الأفغان العائدون قسرًا من إيران وباكستان.. اختبار قاسٍ لعلاقات طالبان بجيرانها

الجمعة 05/سبتمبر/2025 - 10:19 م
طباعة الأفغان العائدون محمد شعت
 
تشهد أفغانستان في الشهور الأخيرة واحدة من أعقد الأزمات المرتبطة بملف اللاجئين، حيث تسارعت عمليات الطرد والترحيل القسري لمئات الآلاف من الأفغان من كلٍّ من باكستان وإيران، الأمر الذي ألقى بظلاله الثقيلة على حكومة طالبان التي تجد نفسها أمام اختبار سياسي وإنساني شديد التعقيد.
ومنذ أكتوبر 2023، بدأت باكستان حملة واسعة لترحيل الأفغان بحجة غياب الوثائق وتصاعد الهجمات المسلحة داخل أراضيها، فيما سارت إيران على النهج ذاته بعد أن أعلنت بطلان أوراق نحو مليوني لاجئ أفغاني. ونتيجة لذلك، عاد إلى أفغانستان أكثر من 2.3 مليون لاجئ خلال عام واحد فقط، وفقًا لإحصاءات الأمم المتحدة، وهو رقم هائل يضاعف التحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في بلد يعاني أصلًا من أزمات متلاحقة.

وفي ظل هذه التطورات، تتساءل الدوائر السياسية والإغاثية عن قدرة طالبان على استيعاب موجات العودة المتسارعة، خصوصًا أن معظم العائدين هم من الفارين عقب وصول الحركة إلى السلطة عام 2021، ما يعكس فقدانهم للثقة في حكمها. كما يُثار الجدل حول ما إذا كان هذا الملف سيفتح الباب أمام توترات جديدة في علاقات أفغانستان مع باكستان وإيران، في وقت تحاول فيه الحركة تثبيت أركان حكمها داخليًا وبناء اعتراف خارجي بشرعيتها.

المعادلة الباكستانية والإيرانية.. بين الأمن والسياسة

باكستان، التي استضافت الأفغان لأكثر من أربعة عقود منذ الغزو السوفيتي، باتت ترى في وجودهم تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. فقد صرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية السفير شفقت علي خان بوضوح أن بلاده صاحبة القرار في تحديد من يبقى على أراضيها، مؤكّدًا أنه "يجب على أي شخص لا يحمل وثائق مغادرة البلاد"، مضيفًا أن هذا الإجراء ليس استثناءً بل يتوافق مع ما تقوم به دول أخرى، بما في ذلك الأوروبية. هذا الموقف يعكس رغبة إسلام آباد في ربط ملف اللاجئين بملف مكافحة الإرهاب، خاصة مع اتهاماتها المستمرة لطالبان بعدم بذل الجهد الكافي لمنع استخدام الأراضي الأفغانية منطلقًا لشن هجمات ضد باكستان.

الضغوط الباكستانية تزامنت مع خطوات متسارعة من جانب إيران لترحيل أعداد ضخمة من الأفغان. فقد أعلنت السلطات الإيرانية بطلان أوراق إحصاء لنحو مليوني لاجئ، وبدأت بالفعل عمليات ترحيل جماعي، وصل بعضها إلى أكثر من 600 ألف شخص خلال أسابيع قليلة عبر معبر إسلام قلعة وحده. وبررت طهران هذه الإجراءات بدواعٍ أمنية واقتصادية، خصوصًا بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل وما فرضته من تحديات داخلية. وعلى الرغم من وعود طالبان بتنظيم عملية إصدار بطاقات الهوية الإلكترونية للاجئين في إيران، إلا أن الشكاوى من تعقيدات الحصول على هذه الوثائق ما تزال قائمة، وهو ما فاقم وضعهم وأدى إلى زيادة معدلات الطرد.

هذه السياسات من باكستان وإيران لا تنفصل عن سياقات سياسية أوسع. فإسلام آباد تسعى إلى تقليص أي نفوذ محتمل للحركات الجهادية العابرة للحدود التي قد تنطلق من أفغانستان، بينما تريد طهران ضبط توازنها الداخلي وسط أزمات اقتصادية خانقة. وفي كلا الحالين، يصبح اللاجئون ورقة ضغط مباشرة على طالبان، ورسالة مفادها أن استمرار تجاهل الهواجس الأمنية والسياسية للدولتين سيكلف الحركة المزيد من الأزمات.

طالبان بين أزمة إنسانية وتوترات محتملة

عودة اللاجئين بهذا الحجم غير المسبوق تمثل عبئًا إنسانيًا واقتصاديًا هائلًا على حكومة طالبان، التي ورثت بلدًا مثقلًا بالفقر والبطالة وانعدام الخدمات الأساسية. وتشير إحصاءات الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة إلى أن الطرد القسري يزيد من تفاقم الأزمات الإنسانية القائمة، خصوصًا بعد الزلازل المدمرة والفيضانات والجفاف المتكرر. فقد وجدت آلاف العائلات نفسها بلا مأوى أو مصدر رزق، في وقت لا تملك فيه مؤسسات طالبان القدرة على توفير بنية تحتية قادرة على استيعابهم.

ومن الناحية السياسية، تشكّل عودة هؤلاء اللاجئين تحديًا إضافيًا للحركة. فالكثير منهم غادروا البلاد بعد سيطرة طالبان على الحكم في أغسطس 2021، ما يكشف عن مخاوف عميقة من سياساتها الداخلية. واليوم، يعود هؤلاء قسرًا لا طوعًا، ما يعني أن نظرتهم السلبية للحركة قد تزداد وتتحول إلى حالة من التململ الاجتماعي وربما الاحتجاج. وهذا سيناريو تخشاه طالبان التي تحاول إظهار قدرتها على الحكم وإقناع العالم بقدرتها على إدارة شؤون الدولة.

في المقابل، فإن علاقات طالبان مع باكستان وإيران ليست في مأمن من التوتر بسبب هذا الملف. فبينما تحرص الحركة على إظهار التعاون مع البلدين، فإنها ترى في عمليات الطرد الجماعي نوعًا من الضغط السياسي قد يستخدم كورقة تفاوضية في ملفات أخرى، مثل مكافحة الإرهاب أو قضايا المياه والحدود. تصريحات باكستان المتكررة حول "الملاذات الآمنة للإرهابيين" في أفغانستان تزيد من حدة التوتر، في حين تواصل طهران ربط ملف اللاجئين بأزماتها الأمنية الداخلية. وبذلك، فإن خطر انزلاق العلاقات إلى توتر مفتوح يظل قائمًا، خصوصًا إذا لم تُظهر طالبان استعدادًا عمليًا لمعالجة الهواجس الأمنية لجيرانها.

في هذا السياق، فإن المساعدات الإنسانية التي تعلنها باكستان أو التصريحات الرسمية من الجانبين عن "الاحترام المتبادل" لا تخفي حقيقة أن ملف اللاجئين تحول إلى ورقة ضغط مركبة، وإذا لم تنجح طالبان في تقديم حلول واقعية لاحتواء العائدين وتخفيف آثار الأزمة، فإنها قد تجد نفسها في مواجهة مزدوجة: تصاعد الاحتقان الداخلي من جهة، وتراجع الثقة الإقليمية والدولية من جهة أخرى.



شارك