صواريخ يافا وغارة صنعاء.. تصعيد حوثي إسرائيلي ينذر بتوسيع رقعة المواجهة
الأحد 15/يونيو/2025 - 12:22 م
طباعة

شهدت الساعات الأخيرة تصعيداً خطيراً في جبهة المواجهة غير المباشرة بين جماعة الحوثي المدعومة من إيران وإسرائيل، مع إعلان الحوثيين عن تنفيذ هجوم صاروخي باليستي استهدف مدينة يافا وسط الأراضي الإسرائيلية، وذلك بالتنسيق المباشر مع العمليات الإيرانية الأخيرة ضد إسرائيل.
المتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، أكد أن هذه الضربة جاءت رداً على ما وصفه بـ"العدوان الإسرائيلي"، مشيراً إلى أن العملية استهدفت "مواقع حساسة"، في إشارة إلى طبيعة الأهداف ذات الطابع العسكري أو الأمني، ما يعكس تصعيداً في نوعية الأهداف التي باتت الجماعة تستهدفها خارج حدود اليمن.
وجاء هذا التطور عقب الغارات الإسرائيلية التي استهدفت العاصمة اليمنية صنعاء، حيث حاولت إسرائيل اغتيال شخصية عسكرية بارزة في صفوف الحوثيين، وهو اللواء الركن محمد عبدالكريم الغماري، رئيس هيئة الأركان العامة في حكومة الجماعة غير المعترف بها دولياً، ورغم التزام جماعة الحوثي الصمت حيال نتائج الغارة، فقد أكدت وسائل إعلام إسرائيلية أن الغارات استهدفت غرفة عمليات مشتركة للحوثيين والإيرانيين في صنعاء، في خطوة توحي بمدى تعقيد وتعاظم التنسيق العسكري بين الطرفين.
الغموض لا يزال يحيط بمصير الغماري، إلا أن الإجراءات الأمنية المشددة التي فرضتها الجماعة في منطقة حدة بصنعاء عقب الغارات، وإغلاقها للطرق المؤدية إلى موقع الهجوم، تشير إلى أن الغارة الإسرائيلية ربما أصابت هدفاً بالغ الأهمية.
الغماري يُعد من أبرز القادة العسكريين في الجماعة، ومن الشخصيات التي تلقت تدريباً عقائدياً وعسكرياً في لبنان على يد حزب الله، وفي إيران على يد الحرس الثوري، وهو أيضاً مسؤول رئيسي عن الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر، وضد الأراضي الإسرائيلية منذ نهاية 2023، الأمر الذي جعله هدفاً متكرراً للتحالف العربي سابقاً والآن لإسرائيل.
محمد الغماري ليس مجرد قائد ميداني، بل شخصية محورية في البنية العسكرية العقائدية للحوثيين، وهو من القلائل الذين شاركوا في كل مراحل تطور الجماعة منذ أحداث صعدة وسقوط صنعاء، وصولاً إلى التمدد الحوثي في الجبهات الإقليمية، إدراجه من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة على قوائم العقوبات كـ"تهديد للسلم والاستقرار في اليمن والمنطقة" يعكس إدراكاً دولياً لحجم الدور الذي يلعبه الغماري في تنسيق الجهود العسكرية المتصلة بإيران.
ويأتي هذا التطور في وقت تتسارع فيه وتيرة التصعيد الإقليمي، وتتمدد جغرافيا الحرب الإسرائيلية – الإيرانية إلى جبهات جديدة، من بينها اليمن، التي تحولت إلى منصة إطلاق باليستي ومسير نحو العمق الإسرائيلي، تحت شعار "نصرة غزة"، ومع تجاوز عدد الهجمات الحوثية على السفن والهدف الإسرائيلي حاجز المئة منذ أكتوبر 2023، تؤكد الوقائع أن صنعاء باتت جزءاً من معادلة الردع الإقليمية، التي لم تعد تقتصر على حزب الله في الشمال، أو الميليشيات في العراق وسوريا، بل تمتد جنوباً إلى اليمن.
ويرى مراقبون أن استهداف يافا، المدينة الواقعة في قلب إسرائيل، يمثل تطوراً نوعياً وخطيراً في أسلوب الحوثيين، ويكشف عن قدرات باليستية متزايدة يجري توظيفها خارج إطار المواجهة في اليمن، بما يخدم الأجندة الإيرانية الأشمل، أما نشر وسائل الإعلام الإسرائيلية لصورة تضم كبار قادة الحوثيين، وعلى رأسهم زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي ومحمد الغماري نفسه، فهو بحسب المراقبين بمثابة رسالة تحذير مباشرة، وربما تمهيد لحملة تصفية مركزة تطال القادة البارزين في الجماعة ضمن بنك أهداف إسرائيلي متكامل.
وفي خضم هذا التصعيد، تشير التقديرات إلى أن استهداف محمد الغماري، سواء نجحت المحاولة أو لا، يحمل في طياته إشارة إلى تغير قواعد الاشتباك الإسرائيلية، وامتداد الحرب إلى العمق القيادي للجماعة اليمنية، تماماً كما فعلت إسرائيل سابقاً في الضاحية الجنوبية أو في مطار دمشق.
أما تنسيق الضربات الحوثية مع إيران، فهو يسلط الضوء على تصاعد مستوى التنسيق العملياتي بين "وكلاء طهران"، ما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من المواجهة المتعددة الساحات.
وفي المحصلة، تبدو المنطقة أمام تصعيد مفتوح قد يجر مزيداً من الاستهدافات المتبادلة، فيما يُجمع مراقبون على أن ما جرى خلال الساعات الماضية ليس مجرد رد تكتيكي، بل يمثل تحولاً استراتيجياً في كيفية إدارة الصراع بين محور إيران وإسرائيل، فالضربة على يافا ومحاولة اغتيال الغماري ليستا سوى فصل جديد في حرب إقليمية غير معلنة، تُكتب تفاصيلها بالصواريخ والطائرات المسيّرة، وتُقرأ إشاراتها في صور تُنشر عمداً كرسائل ما قبل العاصفة.