بعد قرار حظرها.. هل تحولت "فلسطين أكشن" إلى ذراع إرهابية على الأراضي البريطانية؟
الثلاثاء 24/يونيو/2025 - 12:11 م
طباعة

تواجه جماعة "فلسطين أكشن" منعطفًا حاسمًا في تاريخها القصير والمشحون، بعد أن أعلنت وزيرة الداخلية البريطانية إيفيت كوبر نيتها تصنيفها جماعة محظورة بموجب قانون الإرهاب البريطاني لعام 2000.
هذا القرار الذي يُعدّ الأعلى تصعيدًا ضد هذه الجماعة منذ تأسيسها، جاء نتيجة سلسلة من العمليات التخريبية التي ارتكبها ناشطوها، والتي لم تعد تندرج تحت مسمى "الاحتجاج السلمي" أو "العمل السياسي"، بل أصبحت تُقارب أنماطًا واضحة من النشاط الإرهابي الممنهج والموجّه ضد منشآت حيوية في الدولة البريطانية.
منذ تأسيسها عام 2020، انتهجت الجماعة ما تسميه "العمل المباشر"، وهو في الواقع سلسلة من الأفعال الإجرامية التي تستهدف منشآت عسكرية وصناعية تحت ذريعة مقاومة الدعم البريطاني لإسرائيل، غير أن الحوادث الأخيرة، وعلى رأسها اقتحام قاعدة "برايز نورتون" العسكرية وتخريب طائرات تابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني، دفعت الحكومة إلى إعادة تقييم طبيعة هذه الجماعة، التي أصبحت تمثل تهديدًا فعليًا للأمن القومي البريطاني.
تصنيف جماعة ما كـ"إرهابية" في بريطانيا ليس قرارًا يتم اتخاذه بسهولة، إذ يخضع لتحليل استخباراتي وقانوني شامل، لكن "فلسطين أكشن"، من خلال سجلها، باتت تفي بعدة شروط تُدرجها قانونًا ضمن ما يُعرّف بالتنظيم الإرهابي، بما في ذلك التحريض العلني على العنف، إلحاق الضرر المتعمد بالممتلكات العامة والخاصة، استهداف مؤسسات الدولة، والتورط في أفعال تهدف إلى التأثير على السياسات الحكومية عن طريق الترهيب والتخويف. عملية التخريب في قاعدة "برايز نورتون" تمثل تصعيدًا خطيرًا في طبيعة أنشطة الجماعة، فهي لم تستهدف منشأة مدنية أو شركة خاصة فحسب، بل اخترقت قاعدة عسكرية حساسة وتسببت في أضرار لطائرات استراتيجية تُستخدم في عمليات إمداد وتزويد القوات.
هذا النوع من الاستهداف لا يُعبّر عن "معارضة سياسية"، بل يرتقي إلى تهديد مباشر لقدرات الدفاع الوطني، وهو ما لا يمكن التساهل معه في أي دولة ذات سيادة.
وما يزيد من خطورة الجماعة هو أنها لا تنفذ هذه العمليات التخريبية في الخفاء، بل تتبناها علنًا، وتوثّقها بالفيديو، وتنشرها على منصاتها الإعلامية كنوع من "التفاخر الثوري".
هذه الممارسات تعكس بوضوح اعتماد الجماعة على خطاب تعبوي يدفع نحو العنف، ويُحوّل أتباعها إلى أدوات تنفيذ لعمليات تحمل طابعًا إرهابيًا، سواء من حيث الوسيلة أو الهدف، علاوة على ذلك، فإن الجماعة تنشط عبر شبكة من المتعاطفين والداعمين الذين لا يكتفون بالترويج لها، بل يشاركون في حملات تمويل غير شرعية، وتنظيم تدريبات وتحركات تستهدف مواقع محددة، ما يعكس وجود تنظيم هرمي وهيكل عمل منظم، وهو ما يطابق في جوهره خصائص الجماعات الإرهابية المعروفة.
وأبرز ما يثير القلق هو الطريقة التي تستغل بها الجماعة الخطاب الحقوقي والإنساني للتمويه على أنشطتها. فهي ترفع شعارات الدفاع عن الشعب الفلسطيني ومعارضة الحرب في غزة، لكنها في الواقع تستخدم تلك القضايا العادلة كغطاء لأعمال تخريبية موجهة ضد بنى الدولة البريطانية.
ويري مراقبون أن التمييز بين التضامن الإنساني والإرهاب واجب أخلاقي وقانوني، لا سيما حين يتحوّل "الاحتجاج" إلى عدوان مباشر على منشآت عسكرية ومدنية، وينتج عنه خسائر مادية جسيمة، ويهدد أرواح العاملين في تلك المؤسسات.
