طوارق مالي يتبنون التكتيكات الأوكرانية في مواجهة قوات الجيش
الجمعة 10/أكتوبر/2025 - 09:19 ص
طباعة

في تصعيد لافت لنوعيات الصراع غير التقليدي في منطقة الساحل، بدأ متمردو الطوارق في مالي باستخدام تكتيكات قتالية متطورة مستوحاة من الخبرات الأوكرانية، في مواجهة قوات الجيش المالي والمرتزقة الروس المنتشرين في الشمال.
ويأتي ذلك في سياق معقد تشهده المنطقة، حيث يتقاطع النزاع الانفصالي مع الحرب على الجماعات الإرهابية والتحالفات الجيوسياسية الدولية.
تكتيكات غير تقليدية
من أبرز التحولات في ميدان المعركة اعتماد جبهة تحرير أزواد وهي تحالف انفصالي يغلب عليه الطابع الطوارقي على تكنولوجيا الطائرات المسيرة المفخخة التي توجه عبر نظارات الواقع الافتراضي، وتستخدم لاستهداف قوافل عسكرية ومواقع تضم مرتزقة روس من "فيلق أفريقيا"، وهو التشكيل الذي ورث نفوذ مجموعة فاغنر ويتبع مباشرة لوزارة الدفاع الروسية.
اللافت أن هذه الطائرات، المعروفة باسم "FPV"، تستخدم بأسلوب يعكس تدريبًا احترافيًا وقد أقر المتحدث باسم المتمردين بأن بعض عناصر الجبهة تلقوا تدريبات متقدمة في أوكرانيا على هذه الأنظمة، قبل أن ينقلوا خبراتهم إلى ساحة المعركة. وتشير هذه المعطيات إلى تحول نوعي في الأداء العملياتي للجبهة، لا يعتمد فقط على السلاح، بل على المعرفة التكنولوجية والتنظيمية.
ولم تقتصر الأساليب المستوردة من أوكرانيا على المسيرات، بل شملت أيضًا أدوات تمويه وخداع بصري متطورة، منها مجسمات مطاطية قابلة للنفخ تستخدم لمحاكاة شاحنات ومركبات عسكرية، وقد عرضت السلطات المالية في يوليو الماضي نماذج من هذه المجسمات بعد ضبطها، في محاولة لتسليط الضوء على الدعم الخارجي المفترض الذي يتلقاه المتمردون.
تحولات في ميزان القوى ومخاوف متزايدة
يشير مراقبون إلى أن هذه الأساليب، رغم بساطتها التقنية مقارنة بالطائرات التركية المتطورة التي يستخدمها الجيش المالي وحلفاؤه الروس، أعادت نوعًا من التوازن إلى ساحة المعركة، عبر تقويض قدرة الدولة على فرض سيطرتها الكاملة على الشمال، وانعكس هذا جزئيًا في الهجوم الذي استهدف مدينة تينزاواتين، وأسفر عن مقتل جنود ماليين ومرتزقة روس.
كما أعلنت الجبهة في فبراير الماضي عن إسقاط مروحية عسكرية بواسطة مسيرة، في حين أنكرت السلطات ذلك، معتبرة الحادثة مجرد اعتراض لطائرة مفخخة.
مقاومة التهميش
تاريخيًا، تسعى الحركات الطوارقية إلى إقامة كيان مستقل في إقليم أزواد شمال مالي، وهي منطقة تعاني من التهميش التنموي والسياسي.
وتأسست "جبهة تحرير أزواد" في نوفمبر 2024 كامتداد لتاريخ طويل من التمردات الطوارقية، لكن في سياق أكثر تعقيدًا هذه المرة، حيث تختلط الأهداف القومية بالمناورات الجيوسياسية.
وفي هذا الإطار، نفت الجبهة مرارًا حصولها على دعم عسكري مباشر من أوكرانيا، لكنها لم تنف تبادل الخبرات أو التدريب، ويصر المتحدث باسمها على أن "قوة الجبهة لا تكمن في السلاح بل في التصميم والقدرة على التنظيم الذاتي"، في محاولة لنفي الصورة التي تحاول باماكو رسمها عن علاقة بين الجبهة و"رعاة إرهاب" دوليين.
السياق الإقليمي والدولي
من جهة أخرى، تتهم الحكومات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر – وهي كيانات متحالفة سياسيًا وأمنيًا مع روسيا – أوكرانيا بتغذية النزاع في الساحل كامتداد لحربها ضد موسكو، متهمة كييف بتقديم مسيرات انتحارية للجماعات المتمردة والإرهابية على حد سواء.
وفي كلمته أمام الأمم المتحدة، ربط رئيس الوزراء المالي عبدالله مايغا بين النزاعين قائلاً إن "الحرب في أوكرانيا والإرهاب في الساحل وجهان لعملة واحدة"، في تلميح إلى تحول بعض ساحات النزاع الإفريقية إلى امتدادات للحروب الكبرى، وتحديدًا تلك التي تخوضها روسيا على جبهات متعددة.
تداخل المتمردين مع الجماعات الإرهابية
رغم الاختلافات الأيديولوجية بين متمردي الطوارق والجماعات الجهادية، إلا أن تقارير تشير إلى حالات تعاون ميداني مؤقت، خاصة مع "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبطة بالقاعدة.
وتستخدم هذه الجماعة هي الأخرى المسيرات المفخخة، في نمط متكرر من تبادل التكتيكات بين أطراف مختلفة توحدها أحيانًا أهداف ظرفية ضد عدو مشترك، قبل أن تعود لتتنافس لاحقًا على النفوذ.