الجيش المالي يسمح بمفاوضات محلية مع "نصرة الإسلام": تطور جديد في الأزمة الأمنية
الخميس 12/يونيو/2025 - 05:29 م
طباعة

في تطور مهم على الساحة الأمنية المالية، كشفت مصادر متعددة عن السماح بإجراء مفاوضات محلية مع جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، الجماعة المسلحة التابعة لتنظيم القاعدة في منطقة الساحل الأفريقي.
هذا التطور يأتي في ظل تصاعد العمليات العسكرية والهجمات المضادة التي تشهدها مالي، خاصة بعد الضربات الجوية الأخيرة التي شنها الجيش المالي ضد معاقل التنظيم بالتنسيق مع "فيلق أفريقيا" الروسي.
وتهدف الخطوة إلى نزع فتيل التوترات الأمنية المتصاعدة في وسط مالي، أعطت السلطات الضوء الأخضر لوجهاء بلدة ديافارابي لبدء محادثات مباشرة مع مسلحي جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM).
الخطوة تأتي في أعقاب حصار فرضه المتشددون على البلدة، ومذبحة راح ضحيتها 26 مدنيا، معظمهم من عرقية الفولاني، بالإضافة إلى خطف 11 مدنيا آخرين، بينهم زعماء تقليديون، من قرية باركي داغا المجاورة.
ووفقا لتقرير نشرته مجلة "جون أفريك" الفرنسية، فمن المقرر أن تفتح قنوات حوار بين ممثلي بلدة ديافارابي ومسلحي جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في الأيام المقبلة. هذه المحادثات تأتي بعد الهجوم الدامي الذي وقع في 12 مايو الماضي، واستهدف مدنيين من الفولاني اتهموا بدعم الجماعات المسلحة، مما أدى إلى مقتل 26 شخصا بينهم نساء وأطفال.
وفي تطور جديد يزيد من حدة التوتر، تم اختطاف 11 مدنيا من قرية باركي داغا في 9 يونيو الجاري. ومن بين المخطوفين عدد من القادة التقليديين وصيادي الغابات المعروفين بـ"الدونزو"، وذلك بتهمة التعاون مع الجيش المالي. وتأمل السلطات المحلية أن تساهم هذه المحادثات في تهدئة الوضع ووقف دوامة العنف التي تشهدها المنطقة.
الصراع في مالي
تواجه مالي تصعيدا متواصلا من قبل الجماعات المسلحة، حيث كثفت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" هجماتها على معسكرات عسكرية في جنوب البلاد ووسطها، وصولا إلى مناطق قريبة من العاصمة باماكو.
وخلال الأشهر الأخيرة، أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن العديد من الهجمات التي استهدفت عدة مواقع على الطرق القريبة من العاصمة.
وشن الجيش المالي سلسلة من العمليات العسكرية واسعة النطاق ضد جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، مستهدفا خمسة معاقل للتنظيم في المناطق الغربية من البلاد، على مقربة من الحدود مع موريتانيا والسنغال.
كما نفذت القوات المسلحة ضربات جوية دقيقة أسفرت عن تدمير قواعد للتنظيم على أطراف غابة باولي، قرب مدينة ديدييني، وفي مناطق شمال ساندارى وبافارارا.
المفاوضات المحلية: السياق والتطورات
تشير التطورات الأخيرة إلى توجه محتمل نحو السماح بمفاوضات محلية مع جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، وهو ما يعكس تغيرا في الاستراتيجية العسكرية المالية. هذا التوجه يأتي في سياق تزايد الضغوط على الحكومة المالية لإيجاد حلول سياسية للأزمة الأمنية المتفاقمة.
وسبق للحكومة المالية أن أعربت عن استعدادها لاستكشاف الحوار مع المتمردين الإسلاميين، حيث أرسل بعضهم إشارات مصالحة متبادلة. المحادثات السابقة بين القادة المجتمعيين والمسلحين والميليشيات أسفرت عن عدة وقف إطلاق نار محلي خفف من المعاناة في المناطق الريفية.
الدعم الروسي والتطورات العسكرية
وأنهت مجموعة فاغنر دورها رسميا وغادرت مالي حيث كانت تنشط منذ عام 2021، على أن يتم دمج مجموعاتها ضمن "فيلق أفريقيا" المرتبط بروسيا. هذا التطور يأتي في إطار إعادة تنظيم الدعم العسكري الروسي للجيش المالي، حيث تؤكد المصادر أن "غالبية عناصر فاغنر في مالي سيتم دمجهم في فيلق أفريقيا وإبقاؤهم في المدن الرئيسية".
