الذراع الخفيّة للحوثيين: الزينبيات.. جهاز نسوي يتحوّل إلى أداة قمع وتجنيد واستغلال في اليمن

الثلاثاء 19/أغسطس/2025 - 03:48 م
طباعة الذراع الخفيّة للحوثيين: أميرة الشريف - فاطمة عبدالغني
 
تواصل الجماعة الحوثية في اليمن تعزيز أجهزتها الأمنية والعسكرية بمسارات غير تقليدية، حيث تكثف منذ أسابيع حملات تجنيد الفتيات والنساء ضمن جهازها الأمني النسوي المعروف بـ«الزينبيات»، في خطوة تثير قلق المراقبين لما تحمله من أبعاد اجتماعية وأمنية خطيرة، خصوصاً مع ما كشفته تقارير محلية ودولية من ضلوع هذا الجهاز في التجسس والاعتقالات والابتزاز، إلى جانب انتهاكات تطال النساء والفتيات داخل مناطق سيطرة الجماعة.
الهيئة النسائية الثقافية
وبحسب تقارير إعلامية، كشفت مصادر محلية في العاصمة صنعاء أن ما يسمى بـ«الهيئة النسائية الثقافية» كثّفت أنشطتها داخل المدارس الحكومية والخاصة، والمديريات السكنية، بالتزامن مع الاستعدادات لإحياء المولد النبوي، حيث تعمد الجماعة إلى استقطاب الفتيات عبر الأنشطة التربوية والاحتفالات الدينية، قبل نقلهن إلى مراكز محددة لتلقي تدريبات عملية تشمل كيفية تفتيش النساء في الفعاليات، وتوفير الحماية الميدانية للقيادات الحوثية خلال التنقل والحضور العلني.
 كما تتضمن هذه الدورات تدريبات بدنية على أساليب القتال والدفاع عن النفس، إضافة إلى تركيز كبير على التعبئة الفكرية وإجبار الفتيات على حفظ الشعارات العقائدية التابعة للجماعة.
وتؤكد مصادر تربوية أن هناك تعليمات مباشرة صدرت من مكاتب التربية والتعليم، التي باتت خاضعة بالكامل لسيطرة الحوثيين، بإبلاغ المشرفات الحوثيات عن أي طالبة تظهر التزاماً أو تفاعلاً مع المناهج الجديدة، ليتم ترشيحها سريعاً إلى دورات «تأهيلية» مغلقة. ويتم توثيق أسماء وأداء الطالبات المستهدفات عبر تقارير مكتوبة وصور شخصية يتم رفعها إلى قيادة القطاع النسائي، بما يضمن تقييد الفتاة لاحقاً وإجبارها على الاستمرار في الانخراط داخل الجهاز الأمني النسوي.
وفي محافظة الحديدة، أجبرت الجماعة عدداً من عُقّال الحارات والوجاهات الاجتماعية على تحويل منازلهم إلى مراكز مؤقتة لتسجيل النساء المتقدمات للتجنيد، وسط حملة ترويج مباشرة تتولاها ناشطات حوثيات لعرض ما تصفه الجماعة بـ«الامتيازات» التي تحصل عليها المجندات، والتي تشمل رواتب شهرية ومكانة اجتماعية وحماية أمنية من أي مساءلة أو مضايقات داخل المجتمع، بل وتصل هذه العروض أحياناً إلى حد منح أسر الفتيات بطاقات تعريف «خاصة» تُمكّنهن من المرور عبر النقاط الحوثية دون تفتيش أو اعتراض. وبحسب مصادر محلية، فإن هذه الامتيازات غالباً ما تقترن بتحذيرات ضمنية بأن الأسر التي ترفض إرسال بناتها ستُعتبر غير موالية، وقد تتعرض للاستهداف أو التضييق.
وتطرح هذه التطورات تساؤلات حول أسباب توجه الحوثيين إلى تجنيد النساء في هذا التوقيت بالتحديد، حيث يرى مراقبون يمنيون أن الجماعة تعاني نقصاً كبيراً في الكادر البشري بعد سنوات من القتال واستنزاف الآلاف من المقاتلين في الجبهات، الأمر الذي دفعها إلى تحويل جزء من عناصرها الأمنية إلى خطوط المواجهة، ما خلق فراغاً أمنياً داخل المناطق الرئيسية، أشعل الحاجة لتجنيد النساء وتهيئتهن للقيام بمهام المراقبة والتفتيش والاعتقال.
استغلال جنسي
تقرير سنوي صادر عن الأمم المتحدة أكد بدوره تزايد حالات تجنيد الفتيات في اليمن خلال العام الماضي.
