"ذكريات الحصار" لمدينة حمص كتاب شاهد عيان تحت القصف
الإثنين 18/أغسطس/2025 - 11:40 ص
طباعة

عن دار المشرق ببيروت صدر كتاب " ذكريات الحصار، مع الأب فرانس فان در لوخت اليسوعيّ "الكتاب وثيقة تاريخيَّة حقيقيَّة لم يكتبْها مؤرِّخ بل شاهد عيان ، ويمكن اعتمادها مرجعًا أكاديميًّا ومصدرًا للتَّوثيق.ويقول عنه لأب سامي حلَّاق اليسوعيّ
الكتاب يسرد أحداثًا، بشكل لوحاتٍ حصلت بالفعل في مدينة حمص حين حاصَر الجيش السُّوريّ جماعات المسلَّحين المناهضة لنظام بشَّار الأسد، وحاصر معهم مجموعةً كبيرة من المدنيِّين الَّذين لم يتمكَّنوا، لسببٍ من الأسباب، من الفرار قبل أن يُفرَض طوقُ الحصار. ومن بين هؤلاء شخص اختار البقاء مع مَن بَقُوا، لأنَّه كاهن كرَّس نفسه لخدمة الله من خلال خدمته للإنسان. لقد شعر بأنَّه راعٍ لهؤلاء المدنيِّين، والرَّاعي الصَّالح لا يترك خرافه في الأزمة وينجو بنفسه. إنَّه الأب فرانس فان در لوخت اليسوعيّ.
وشاءت الظُّروف أن يكون مع هذا الرَّاعي شابٌّ أنهى دروسه الجامعيَّة، يحبُّ فتاةً، وخطبها، ويبحث عن عملٍ في مدينةٍ توقَّفت فيها كلُّ الأعمال. في فترة الفراغ هذه، طُلِبَ منه تطوُّعٌ شكلُه بسيط جدًّا: أن يقيم في الدَّير مع الأب فرانس كي لا يكون وحده، وأن يساعده في أعماله الإنسانيَّة.
لم يتردَّد هذا الشَّاب، وهو مؤلِّف الكتاب، في الموافقة. فقد تربَّى على روح الخدمة منذ نعومة أظافره، سواء في البيت أو في «الدَّير»، أي دير الآباء اليسوعيِّين الَّذي كان يتردَّد إليه. وعلى كلِّ حال، ليس لديه عمل يمنعه من قبول هذه الخدمة. فأقام في الدَّير، وهنا بدأت الحكاية. فقد حوصر مع الأب فرانس، ورضي بذلك ولم يهرب. وكان شاهدًا على أحداثٍ تجعل القارئ محتارًا تجاه ردَّة الفعل المناسبة لما يقرأه. هل يضحك، هل يتألَّم، هل يبكي، هل يشكر الله على رعايته؟ خليطٌ عجيب من هذه المشاعر في كلِّ مشهد: رائحةُ البول الخانقة لعجوز معوَّقة تعيش في القبو وتخدمها أختها الثَّرثارة الأكبر منها سنًّا، تركُ التَّابوت يسقط على الأرض وخروج الجثَّة منه للاحتماء من القذائف التي بدأت تنهار على المقبرة، ابتسامةُ طفل فقَد ساقه لقطعة سكر قدَّموها له، نبشُ قبرٍ وفتحُ تابوتِ عجوزٍ ماتت قبل شهر لدفنِ أختها إلى جانبها لأنَّ التَّوابيت نفدت…
لقد حاول الكاتب "بهجت الحوش "إبراز شخصيَّة الأب فرانس وعملَه الإنسانيّ: إسعافُ الفقراء والمعوزين، علاقاتٌ إسلاميَّة مسيحيَّة، تضامنٌ وتآخٍ بين جميع أطياف المحاصرين من أغنياء وفقراء، كبارًا وصغارًا، محاربين ومدنيِّين، مسيحيِّين ومسلمين… كما حاول الكاتب – الشَّاهد إخفاءَ نفسه قدر الإمكان، وعدم ذكر الدَّور الَّذي مارسه كمساعد للأب فرانس، والاستشارات بينهما، والقرارات المشتركة. لقد كان معه في كلِّ عمل إنسانيّ، وخاطَر معه بحياته مرارًا، وتعرَّض معه للقنص والقصف، لكنَّه لم يتباهَ بذلك بل بالعكس، سلَّط، في بعض الأحيان، الضَّوء على ضعفه وتردُّدِه، وعلى مساندة الأب فرانس له.
تمّ تأليف هذا الكتاب، وقرَّر الكاتب نشره في أيَّام حُكم الأسد مع كلِّ ما في هذه الخطوة من مخاطرة. الأسماء المذكورة فيه ليست الأسماء الحقيقيَّة. فالمطَّلعون على الأحداث يعرفون مثلًا أنَّ المصوِّر فارس هو باسل شحادة الَّذي كان يوثِّق الأحداث وقُتِلَ. وحرِص الكاتب على ألَّا ينحاز لأيِّ طرف، وحرصُه هذا لم ينبع من خوف. فحين سقط النِّظام سُئل عمَّا إذا كان يريد تعديل شيء في كتابه قبل أن يُطبَع، فالأحوال تغيَّرت، ويمكنه الكلام الآن بحرِّيَّة. لكنَّه رفض إجراءَ أيِّ تغيير، لأنَّه نهَج في كتابته منهجَ الأب فرانس: عدم الانحياز لأيِّ طرف كي نتمكَّن من أن نكون عناصرَ وفاقٍ ومصالحة.
فصول الكتاب قصيرة، مكتوبة بلغةٍ جذلة، تروي الأحداثَ بأمانةٍ ومن دون تضخيمٍ أو زخرفة. كثيرون قرأوه وقالوا: مَن يبدأ بقراءته لن يتركه حتَّى ينهيه.