بعد الضربة الإسرائيلية لإيران... خيوط التصعيد الحوثي من صنعاء إلى الخليل

السبت 14/يونيو/2025 - 11:53 ص
طباعة بعد الضربة الإسرائيلية فاطمة عبدالغني
 
شهدت الساحة الإقليمية خلال الساعات الماضية تطوراً خطيراً، حيث أقدمت ميليشيا الحوثي المدعومة إيرانيًا، مساء الجمعة، على إطلاق خمسة صواريخ باليستية من داخل الاستاد الرياضي في مدينة المحويت وسط منطقة سكنية مكتظة بالسكان ما أثار حالة من الذعر والذهول بين الأهالي.
عملية الإطلاق التي جرت في غضون ساعة واحدة، بين الثامنة والتاسعة مساءً، تسببت بحالة من الهلع الشديد بين السكان، الذين أفادوا بأن دوي الانفجارات وموقع الإطلاق القريب من منازلهم ومرافق مدنية حيوية، حوّل المنطقة إلى ما يشبه ساحة حرب.
وأكدت شهادات من شهود عيان أن الحوثيين تعمدوا استخدام منشأة رياضية محاطة بالأحياء السكنية لإطلاق الصواريخ، في خطوة تعكس استهتارهم المتواصل بأرواح المدنيين وتكرارهم لأسلوب استخدام السكان كدروع بشرية، في مخالفة فاضحة لأحكام القانون الدولي الإنساني، الذي يحظر عسكرة المناطق المدنية أو تعريض المدنيين للخطر في النزاعات المسلحة.
وجاء هذا التطور في توقيت لافت تزامن مع تقارير تحدثت عن إطلاق ميليشيا الحوثي صاروخ باليستي من الأراضي اليمنية وسقوطه في بلدة سعير قرب الخليل جنوب الضفة الغربية، ما أدى إلى إصابة ثلاثة أطفال فلسطينيين بجروح جراء تطاير الشظايا، بحسب ما أعلنه الهلال الأحمر الفلسطيني.
 وأوضح الجيش الإسرائيلي أن الصاروخ أُطلق من اليمن، وأنه سقط في منطقة الخليل دون اعتراضه من قبل منظومات الدفاع الجوي، بينما أفادت وسائل إعلام فلسطينية بسماع دوي انفجارات في سماء القدس، في حدث نادر يعكس تصعيداً مباشراً من جانب جماعة الحوثي باتجاه الداخل الإسرائيلي.
ويأتي هذا التطور الميداني في سياق تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران، وتحديداً بعد الضربات غير المسبوقة التي شنتها إسرائيل على مواقع نووية وعسكرية إيرانية، والتي أدت إلى مقتل عدد من قيادات الصف الأول في الحرس الثوري، ما وضع حلفاء طهران في المنطقة، وعلى رأسهم الحوثيون، أمام اختبار فعلي لموقعهم في معادلة "الرد بالوكالة".
وعلى الرغم من أن الجماعة الحوثية لم تعلن صراحة مسؤوليتها عن هذا الهجوم بعينه، فإن السياق العام، والتصريحات الأخيرة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، تكشف أن ما حدث ليس فعلاً منفصلاً، بل يُعدّ امتداداً لاستراتيجية حوثية متسارعة للتصعيد ضد إسرائيل ضمن ما تسميه الجماعة "دعم المقاومة الفلسطينية". 
ففي خطابه الأخير، توعّد الحوثي باستمرار الضربات ضد إسرائيل، وزعم أن جماعته أطلقت خلال أسبوع واحد 11 صاروخاً ومسيّرة استهدفت مدناً ومطارات إسرائيلية بما في ذلك مطار بن غوريون.
ويرى مراقبون يمنيون أن إطلاق الصاروخ على منطقة الخليل يُترجم بوضوح حالة "تحديث الأوامر" التي تنتظرها الجماعة من طهران، فبعد الضربة القاسية التي تلقتها إيران بات من الواضح أن وكلاءها، ومنهم الحوثيون، يتحركون وفق جدول تصعيد محسوب وموجّه يخدم الأجندة الإيرانية في الرد على إسرائيل بطريقة لا تجرّ طهران إلى مواجهة مباشرة. 
ويُتوقع، بحسب تقديرات الباحثين، أن تستمر هذه الهجمات في شكلها الرمزي والتكتيكي في آنٍ معاً، مثل الهجوم الأخير الذي لم يُحدث ضرراً استراتيجياً كبيراً، لكنه حمل رسالة سياسية واضحة.
وفي هذا السياق، فإن الصاروخ الذي سقط في الخليل لا يبدو أنه استهدف منشأة عسكرية إسرائيلية أو هدفاً حيوياً، بل كان أقرب إلى إطلاق استعراضي هدفه إرباك منظومة الإنذار والدفاع وإظهار الحضور الحوثي في ساحة الصراع، لكنّ خطورته تكمن في أنه وقع في منطقة مدنية مأهولة وأصاب أطفالاً فلسطينيين، ما يفتح الباب أمام جدل أخلاقي وسياسي حول مدى جدوى وفعالية هذه العمليات، وما إذا كانت فعلاً في صالح القضية الفلسطينية، أم أنها توظَّف في إطار دعاية إقليمية أوسع لصالح إيران.
وبينما تصرّ الجماعة الحوثية على تصوير هذه العمليات كجزء من معركة "كسر الحصار عن غزة"، فإن المراقبين يشيرون إلى أن الجماعة تسعى أيضاً إلى تجديد شرعيتها داخلياً في اليمن من خلال الاستثمار في قضايا إقليمية كبرى، واستخدام لغة المواجهة مع إسرائيل لكسب جمهور شعبي، وصرف الأنظار عن أزمتها الداخلية المتفاقمة.
وتشير معطيات ميدانية وتحليلات سياسية إلى أن الحوثيين باتوا أمام مفترق طرق حقيقي، فمن جهة عليهم أن يُظهروا الولاء الكامل لإيرانخاصة بعد تعرضها لضربة إسرائيلية قاسية. 
ومن جهة أخرى، فإن الانخراط العميق في المواجهة قد يعرّضهم لضربات مباشرة إسرائيلية أو أمريكية، كما حدث مع شركائهم في حزب الله وحماس، وهذا ما يفسّر الميل إلى "التصعيد المحسوب" الذي يتجنّب استهدافات مباشرة لمنشآت إسرائيلية حساسة، مع الحفاظ على زخم إعلامي يُظهرهم كلاعبين فاعلين في محور المقاومة.
وفي ضوء ذلك، يمكن قراءة إطلاق الصاروخ الأخير من اليمن باتجاه الخليل على أنه رسالة مركّبة تحمل طابعاً عسكرياً محدود التأثير، لكنها سياسية الطابع في جوهرها، وتُوظّف ضمن معركة أكبر تديرها إيران من خلف الستار، عبر أذرعها المنتشرة في اليمن ولبنان والعراق، وبينما تواصل الجماعة الحوثية الحديث عن الاستمرار في "مساندة غزة"، فإن الحصيلة الفعلية على الأرض تشير إلى مزيد من الانزلاق نحو أعمال استعراضية قد تكون لها تداعيات إنسانية وسياسية وخيمة على الشعب الفلسطيني واليمني معاً.

شارك