حرب إيران تنعش الجماعات المسلحة.. مخاوف باكستانية من تصعيد إرهابي وشيك

في ظل التصعيد العسكري المتواصل بين إسرائيل وإيران، بدأت المخاوف الإقليمية تتزايد من احتمالات تفكك بنية الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وجنوب آسيا.
ولم يكن اللقاء الذي جمع رئيس أركان الجيش الباكستاني، الجنرال عاصم منير، بالرئيس الأمريكي دونالد ترمب في البيت الأبيض إلا انعكاساً لهذه الهواجس المتراكمة، حيث أبدى منير قلقاً بالغاً من إمكانية استغلال الجماعات المسلحة، ذات الأجندات العابرة للحدود، لحالة الانهيار في طهران لتوسيع عملياتها الإرهابية، لا سيما على طول الحدود الإيرانية الباكستانية الممتدة لنحو 900 كيلومتر.
هذه المنطقة، التي لطالما كانت نقطة توتر مزمنة بين البلدين، قد تتحول الآن إلى بؤرة صراع جديد بفعل التداعيات الأمنية الناجمة عن الحرب الإسرائيلية على إيران.
الهجوم الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية، الذي بدأ بزعم القضاء على البرنامج النووي الإيراني، يبدو أنه يتجاوز تلك الأهداف الظاهرة، ويتضمن بعداً استراتيجياً أوسع يتمثل في محاولة إسقاط النظام في طهران أو على الأقل إنهاكه داخلياً.
في هذا السياق، ترى باكستان أن استمرار العدوان على إيران لا يمثل فقط تهديداً للقانون الدولي، كما صرحت خارجيتها، بل يفتح الباب أمام سيناريو كارثي قد يعيد الإرهاب المنظم إلى الواجهة.
وقد بدا هذا القلق جلياً في تصريح الرئيس ترمب عقب لقائه منير، حين قال إن "الباكستانيين ليسوا سعداء بأي شيء"، وهو تعبير مبطن عن عدم ارتياح إسلام أباد للتطورات الجارية، ورفضها لتورط عسكري أوسع في الإقليم.
الجماعات المسلحة في هذه المنطقة الحدودية، وخصوصاً "جيش العدل"، سارعت لاستغلال حالة الفوضى، ووصفت الحرب الإسرائيلية على إيران بأنها "فرصة عظيمة".
وكان هذا التنظيم، المصنف إرهابياً من قبل واشنطن ودول غربية، قد نفذ عدة هجمات دامية ضد أهداف عسكرية إيرانية في السابق، ويبدو الآن مستعداً لتوسيع نطاق عملياته، وربما إعادة ترتيب صفوفه واستقطاب المزيد من المقاتلين بدعوى مقاومة ما تصفه بـ"الاحتلال الفارسي".
البيان الصادر عن الجماعة لم يكتف بالتحريض، بل دعا بشكل مباشر أفراد القوات المسلحة الإيرانية وأبناء بلوشستان إلى الانضمام إليها، في دعوة صريحة إلى التمرد والانشقاق الداخلي.
القلق الباكستاني لا ينبع فقط من الجانب الإيراني، بل يتصل بخريطة أمنية أكثر تعقيداً، تشمل حدودها مع أفغانستان، التي ما تزال غير مستقرة رغم حكم طالبان، وأيضاً مع الهند، الخصم التقليدي لإسلام أباد. والآن، مع تمدد خطر الجماعات المسلحة البلوشية، يصبح احتمال فتح جبهة ثالثة على الحدود الإيرانية احتمالاً جدياً، وخصوصاً أن كثيراً من هذه الجماعات لا تميز في أهدافها بين قوات الأمن الإيرانية والباكستانية، وتتبنى خطاباً انفصالياً عرقياً عابراً للحدود.
إقليم بلوشستان، الذي يمتد على الجانبين الإيراني والباكستاني، يمثل بيئة خصبة لهذه التنظيمات نظراً لتهميشه التاريخي وضعف التنمية، فضلاً عن شعور سكانه بانعدام العدالة السياسية والاقتصادية. في باكستان، كثيراً ما استهدفت الجماعات البلوشية مشاريع البنية التحتية الصينية في ميناء جوادر، في إطار ما يعرف بالممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.
وقد أعربت الصين بدورها عن قلقها العميق من أي تصعيد في هذه المنطقة، خشية أن يؤدي ذلك إلى تهديد استثماراتها الاستراتيجية، خصوصاً أن جوادر يعد نقطة ارتكاز رئيسية في مشروع "الحزام والطريق" العالمي الذي تتبناه بكين.
في المقابل، تبنت الهند موقفاً أقرب إلى الحياد في التصعيد الإسرائيلي، وهو ما أثار تحفظات في باكستان التي ترى في الصمت الهندي تقاطعاً مصلحياً مع إسرائيل في مواجهة إيران.
العلاقات الوثيقة بين نيودلهي وتل أبيب ليست جديدة، لكنها تكتسب الآن بُعداً جديداً في ظل الحرب، حيث يُنظر إلى الهند كطرف مستفيد من إضعاف إيران، لا سيما في إطار التنافس الإقليمي على النفوذ والطاقة والممرات البحرية.
على الأرض، تشير تقديرات أمنية إلى أن المسلحين البلوش قد يستخدمون فوضى الصراع لتوحيد صفوفهم تحت ما يُسمى بـ"حركة بلوشستان الكبرى"، وهي فكرة طوباوية بالنسبة للبعض، لكنها تبقى مصدر رعب حقيقي لطهران وإسلام أباد، لما تعنيه من احتمال تمزيق وحدتهما الجغرافية عبر مشروع انفصالي مشترك.
ويري مراقبون أنه في حال اندلعت هذه الحركة فعلياً، فستشكل تهديداً استراتيجياً يتجاوز حدود المواجهة مع الجماعات المسلحة، ليصل إلى تحدي فكرة الدولة ذاتها.
باكستان، التي تعاني من صراعات داخلية مزمنة وتوترات مذهبية وسياسية، تدرك تماماً أن أي انهيار أمني في إيران لن يبقى محصوراً في أراضيها.
وبالنظر إلى تشابك العلاقات بين الجماعات المتطرفة العابرة للحدود، فإن أي فراغ في السلطة في طهران قد يتحول سريعاً إلى ساحة اختبار للجماعات المسلحة، التي يمكن أن تعيد إحياء التحالفات القديمة مع تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، أو تخلق نسخاً جديدة منهما بمسميات محلية وإقليمية.
وبناء على تجارب سابقة في سوريا والعراق، فإن انهيار الأنظمة المركزية غالباً ما يؤدي إلى بروز الجماعات المتطرفة كبدائل مسلحة تملأ الفراغ وتفرض أجنداتها.
ويشير مراقبون إلي أن كل هذه المؤشرات تضع باكستان في مواجهة استحقاقات أمنية حساسة، فهي تحتاج إلى مضاعفة الجهد الاستخباراتي وضبط الحدود، دون أن تتورط في صراع مفتوح مع إيران أو تدخل في مواجهة غير مباشرة مع إسرائيل، كما ستكون مضطرة لتنسيق أمني مكثف مع القوى الكبرى، لا سيما الصين والولايات المتحدة، لحماية مصالحها ومنع انهيار الاستقرار في إقليم بلوشستان.
وفي الوقت نفسه، يبدو أن الرهان الوحيد الممكن حالياً هو على التهدئة السياسية والدبلوماسية، لأن أي خيار عسكري سيُشعل المنطقة أكثر، ويفتح الباب أمام موجة جديدة من الإرهاب يصعب احتواؤها في المستقبل القريب.