان من منطقة عوينات وسيطرة الدعم السريع عليها، يؤشر إلى تحول خطير في مسار الحرب السودانية، تتجاوز دلالاته العسكرية إلى تهديدات أمنية حقيقية لدول الجوار.
ففي منطقة تتقاطع فيها مصالح مصر وليبيا والسودان، وتكثر فيها أنشطة الجماعات الخارجة عن القانون، لا يمكن اعتبار ما جرى مجرد مكسب ميداني مؤقت، بل تطورًا له أبعاد إقليمية وأمنية، تنذر بمزيد من الفوضى ما لم يتم احتواء الموقف سريعًا.