و من هذا المنطلق، كان من الضروري أن تتخذ الحكومة البريطانية خطوات رادعة تجاه جماعة تجاوزت كل الخطوط الحمراء، ولم تَعُد تنتمي إلى فضاء العمل المدني أو السياسي.
تاريخ الجماعة القصير نسبيًا مليء بالأحداث التي تكشف عن تطور خطير في بنيتها وتحركاتها. فقد استهدفت في العامين الماضيين مقار شركات صناعات دفاعية مرتبطة بإسرائيل، من بينها "إلبيت سيستمز"، و"تاليس"، و"إنسترو بريسيجن"، وألحقت بها أضرارًا بملايين الجنيهات.
هذه العمليات لم تكن مجرد "مظاهر احتجاج"، بل هجمات مخططة ومنفّذة بدقة، استُخدمت فيها أدوات تدمير، وتمّت بعد رصد واستطلاع، وهي أمور توحي بوجود مستوى تنظيمي متقدّم. حتى في خطابهم العلني، لم يعد أعضاء الجماعة يتحدثون عن "النضال السلمي"، بل عن "المقاومة الفاعلة"، وهي مصطلحات مأخوذة من أدبيات الحركات المسلحة، ما يوضح التوجه الإيديولوجي العنيف للجماعة.
وفي إحدى أكثر الهجمات خطورة، أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن تخريب طائرة عسكرية أميركية في مطار بإيرلندا، وهو ما يُعدُّ تجاوزًا خطيرًا للحدود الجغرافية، ويعكس طموحًا لتوسيع دائرة العمليات إلى دول أخرى.
ويشير مراقبون إلي أن هذا البعد العابر للحدود، مع ما يُرافقه من استخدام تقنيات توثيق ودعاية رقمية، يعزز الشبهات حول تلقي الجماعة دعمًا لوجستيًا أو أيديولوجيًا من جهات خارجية.
ويعزز ذلك أيضًا احتمال انخراط الجماعة في ما يُعرف بـ"الإرهاب المعولم"، الذي يتغذى على قضايا النزاع الدولية لتبرير أعمال العنف المحلية.
من الناحية القانونية، فإن الحظر المرتقب على جماعة "فلسطين أكشن" يضعها في مصاف جماعات مثل "حماس"، و"داعش"، و"القاعدة"، ما يعني أن الانتماء إليها أو الترويج لها أو المشاركة في فعاليات تحمل شعارها سيُعدّ جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن لمدة قد تصل إلى 14 عامًا.
هذا التصنيف ليس قرارًا سياسيًا عابرًا، بل إجراء أمني استباقي يهدف إلى تجفيف منابع الإرهاب، ومنع تشكّل خلايا موازية داخل المجتمع البريطاني.
وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة البريطانية أكدت أن هذا القرار لا يستهدف مناصري القضية الفلسطينية أو الجماعات القانونية التي تدعو إلى التضامن مع غزة، بل يخصّ تحديدًا جماعة تتورط في أفعال إرهابية تهدد أمن البلاد.
رد فعل الجماعة على قرار الحظر كان متوقعًا، فقد أصدرت بيانًا اتهمت فيه وزيرة الداخلية بـ"نشر أكاذيب" وهددت بالطعن على القرار في المحاكم، لكن هذا الأسلوب ليس جديدًا على الجماعات المتطرفة التي تحاول دائماً تقديم نفسها كضحايا للأنظمة.
وفي المقابل، تؤكد السلطات أن الحظر لا يستند إلى آراء سياسية، بل إلى أفعال جرمية موثقة، وتحقيقات موسعة من قبل شرطة مكافحة الإرهاب، التي أكدت بدورها أن الجماعة تشكّل خطرًا متناميًا يجب مواجهته بكل الوسائل القانونية المتاحة.
ما يجري اليوم ليس مجرد إجراء إداري ضد مجموعة متطرفة، بل هو جزء من معركة أوسع ضد الإرهاب الذي يتخفى وراء شعارات إنسانية.
وتؤكد تقارير إعلامية بريطانية، أنه مع تصاعد التهديدات العالمية، لا يمكن السماح بتحوّل الأراضي البريطانية إلى ساحة لنشاط مجموعات تحمل أفكارًا متطرفة وتُنفذ أعمالًا عدائية باسم قضايا خارجية، لذلك، فإن قرار حظر "فلسطين أكشن" لا يتعلق فقط بحماية أمن الدولة، بل بالحفاظ على جوهر القانون، ومنع الانزلاق نحو نموذج يصبح فيه العنف وسيلة مقبولة للضغط السياسي، فالإرهاب، أياً كانت ذرائعه، يظل عملاً إجراميًا مرفوضًا، لا مكان له في المجتمعات الديمقراطية.