قمة شنغهاي.. احتدام المواجهة مع الغرب في ظل تصاعد التهديدات الإرهابية

الثلاثاء 02/سبتمبر/2025 - 11:08 ص
طباعة قمة شنغهاي..  احتدام أميرة الشريف - فاطمة عبدالغني
 
 وجّه الرئيسان الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين خلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون انتقادات لاذعة إلى الغرب، محمّلينه مسؤولية التصعيد في أوكرانيا، ومؤكدين أن العالم بحاجة إلى نظام عالمي "عادل ومتعدد الأقطاب".
الرسائل التي خرجت من القمة لم تقتصر على انتقادات مباشرة، بل حملت دلالات أعمق تشير إلى تكريس واقع جديد لتحالف شرقي آخذ في الاتساع والتأثير على الساحة الدولية.
 وعلى الرغم من الطابع التجاري البحت الذي غالبًا ما يُتوقع من قمم قادة العالم، نجحت قمة منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) التي انعقدت في مدينة تيانجين الصينية في جذب الأنظار إلى قضايا استراتيجية كبرى تتجاوز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدول الكبرى.
 ومن خلال حضور قادة مؤثرين مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بالإضافة إلى قادة من إيران وباكستان ومصر وأذربيجان، لم تكن القمة مجرد لقاء دبلوماسي تقليدي، بل كانت فرصة كبيرة لدول شرق آسيا وآسيا الوسطى لتوجيه رسائل سياسية قوية تتعلق بمكافحة الإرهاب، وتحقيق الاستقرار في مواجهة التحديات العالمية.
إحدى أبرز القضايا التي برزت خلال القمة كانت كيفية التصدي للإرهاب، وهو موضوع يظل يشكل هاجسًا حقيقيًا لهذه الدول التي عانت، ولا تزال، من تهديدات من جماعات إرهابية تتنوع أهدافها وتكتيكاتها.
 لكن، في الوقت نفسه، فإن ما يميز هذه القمة هو كيف أن منظمة شنغهاي للتعاون، بقيادة الصين، تسعى إلى الاستفادة من تحالفاتها لتشكيل جبهة موحدة ضد الإرهاب، خاصة في مناطق مثل الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، حيث لا تزال العديد من هذه الدول تحت تهديد التنظيمات الجهادية.
الصين: قيادة عالمية في مكافحة الإرهاب
على الرغم من أن الصين قد عُرفت تاريخيًا بعدم تدخلها المباشر في النزاعات الإقليمية، فإن استراتيجية القمة أكدت على دور بكين المتزايد في الساحة العالمية، لا سيما في مجال مكافحة الإرهاب.
 الصين، التي ترى في الإرهاب تهديدًا للأمن الإقليمي والدولي، تحرص على تنسيق جهودها مع دول مثل روسيا، باكستان، وإيران لمواجهة هذه التهديدات التي تُشكل مصدر قلق مشترك.
من وجهة نظر الصين، يعد الإرهاب في منطقة وسط آسيا وفي مناطق النزاع مثل أفغانستان وسوريا تحديًا مباشرًا لمبادرة "الحزام والطريق"، والتي هي جزء أساسي من استراتيجيتها الاقتصادية الكبرى.
 ففي ظل تزايد نشاط الجماعات الجهادية مثل "داعش" و"القاعدة" في هذه المناطق، فإن استقرار هذه البلدان يعد أحد الأسس التي تقوم عليها مشاريع البنية التحتية الصينية الطموحة. 
من خلال تعزيز التعاون الأمني مع دول مثل باكستان وإيران، تسعى الصين إلى إغلاق الفجوات الأمنية في تلك المناطق التي يمكن أن تُستغل من قبل التنظيمات الإرهابية لزعزعة استقرار المنطقة.

