بوابة بلا حراسة؟.. تأشيرات بوركينا فاسو المجانية تفتح أبواب الساحل الإفريقي للإرهاب

الثلاثاء 16/سبتمبر/2025 - 10:41 ص
طباعة بوركينا فاسو بوركينا فاسو محمود البتاكوشي
 
في خطوة تحمل دلالات رمزية واستراتيجية متشابكة، أعلنت بوركينا فاسو إعفاء مواطني الدول الأفريقية من رسوم تأشيرة الدخول، في مسعى واضح لإعادة صياغة تموضعها القاري والانخراط في رؤية وحدوية تنسجم مع خطاب الرئيس الانتقالي إبراهيم تراوري، الذي يضع التكامل الأفريقي في قلب مشروعه السياسي.
القرار الذي جاء في وقت بالغ الحساسية من تاريخ البلاد، لا يمثل مجرد تعديل إداري، بل إشارة سياسية إلى أن بوركينا تسعى للتحرر من الهيمنة الغربية والعودة إلى الفضاء الأفريقي كخيار جيوسياسي وأمني بديل، فمع تراجع ثقة المجتمع الدولي، واستمرار الهجمات الإرهابية، بات من الضروري توسيع حلفاء الداخل بدلاً من الارتهان للخارج.

تحولات سياسية

التحول في سياسة التأشيرات يندرج ضمن سياسة أكثر استقلالية تتبناها الحكومة الانتقالية منذ وصول المجلس العسكري إلى السلطة، في سياق تشهده البلاد بتوترات أمنية مستمرة في الشمال والشرق، أراد النظام الجديد أن يقدم صورة مغايرة: دولة لا تعيش على الهواجس الأمنية فقط، بل تنفتح على جيرانها في إطار "تضامن قاري".
غير أن هذا الانفتاح ليس بلا حساب فالإعفاء من الرسوم لا يعني إلغاء التأشيرة تمامًا، بل يبقى مشروطًا بالحصول على موافقة أمنية إلكترونية مسبقة، في محاولة لتقديم تنازل رمزي دون التفريط الكامل في أدوات المراقبة.

أبعاد القرار الاستراتيجية 
أوضح الوزير محمدو سانا أن هذه الخطوة تهدف إلى جذب السياحة وتعزيز الثقافة البوركينابية، لكن المتابعين للشأن الإقليمي يدركون أن الأهم يكمن في البعد الأمني: تحسين التنسيق الاستخباراتي، تقليص العزلة، واستباق الفجوات الحدودية التي تستغلها الجماعات المسلحة.
يرى الخبراء أن الإجراء لا يهدف فقط لتسهيل التنقل، بل لتخفيف الاحتقان الحدودي، وتحفيز التعاون في المراقبة وتبادل المعلومات، في ظل المعاناة المستمرة من العنف المتطرف، فإن الانفتاح المشروط قد يعزز شرعية الدولة داخل مناطق تعاني من شعور بالخذلان والتهميش.

مخاوف وتحديات
رغم الوعود، يثير القرار مخاوف أمنية مشروعة. ففتح المجال أمام حركة غير مُقيّدة نسبيًا قد يستغل من شبكات الإرهاب والتهريب ما لم يرافق بآليات تحقق إلكتروني واستخباراتي صارم، هذا ما أشار إليه غاربا بوضوح: "أي فجوة في التحقق أو غياب تنسيق إقليمي جاد قد يؤدي إلى استغلال هذا الانفتاح في تمرير التهديدات".
وشدد الخبراء على ضرورة ألا تظل هذه الخطوة ضمن خانة "الإعلانات الرمزية"، فبدون منظومة أمنية متطورة تشمل تحسين المراقبة الحدودية، وتوسيع قدرات الشرطة، وتكثيف تبادل المعلومات، قد تنقلب المبادرة على أهدافها.
ويأتي هذا القرار بعد انسحاب بوركينا فاسو من بعض الأطر التقليدية كـ"الإيكواس"، وانخراطها في تكتلات جديدة مثل تحالف دول الساحل، ما يعكس إعادة تموضع في المشهد الإقليمي ورغبة في كسر الحصار الدبلوماسي الذي فُرض على النظام العسكري منذ توليه السلطة.

توازن الانفتاح والأمن

بين السياسة والدبلوماسية من جهة، والضرورات الأمنية من جهة أخرى، تقف بوركينا فاسو أمام اختبار دقيق، نجاح هذه المبادرة مشروط بتوظيفها داخل استراتيجية أمنية شاملة تتجاوز الشعارات، وتستثمر في البنية الأمنية، وتخلق تحالفات استخباراتية فعالة داخل القارة.
ويعد قرار إلغاء رسوم التأشيرات خطوة سياسية تتجاوز حدود بوركينا فاسو، وتحمل في طياتها طموحًا لبناء "بيت أفريقي مشترك"، لكنها في الآن ذاته تتطلب يقظة أمنية دائمة حتى لا تتحول إلى بوابة جديدة للتهديدات العابرة للحدود.

شارك