 وأشار إلى أن الجماعة الحوثية لا تستخدم هؤلاء الفتيات فقط في الأدوار التنظيمية، بل يعرضنهن أيضاً للعنف والاستغلال الجنسي، كما أكد التقرير رصد حوادث اغتصاب وعنف جنسي في عدد من المخيمات والمقرات التابعة للجماعة، لافتاً إلى أن المخيمات الصيفية، التي تزعم الجماعة أنها مخصّصة لتعليم الأطفال، تحولت إلى منصات لفرض الفكر الطائفي وتجنيد القاصرين، فضلاً عن استخدام الزواج القسري للفتيات كوسيلة لضمان الولاء المطلق لـ«قائد الجماعة».
وبالتوازي مع ذلك، كشف تقرير يمني حديث صادر عن مركز «PTOC Yemen» للبحوث، عن معلومات أكثر تفصيلاً حول جهاز «الزينبيات»، وأشار إلى أن عدد عناصره يُقدَّر بنحو أربعة آلاف امرأة ينحدرن من عائلات حوثية قيادية، تلقّين تدريبات مكثفة داخل اليمن، وفي معسكرات متخصصة في لبنان وإيران تحت إشراف «الحرس الثوري» و«حزب الله».
 ووفق التقرير نفسه، فإن هذا الجهاز يعمل كقوة أمنية موازية داخل الجماعة، إذ يقوم بعمليات اقتحام منازل المعارضين، والتجسس على النساء في المدارس والجامعات، وتنفيذ اعتقالات واستجوابات داخلية، كما يشارك بشكل مباشر في حملات دعائية تستهدف الطالبات والفتيات، عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ابنة مؤسس الجماعة
ويتحدث التقرير عن أسماء شخصيات نسائية نافذة تشرف على هذا الجهاز، بينها فاطمة بدر الدين الحوثي ابنة مؤسس الجماعة، التي تشغل منصب نائب رئيس جهاز الأمن والمخابرات لقطاع المرأة والمنظمات، إضافة إلى ابتسام المتوكل التي تتولى مهمة التعبئة داخل الجامعات، وهدى العماد التي تُعتبر العقل المدبر لعمليات التجنيد داخل القطاع الأكاديمي. وتشير الوقائع الميدانية إلى أن دور هذا الجهاز لم يعد يقتصر على تأمين الفعاليات النسائية، بل تطوّر إلى المشاركة في مداهمة منازل المعارضين وتفتيشها، والقيام بعمليات تعذيب جسدي ونفسي داخل السجون الحوثية، واستقطاب لاجئات إفريقيات للعمل كمخبرات داخل المنظمات الدولية، وتجنيدهن لاحقاً للعمل خادمات لدى شخصيات سياسية معارضة من أجل جمع معلومات خاصة تستخدم في الابتزاز.
منظمات حقوقية محلية ودولية حذّرت من خطورة هذا النهج على النسيج الاجتماعي اليمني، خاصّة وأن حالات العنف الجنسي لا يتم الإبلاغ عنها في كثير من الأحيان بسبب الخوف من الوصمة الاجتماعية أو الانتقام، وهو ما يجعل حجم الجرائم الفعلي أكبر بكثير مما هو موثّق في التقارير الرسمية. كما حذّرت من أن استمرار التجنيد القسري للفتيات يخلق جيلاً جديداً من «العناصر المعبّأة» فكرياً وأمنياً، ما يمثل تهديداً مستقبلياً لأية فرصة للسلام أو للمصالحة الوطنية في اليمن.
ورغم التحذيرات المستمرة، يرى ناشطون أن المجتمع الدولي لا يزال يكتفي بإصدار بيانات «مقلقة» دون اتخاذ خطوات ملموسة، في الوقت الذي تواصل فيه الجماعة الحوثية بناء أجهزتها القمعية، مستفيدة من حالة الفراغ السياسي، وانشغال العالم بأزمات أخرى في المنطقة.
وبينما تتجه الأنظار إلى التطورات العسكرية، يتجاهل كثيرون حقيقة أن «الزينبيات» باتت اليوم الذراع الأخطر داخل المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، إذ تجمع بين العقيدة المتطرفة والعمل الاستخباراتي والقدرة على الوصول إلى كل بيت ومدرسة، ما يجعل تأثيرها متعدد الأوجه يتجاوز البعد الأمني، إلى تهديد مباشر للمرأة اليمنية والمجتمع بكل مكوناته.

شارك