روسيا والصين

العلاقة بين الصين وروسيا في قمة شنغهاي عكست التزامًا واضحًا من كلا البلدين بتحقيق استقرار أمني في مناطق أساسية مثل الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
 روسيا، التي شهدت في السنوات الأخيرة تصاعدًا في تهديدات الجماعات الإرهابية خاصة في شمال القوقاز، قد استفادت من التعاون الأمني مع الصين لدعم قدراتها الاستخباراتية في مكافحة الإرهاب. 
على الرغم من أن روسيا غالبًا ما تتبع سياسات مستقلة في هذا المجال، إلا أن التوترات العالمية التي أثارتها السياسات الغربية، وخاصة الأمريكية، جعلت من التحالف الروسي الصيني أداة فعالة لمواجهة تهديدات الإرهاب الدولي.
حضور الرئيس الإيراني في القمة يعكس دور إيران في تحالف مكافحة الإرهاب الذي تقوده الصين وروسيا. في السنوات الأخيرة، كانت إيران مستهدفة من قبل قوى غربية بسبب دعمها لبعض الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط، ولكن التعاون مع الصين وروسيا يمنح إيران منصة لتوسيع نفوذها الأمني والسياسي في المنطقة.
 يتزامن هذا التحالف مع رغبة مشتركة للحد من هيمنة الولايات المتحدة على الأمن الإقليمي، وبالتالي تسعى هذه الدول إلى تقديم نموذج جديد لمكافحة الإرهاب يعتمد على التعاون بين الدول ذات السيادة.
الهند ومودي: رسالة قوية ضد التفرد الأمريكي
خلال القمة، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قد أرسل رسالة ضمنية للولايات المتحدة مفادها أن الهند لا يمكن اعتبارها "أمرًا مسلمًا به" في معادلة الأمن العالمي، في إشارة إلى سياسة الضغط الاقتصادي التي اتبعتها إدارة ترامب تجاه الهند. 
حيث أن الهند، التي تعد نفسها هدفًا رئيسيًا للتنظيمات الإرهابية مثل "داعش" و"القاعدة"، تجد في التعاون مع الصين وروسيا خيارًا استراتيجيًا لتحقيق الاستقرار الإقليمي.
الهند، التي لها حدود مشتركة مع باكستان حيث تنشط جماعات إسلامية متشددة، كانت من أولى الدول التي عانت من العواقب المباشرة للإرهاب الدولي. 
وفي هذا السياق، كانت القمة بمثابة فرصة للهند لتأكيد أهمية دورها في تعزيز الأمن الإقليمي من خلال التعاون مع الصين وروسيا. 
علاوة على ذلك، فإن الحكومة الهندية تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع الدول التي تشاركها الهموم الأمنية المشتركة، مثل مكافحة تمويل الإرهاب، وتبادل المعلومات الاستخباراتية لمكافحة المجموعات الجهادية.
تركيا وإرث الإسلام السياسي: تحديات الإرهاب
من جانب آخر، كانت مشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في القمة بمثابة تسليط الضوء على تحديات الإرهاب من منظور الإسلام السياسي.
 تركيا، التي تواجه تهديدات مستمرة من قبل جماعات مثل "داعش" و"القاعدة" و"حزب العمال الكردستاني"، كانت قد عززت جهودها الأمنية في السنوات الأخيرة، بما في ذلك المشاركة في العمليات العسكرية ضد الإرهابيين في سوريا والعراق. 
ومع ذلك، لم يتوقف أردوغان عن محاولة التوسع في نموذج الإسلام السياسي، ما جعله عرضة للانتقادات من قبل الغرب.
إلا أن تركيا تُظهر خلال هذه القمة أن محاربة الإرهاب يجب أن تكون جزءًا من استراتيجية أوسع تشمل التعاون بين الدول، بما في ذلك القوى العظمى مثل الصين وروسيا. 
على الرغم من اختلافات المواقف السياسية في بعض الأحيان، يُعتبر التعاون بين هذه القوى جزءًا من استراتيجية منسقة تهدف إلى القضاء على التنظيمات الإرهابية التي تهدد الأمن الإقليمي والدولي.
قمة شنغهاي: مواجهة تهديدات الإرهاب والتطرف
رغم أن قمة شنغهاي في تيانجين لم تُحقق نتائج فورية أو قرارات دبلوماسية مؤثرة، فإنها قدمت خارطة طريق مهمة للتحالفات المستقبلية في التصدي للإرهاب على الصعيدين الإقليمي والعالمي. استراتيجيات مكافحة الإرهاب التي طرحتها الصين وحلفاؤها تؤكد ضرورة التعاون الأمني الاستخباراتي، وتبادل المعلومات، والعمل المشترك في تطوير استراتيجيات لمكافحة تمويل الإرهاب.
أحد أهم الدروس التي يمكن استخلاصها من قمة تيانجين هو كيف أن بعض الدول التي تُعتبر محورية في مكافحة الإرهاب، مثل إيران وباكستان، يمكن أن تتعاون بشكل مباشر مع الصين وروسيا لتقوية جبهتهم في مواجهة التنظيمات الجهادية.
 في المقابل، فإن الولايات المتحدة، التي لا تزال تشكل قوة رئيسية في الحرب العالمية ضد الإرهاب، تواجه تحديات متزايدة في تأثيرها على هذه التحالفات الجديدة.
 نحو تحالفات متعددة في وجه الإرهاب العالمي
في الختام، تعد قمة شنغهاي للتعاون خطوة مهمة نحو تشكيل تحالفات جديدة لمكافحة الإرهاب، والتي تهدف إلى تعزيز الاستقرار في مناطق حساسة مثل الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
 الصين، من خلال دورها القيادي في هذه القمة، تسعى إلى تقديم نموذج جديد للعمل الجماعي لمكافحة الإرهاب، مع التأكيد على أهمية السيادة الوطنية والتعاون المتوازن بين الدول الكبرى.
 كما أن التحالفات الجديدة التي نشأت في هذه القمة تعكس تحولًا في موازين القوى العالمية، حيث يبدو أن الصين وروسيا والهند وتركيا تسعى جميعها للعمل معًا لمواجهة التحديات الأمنية الكبرى، في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة مواجهة تأثير هذه التحالفات على مستوى السياسة الدولية.

شارك