وأعلن رئيس المجلس العسكري في مالي، الجنرال أسيمي غويتا، إنشاء صناعة عسكرية وطنية في عام 2025، تشمل وحدات تجميع الأسلحة الفردية والجماعية وتجميع المركبات التكتيكية الخفيفة. هذا التطور يهدف إلى تعزيز القدرات الدفاعية المالية في مواجهة التهديدات الأمنية المتزايدة.
وشهدت الأشهر الأخيرة تزايدا ملحوظا في نشاط جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، حيث نفذت الجماعة هجمات واسعة النطاق ضد القوات الحكومية وحلفائها الروس في عدة مناطق.
وفي مناطق سيكاسو وبولكيسي، سجلت الجماعة نجاحات عسكرية مهمة، مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى من الجانب الحكومي.
التأثير على الاستقرار الإقليمي
تظهر التطورات الأمنية في مالي تأثيرا مباشرا على استقرار منطقة الساحل بأكملها. جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" كثفت معدل ونطاق هجماتها ضد المراكز السكانية التي تسيطر عليها الحكومة في جميع أنحاء الساحل، خاصة في بوركينا فاسو ومالي.
وتواجه جهود الحوار مع الجماعات المسلحة تحديات دولية، حيث تعارض فرنسا، الحليف العسكري الرئيسي لمالي سابقا، فكرة المفاوضات مع هذه الجماعات. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكد أن قواته لن تقوم بعمليات مشتركة مع البلدان التي تتفاوض مع هذه الجماعات.
وتواجه الحكومة المالية انقساما داخليا حول مفهوم مثل هذه المفاوضات. كما تثير هذه المحادثات تساؤلات حول الشرعية والقبول الشعبي، خاصة في ظل تزايد الضغوط من المجتمع المدني الذي يرى في الحوار أحد الطرق القليلة لإنهاء العنف.
وتشير المصادر إلى أن الحكومة المالية شجعت سلسلة من وقف إطلاق النار بين القادة المحليين وكتيبة ماسينا في وسط مالي في وقت سابق من عام 2025، مما أدى إلى رفع الجماعة للحصار عن المدن المالية. هذه التطورات ساهمت في انخفاض هجمات جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" ونشاط مكافحة الإرهاب على الجانب المالي من الحدود في منطقة موبتي.
التعاون مع الجبهات المحلية
في تطور مهم، اجتمع ممثلون عن "جبهة تحرير أزواد" المتمردة وعن "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" لتقريب وجهات النظر والاتفاق بشأن عدد من الملفات المهمة. هذه الاجتماعات تمت بوساطة "هيئة علماء أزواد" التابعة لجبهة تحرير أزواد، وتضمنت مناقشة الخطوط العريضة لمشروعهم السياسي.
التداعيات والآفاق المستقبلية
السماح بالمفاوضات المحلية قد يمثل تحولا في الاستراتيجية الأمنية المالية من الاعتماد الكامل على الحل العسكري إلى تبني نهج أكثر شمولية يجمع بين القوة والدبلوماسية. هذا التوجه يمكن أن يساعد في تقليل حدة العنف وإيجاد حلول مستدامة للأزمة الأمنية.
وتواجه أي محاولة للحوار مع جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" تحديات كبيرة، منها ضرورة الحصول على ضمانات دولية وإقليمية، وضمان التزام جميع الأطراف بالاتفاقات المحتملة. كما تتطلب هذه العملية إعادة بناء الثقة بين الحكومة والمجتمعات المحلية التي تأثرت بالصراع.
يمثل السماح بالمفاوضات المحلية مع جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" نقطة تحول محتملة في التعامل مع الأزمة الأمنية في مالي. رغم التحديات الكبيرة التي تواجه هذا التوجه، من معارضة دولية وانقسامات داخلية، فإن الضرورات الأمنية والإنسانية قد تدفع نحو استكشاف هذا الخيار كبديل للحل العسكري الذي لم يحقق النتائج المرجوة. نجاح هذه المبادرة سيتطلب تنسيقا إقليميا ودوليا واسعا، وضمانات قوية للالتزام بأي اتفاقات محتملة.