تحولات أمنية في غرب الساحل.. ملامح توسع الإرهاب وحدود الصمود الإقليمي
الأربعاء 17/سبتمبر/2025 - 11:41 ص
طباعة

تشهد مالي تطورات ميدانية متسارعة منذ انسحاب مجموعة "فاغنر" الروسية واستبدالها بـ"الفيلق الإفريقي"، في خطوة كانت تهدف إلى تأكيد قدرة موسكو على دعم الاستقرار، لكنها فشلت في تحقيق نتائج ملموسة، بل أظهرت عجزًا واضحًا عن احتواء التمدد الإرهابي فبدلاً من الانكماش، اتسعت رقعة نشاط الجماعات المسلحة، وشنت "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لتنظيم القاعدة هجومًا منسقًا في يوليو 2025 على سبع بلدات غرب مالي، لتفتح فصلا جديدًا من تصدير العنف نحو مناطق أكثر استقرارًا مثل السنغال وموريتانيا.
ومع أن مثلث "ليبتاكو-غورما" ظل لعقد كامل مركزًا لثقل الإرهاب في الساحل، فإن تغير مسارات العنف نحو المثلث الحدودي بين مالي والسنغال وموريتانيا ينبئ بإعادة رسم جغرافيا الخطر هذه المنطقة التي كانت حتى وقت قريب خارج نطاق الاستهداف، بدأت تشهد انهيارًا تدريجيًا في خطوط الدفاع الطبيعي، بسبب ضعف الرقابة الحكومية وتداخل المصالح القبلية والاقتصادية العابرة للحدود، إضافة إلى سهولة استخدام الممرات التجارية غير النظامية كقنوات تهريب وتحركات إرهابية.
لا يهدد التحول الجغرافي في خارطة الإرهاب الأمن الوطني لمالي وحدها، بل ينعكس على الأمن الإقليمي الأشمل، حيث يشكل تهديدًا مباشرًا لاستقرار السنغال وموريتانيا، وسط مخاوف من اندماج التنظيمات المسلحة في شبكات تهريب الأسلحة والمخدرات والهجرة غير النظامية، ما ينذر بتحول المنطقة إلى بؤرة صراع جديد غرب الساحل.
وتعاني الأنظمة العسكرية الحاكمة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو من عجز متزايد في كبح التمدد الإرهابي، رغم الدعم الروسي ويظهر هذا العجز في التراجع الأمني، والانقسامات داخل الجيوش، وفقدان الثقة الشعبية بسبب الانتهاكات ضد المدنيين هذا الواقع منح الجماعات المتطرفة فرصة لإعادة إنتاج نفسها كقوى بديلة توفر الحماية والخدمات في مناطق تغيب فيها الدولة، ما يضاعف من هشاشة الشرعية الحكومية.
ومن بين الثغرات الاستراتيجية التي قد تستغلها جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، تبرز هشاشة الحزام الحدودي الممتد من كيدوغو إلى تامباكوندا في شرق السنغال، والذي يعاني من ضعف التنمية وغياب الوعي الجماهيري بخطورة الجماعات الإرهابية كما تشكل مناطق نهر فالييم والصحراء الموريتانية بيئة خصبة لانتشار الجماعة عبر التهريب والاختراق الديني والاجتماعي.
تفكك مالي
وتسعى الجماعة لتوسيع شبكاتها في هذه المناطق مستفيدة من تفكك الدولة المالية، واستقطاب المجتمعات المهمشة عبر خطاب دعوي يسوقها كبديل منصف للسلطة هذا النموذج يعكس المنهج الذي تبنته القاعدة في الساحل: الإنهاك، ثم الاختراق، ثم التحكم.
حادثة اغتيال "ثيرنو هادي تال" في ديسمبر 2024، خليفة الطريقة التيجانية، مثلت تحولًا نوعيًا في استراتيجية الجماعة فاستهداف رموز دينية، بعد فترات من تجنب الصدام مع الزعامات التقليدية، يشير إلى سعي الجماعة لفرض مرجعية دينية موازية تعزز مكانتها الرمزية والسياسية.
ورغم هذا التمدد، حافظت السنغال على مناعة نسبية بفضل عوامل داخلية، أبرزها التماسك الاجتماعي، والاعتدال الديني، وفعالية الجيش السنغالي ذي الخبرة الواسعة واتبعت الحكومة إجراءات أمنية استباقية، مثل فرض حظر ليلي على استخدام الدراجات النارية في المناطق الشرقية، ونشر قوات أمنية خاصة في ثلاث مناطق حدودية، بالتوازي مع تعزيز التنسيق مع مالي من خلال دوريات مشتركة.
استراتيجية مزدوجة
كما اعتمدت موريتانيا، استراتيجية مزدوجة تقوم على الانتشار العسكري والتعبئة الدينية والتنموية واستفادت من دعم أوروبي وأمريكي لتقوية حدودها وتطوير قدرات الردع، مع إشراك العلماء والزعامات الصوفية في حملات لمكافحة الفكر المتطرف وساعدت هذه المقاربة الشاملة في منع أي اختراق أمني منذ أكثر من عقد.
على الصعيد الدولي، يبرز تفاوت في أدوار القوى الكبرى ففرنسا تحاول التكيف مع انسحابها من مالي بإعادة التموضع في دول خليج غينيا، بينما تعتمد الولايات المتحدة – في ظل عودة ترامب – نهجًا قائمًا على مقايضة دعم الأنظمة العسكرية بامتيازات في قطاع التعدين ووسط هذا التراجع للنفوذ التقليدي، صعد دور المغرب وموريتانيا كلاعبين إقليميين في احتواء التهديدات.