كتاب جديد يسلّط الضوء على الإدارة الذاتية: محاولة لفهم سوريا خارج مركزية دمشق
الثلاثاء 16/سبتمبر/2025 - 03:18 م
طباعة


في وقت لا تزال فيه سوريا تعاني من تبعات الحرب والانقسام السياسي والمجتمعي، صدر مؤخرا عن دار نشر في القاهرة كتاب جديد يرصد تجربة "الإدارة الذاتية الديمقراطية" في شمال وشرق سوريا، ويحلل أبعادها السياسية والاجتماعية والإدارية كبديل عن الدولة المركزية السورية.
الكتاب، الذي حمل عنوان "الإدارة الذاتية: مشروع وطني من رحم الأزمة" من تأليف ليلى موسى، ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية في القاهرة، يعد من الإصدارات النادرة التي تقدم قراءة شاملة من الداخل لهذه التجربة الناشئة التي أثارت اهتماما واسعا وجدلا مستمرا على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
الإدارة الذاتية.. ضرورة أم خيار فكري؟
يشير الكتاب إلى أن تجربة "الإدارة الذاتية" لم تكن مشروعا مستوردا أو قرارا سياسيا مفروضا من الأعلى، بل جاءت استجابة لفراغ أمني وسياسي خلفه انهيار مؤسسات الدولة في مناطق واسعة من سوريا منذ 2011. في هذا السياق، اختارت مكونات شمال وشرق سوريا مسارا مختلفا عن بقية المناطق، تمثل في بناء نموذج إداري محلي قائم على التمثيل المجتمعي، واللامركزية، وحماية النسيج الاجتماعي.
وتسلط المؤلفة الضوء على أن هذا النموذج استند إلى فلسفة "الأمة الديمقراطية"، وهي رؤية سياسية وفكرية تركز على المواطنة المتساوية، العدالة الاجتماعية، ومشاركة النساء والشباب في صنع القرار، بعيدا عن النزعة القومية أو السلطوية.
نقد للنموذج المركزي في دمشق
الكتاب لا يكتفي بتوثيق التجربة، بل يقدم أيضا مقارنة نقدية حادة مع نموذج الدولة المركزية في دمشق، والذي وصفته الكاتبة بأنه فشل في إدارة التنوع السوري، وقاد إلى تهميش مكونات أساسية من المجتمع. وعلى النقيض، تعمد الإدارة الذاتية إلى تقاسم السلطة محليا، وتشجيع المشاركة الشعبية من خلال مجالس منتخبة.
المرأة في قلب المشروع
تولي المؤلفة أهمية خاصة لدور المرأة، مشيرة إلى أن مشاركة النساء في الإدارة الذاتية ليست رمزية أو شكلية، بل هي جزء أساسي من فلسفة المشروع. فالنساء يتولين مناصب قيادية، ويشاركن في صياغة السياسات العامة، بل وحتى في قيادة القوات العسكرية، وهو ما يعد استثناء واضحا في السياق السياسي والاجتماعي للمنطقة.
ورغم الضغوط الدولية، والعقبات الاقتصادية، والاستهداف السياسي والعسكري، ترى المؤلفة أن تجربة الإدارة الذاتية لا تزال صامدة، وقادرة على تقديم نموذج حي لإدارة مجتمعات ما بعد النزاع. وتعتبرها واحدة من أكثر المبادرات الواقعية والعملية التي يمكن أن تساهم في بناء سوريا جديدة، متحررة من مركزية السلطة والإقصاء.
أبعاد إقليمية ودولية
تختتم ليلى موسى كتابها بالتأكيد على أن تجربة الإدارة الذاتية لا تقتصر على السياق السوري، بل قد تكون ملهمة لدول ومجتمعات أخرى في المنطقة، تعاني من أزمات مماثلة تتعلق بالهوية، والتعددية، والعدالة الاجتماعية. وفي هذا الإطار، يعد الكتاب مساهمة فكرية وسياسية تسعى لتوسيع النقاش حول مستقبل الحكم في المجتمعات المتعددة الأعراق والطوائف.
مرجع للباحثين وصناع القرار
يجمع الكتاب بين الرصد الميداني، والتحليل السياسي، والرؤية الفكرية، ما يجعله مرجعا مهما للباحثين والمهتمين بالشأن السوري، ولكل من يسعى لفهم إمكانيات هذا النموذج وحدوده، خاصة في ظل مسارات التفاوض السياسي المتعثرة حول مستقبل سوريا.