الإرهاب في الساحل الإفريقي.. أزمة أمنية ممتدة وتداعيات عابرة للقارات

الثلاثاء 09/سبتمبر/2025 - 11:39 ص
طباعة الإرهاب الإرهاب محمود البتاكوشي
 
في السنوات الأخيرة، تحولت منطقة الساحل الإفريقي إلى واحدة من أكثر البؤر اضطرابًا في العالم، حيث باتت تشكل مركزًا رئيسيًا لنشاط الجماعات الجهادية المسلحة، وعلى رأسها تنظيما "القاعدة" و"داعش".  
هذه الجماعات لم تعد مجرد كيانات متفرقة تنفذ هجمات متقطعة، بل تطورت إلى هياكل قتالية منظمة، تتحكم في مساحات شاسعة من الأراضي، وتفرض نمطًا خاصًا من الحكم في المناطق التي تخرج تباعًا من تحت سيطرة الدول الوطنية.
أزمة الساحل لا يمكن اختزالها في بعدها الأمني فقط، بل تمثل تعبيرًا عن فشل الدولة ومؤسساتها، في ظل ضعف الحكومات المحلية، وغياب التنمية، وتفشي الفساد، وانهيار الثقة بين السكان والسلطات. 
هذا الفراغ السياسي والإداري وفر بيئة مثالية لتمدد الحركات الجهادية، التي تستثمر في حالة الانهيار العام لتقدم نفسها كبديل لـ "العدالة"، مستندة إلى خطاب ديني راديكالي وممارسات عنف ممنهجة.
ووفقًا لتقديرات صادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية الإفريقية ونقلتها صحيفة "لاغسيتا" الإسبانية، بلغت مساحة الأراضي الخارجة عن السيطرة الحكومية في منطقة الساحل – خصوصًا في مالي وبوركينا فاسو والنيجر – نحو 950 ألف كيلومتر مربع بحلول نهاية عام 2024، وهي مساحة توازي تقريبًا حجم تنزانيا أو تضاعف مساحة إسبانيا. 
هذا الرقم لا يعكس فقط التراجع الميداني للجيوش الوطنية، بل يعبر عن التحول الاستراتيجي في ميزان القوى لصالح الجماعات المتطرفة.
وفي بوركينا فاسو تحديدًا، يواجه المجلس العسكري الحاكم تحديات أمنية هائلة، حيث لا تتجاوز سيطرته الفعلية 40% من أراضي البلاد، وفق ما تشير إليه التقارير، ويعد هذا المؤشر دليلاً على عمق التغلغل الجهادي، واستحالة تحقيق أي استقرار دون استراتيجية إقليمية ودولية شاملة لمواجهة هذا الخطر المتصاعد.
من بين الجماعات الأكثر نشاطًا، تبرز جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وهي فرع تابع لتنظيم القاعدة يقوده إياد أغ غالي، الذي ينظر إليه على أنه أحد أبرز القادة الجهاديين في إفريقيا. 
هذه الجماعة لا تكتفي بالسيطرة الجغرافية، بل تنتهج تكتيكات حرب العصابات والهجمات الانتحارية والكمائن الدموية ضد القوات الحكومية والسكان المحليين؛ ما يجعل وجودها تهديدًا مركبًا يصعب احتواؤه بالحلول العسكرية وحدها.
وتعزز هذا المشهد القاتم دعوات تنظيم "داعش" الأخير لعناصره في إفريقيا بالتحرك نحو السواحل الأوروبية، مستغلًا مسارات الهجرة غير الشرعية كقناة للتسلل وتنفيذ عمليات إرهابية داخل أوروبا، هذا التوجه ليس جديدًا من حيث الفكرة، لكنه يكتسب الآن أبعادًا أكثر خطورة، خاصة مع ازدياد تدفق المهاجرين من دول الساحل نحو البحر المتوسط، ما يعقد جهود الأمن الأوروبي في التمييز بين الضحايا الحقيقيين للنزاع وبين العناصر المتطرفة المتخفية.
في هذا السياق، أطلقت الأجهزة الأمنية الأوروبية تحذيرات متكررة بضرورة تعزيز آليات المراقبة والرصد الاستخباراتي على مسارات الهجرة، خصوصًا تلك القادمة من الساحل وغرب إفريقيا. 
ويرى الخبراء الأمنيون أن الإجراءات الوقائية – كاعتراض الشبكات اللوجستية، وتعقب خطوط التمويل، وتفكيك الخلايا النائمة قبل وصولها إلى الأراضي الأوروبية – باتت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، في ظل التحولات المتسارعة على الأرض.
لكن التحدي لا يقف عند البعد الأمني. فالوضع في الساحل يمثل أزمة مركبة، تتقاطع فيها أبعاد العنف والتهميش والفقر والضعف المؤسسي، بما يعني أن الحل لن يكون عسكريًا فقط، بل يتطلب كذلك إستراتيجية تنموية شاملة، تشمل إعادة بناء المؤسسات المحلية، ودعم التعليم، وتحسين الخدمات العامة، مع تحفيز الإدماج السياسي للمجتمعات المهمشة.
في المجمل، فإن ما يجري في منطقة الساحل الإفريقي لا يشكل تهديدًا محليًا فحسب، بل يمثل خطرًا إقليميًا ودوليًا يتجاوز حدود القارة، فكل شبر تفقده الدول لصالح التنظيمات الجهادية هو خطوة إضافية نحو تفريخ الإرهاب العابر للقارات. وإذا لم تتحرك الدول الكبرى، خاصة في أوروبا، بدعم مقاربة شاملة تتجاوز الحلول الأمنية، فإن الساحل لن يظل بؤرة مشتعلة في إفريقيا فقط، بل يغدو امتدادًا مباشرًا لتهديد دائم داخل العمق الأوروبي نفسه.

شارك