حرب الموارد… من ابتزاز نصرة الإسلام إلى قبضة روسيا على ذهب الساحل

الجمعة 20/يونيو/2025 - 12:17 ص
طباعة حرب الموارد… من ابتزاز حسام الحداد
 
تشهد منطقة الساحل الأفريقي تحولات جذرية على صعيد السيطرة على الموارد المعدنية، حيث تتداخل مصالح الجماعات المسلحة مع طموحات الحكومات العسكرية الساعية إلى تعزيز سيادتها على الذهب والثروات الطبيعية. ففي الوقت الذي تشن فيه جماعة نصرة الإسلام والمسلمين حملة ابتزاز واسعة على شركات التعدين الأجنبية، تتخذ سلطات مالي وبوركينا فاسو خطوات متسارعة لنقل السيطرة على المناجم من الشركات الغربية إلى أيدي الدولة، محدثةً بذلك زلزالًا على الساحة الاقتصادية للمنطقة.
هذه التطورات تفتح بابًا واسعًا أمام روسيا، التي تترقب عن كثب وتستعد للاستفادة من الوضع الجديد، حيث تشجع على طرد شركات التعدين الغربية وتحويل عقودها إلى شركات روسية، مما يشير إلى تشكل مشهد توازني مغاير على أرض الساحل، تختلط فيه الحسابات الاقتصادية بالأجندات السياسية والجيوستراتيجية.

حملة ابتزاز ضد شركات التعدين
شنت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين مؤخرًا سلسلة هجمات على شركات تعدين أجنبية تعمل على الأراضي المالية، مهدّدةً بفرض سطوتها على القطاع وتنفيذ عمليات خطف وابتزاز واسعة. ففي يونيو 2025، استهدفت الجماعة مواقع عمل تابعة لشركات تركية وصينية على التوالي، حيث اختطفت يوم 6 يونيو مواطنًا إيرانيًا يعمل لدى شركة تعدين تركية، قبل أن تهاجم موقع تعدين مملوكًا للصين بمنطقة كوليكورو يوم 12 يونيو. سبق للجماعة كذلك شنّ هجمات على مناجم مملوكة لشركات صينية مرتين على الأقل في مايو من العام ذاته، محذرةً جميع الشركات الأجنبية من ضرورة الحصول على إذن مباشر منها لمواصلة العمل على الأراضي المالية.
تهدف الجماعة من هذه الحملة، وفق مراقبين، إلى تأسيس شبكة ابتزاز ممنهجة، تفرض على الشركات الأجنبية دفع "ضرائب حماية" تحت تهديد العنف، كما تواصل سياسة احتجاز الأجانب وطلب الفدية من بلدانهم. وتعتمد نصرة الإسلام والمسلمين على هذه الأساليب التي تشبه ممارسات المافيا لانتزاع الأموال من المدنيين، وتقويض سلطة الدولة، وضرب الاقتصاد الوطني، مما يشكل تحديًا مباشرًا للحكومة المالية، وتهديدًا للاستثمارات الأجنبية التي تشكل أحد الموارد الاقتصادية الحيوية للبلاد.

المجالس العسكرية تشدد قبضتها على مناجم الذهب
تواجه شركات التعدين الأجنبية تحديات متزايدة على وقع محاولات المجالس العسكرية في منطقة الساحل تعزيز سيطرتها على الموارد المعدنية. ففي بوركينا فاسو، أعلنت الحكومة يوم 11 يونيو عن نقل خمسة أصول لتعدين الذهب — بينها منجمان وثلاثة تراخيص للاستكشاف — من شركتي "إنديفور" و"ليليوم" إلى شركة التعدين الوطنية، وذلك عقب نزاع قانوني على عملية بيع بين الشركتين، انتهى باتفاق على تسليم الأصول للحكومة.
وفي مالي، وضعت محكمة مالية يوم 16 يونيو مجمع لولو-جونكوتو للذهب تحت الإدارة المؤقتة للدولة لستة أشهر على الأقل، إثر نزاع دام عامًا مع شركة "باريك" الكندية حول بنود عقد التعدين بعد تعديل قانون التعدين الوطني عام 2023. مارست السلطات المالية ضغوطًا على الشركة عبر اعتقال موظفين محليين، وإصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس التنفيذي، قبل تعليق عمليات الشركة ومصادرة مخزونها من الذهب الذي تجاوزت قيمته 200 مليون دولار، مما أدى إلى توقف العمل في أحد أكبر مواقع التعدين التي كانت تدر على الدولة نحو مليار دولار سنويًا.

السيادة على الموارد تفتح الباب لروسيا
تستند خطوات المجالس العسكرية في مالي وبوركينا فاسو على خطاب سيادي يهدف إلى إعادة توجيه عوائد التعدين لصالح بلدانهم، حيث وصف مسؤولون ماليون قانون الضرائب لعام 2023 بأنه مخصص لـ«تألق الذهب للماليين» وضمان عودة الثروات المعدنية لأصحابها. كذلك، اعتبرت بوركينا فاسو قرار السيطرة على أصول شركتي إندافور وليليوم جزءًا من سياسة الدولة لاستثمار الموارد التعدينية بشكل يخدم مصلحة الشعب.
ورغم أن هذه الحملة تفرض تحديات على شركات التعدين الغربية، وتنذر بانسحاب بعضها من مالي، فإن شركات أصغر حجماً سعت لإعادة التفاوض على عقودها للحفاظ على مئات الملايين من الدولارات التي استثمرتها في مناجم المنطقة. وفي الوقت نفسه، تفتح هذه الإجراءات الباب على مصراعيه أمام شركات التعدين الروسية، حيث تسعى موسكو للاستفادة من الأصول التي تخلت عنها الشركات الغربية، بل وتشجيع المجلس العسكري على طردها، وفقًا لما ذكرته مصادر محلية وتقارير إعلامية. وتؤكد التقارير أن روسيا تجهّز لبناء مصفاة ذهب جديدة في مالي، ضمن جهودها لترسيخ موطئ قدمها وتعزيز سيطرتها على الموارد التعدينية، وتحويل موازين القوى الاقتصادية على الأرض.

الخاتمة:
تمثل هذه المرحلة نقطة تحوّل مهمة في تاريخ صناعة التعدين بمنطقة الساحل، إذ تؤثر على مسار التنمية الاقتصادية وتعيد رسم ملامح السيطرة على الموارد الإستراتيجية. ففي الوقت الذي تواجه فيه الشركات الغربية تحديات غير مسبوقة، تتخذ الحكومات العسكرية من خطاب السيادة الاقتصادية سلاحًا لاستعادة السيطرة على مقدّرات بلدانها، ممهّدة الطريق لقوى جديدة، على رأسها روسيا، لملء الفراغ وتعزيز نفوذها على الأرض.
لكن هذه التحولات، على الرغم من بريقها، تحمل في طياتها تحديات كبيرة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، حيث تفرض على بلدان الساحل ضرورة موازنة طموحها السيادي مع حاجة شعوبها للاستقرار وتنفيذ سياسات تنموية حقيقية، تضمن ألا تتحول الموارد المعدنية من نعمة إلى وقود لصراعات جديدة على أرض القارة السمراء.

شارك