ترحيب مشروط بوقف إطلاق النار في غزة... الحوثي "سنراقب بدقة ولن نتراجع عن الجاهزية"

الجمعة 10/أكتوبر/2025 - 12:11 م
طباعة ترحيب مشروط بوقف فاطمة عبدالغني
 
يشهد المشهد الإقليمي في الشرق الأوسط تحولاً مهماً بعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل، والذي جاء بعد شهور طويلة من الحرب الدامية على قطاع غزة، وفي خضم هذه التطورات، برز موقف جماعة الحوثي في اليمن، التي سارعت إلى الترحيب بالاتفاق، مع تأكيدها في الوقت ذاته على استمرار حالة "الجاهزية والاستعداد" ومراقبة مدى التزام إسرائيل ببنود الاتفاق. 
ويعكس هذا الموقف بوضوح البعد الأيديولوجي والسياسي الذي تنتهجه الجماعة في ربط نفسها بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، ومحاولة تقديم ذاتها كطرف فاعل في محور المقاومة الإقليمي بقيادة إيران، رغم أنها لا تمتلك تأثيراً مباشراً في مسار الصراع على الأرض.
فقد رحبت جماعة الحوثي، الخميس، بالاتفاق الذي تم الإعلان عنه بين حركة حماس وإسرائيل، معتبرة أنه خطوة في الاتجاه الصحيح "إذا ما حافظ على ثوابت القضية الفلسطينية وصان حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة". 
وقال محمد الفرح، عضو المكتب السياسي للحوثيين، في تصريح لوكالة "سبأ" التابعة للجماعة، إن الشعب اليمني "يتابع باهتمام بالغ ما أُعلن مؤخرًا من اتفاق بين المجاهدين الفلسطينيين والعدو الإسرائيلي بشأن الأوضاع الإنسانية والسياسية والأمنية في غزة، ويدعم كل جهد يهدف إلى تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني ووقف العدوان وكسر الحصار وضمان الإفراج عن الأسرى". وأكد أن "العدو الإسرائيلي هو الطرف المعتدي والمتحمل كامل المسؤولية عن الجرائم بحق الشعب الفلسطيني"، مشدداً على أن "أي اتفاق لا بد أن يؤدي إلى وقف شامل للعدوان ورفع الحصار وتحقيق تطلعات الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس".
وختم الفرح تصريحه قائلاً إن الجماعة "ترحب بهذا التطور وتأمل أن يُسهم في تعزيز وحدة الصف الفلسطيني وتثبيت صمود المقاومة وفتح آفاق سياسية وإنسانية تحفظ كرامة الشعب الفلسطيني وتخدم قضيته العادلة".
وبالتزامن أعلن زعيم جماعة الحوثي عبد الملك الحوثي، أن جماعته ستتابع عن كثب تطبيق الاتفاق قبل أن توقف عملياتها ضد إسرائيل، قائلاً: "سنبقى في حالة انتباه وجاهزية تامة ورصد كامل بدقة وعناية لمرحلة التنفيذ لهذا الاتفاق. هل سيفضي هذا الاتفاق فعلاً إلى إنهاء العدوان على قطاع غزة؟ هذا كان هدفنا أصلاً من الإسناد"، وأضاف أن جماعته "ستظل في أعلى درجات الحذر والجهوزية وستحافظ على الزخم الهائل الذي حققته في المواجهة"، في إشارة إلى الهجمات التي نفذتها الجماعة ضد أهداف إسرائيلية في الأشهر الماضية.
ومنذ اندلاع الحرب في غزة في السابع من أكتوبر 2023، نفذت جماعة الحوثي عشرات العمليات العسكرية باستخدام صواريخ بالستية وطائرات مسيّرة باتجاه إسرائيل، حيث أعلنت الأخيرة بشكل متكرر اعتراض تلك الهجمات، كما شنت الجماعة هجمات بحرية على سفن تجارية في البحر الأحمر تقول إنها "مرتبطة بإسرائيل"، معتبرة أن عملياتها تأتي "إسناداً لغزة ومقاومتها". 
ورداً على ذلك، نفذت إسرائيل عدة ضربات جوية وصاروخية استهدفت مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين، شملت موانئ ومواقع للطاقة ومطار صنعاء الدولي.
وفي أحدث تطور للهجمات الحوثية على إسرائيل، دوت صفارات الإنذار في جنوب إسرائيل مساء الأربعاء بعد إطلاق طائرة مسيّرة من اليمن، هي الثانية خلال أقل من ساعة، وقال الجيش الإسرائيلي في بيان نشره على منصة "إكس" إن "سلاح الجو اعترض طائرة مسيرة أطلقت من اليمن، وتم تفعيل صفارات الإنذار في مناطق مفتوحة". 
وأضافت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أن الطائرة جرى اعتراضها "في منطقة الحدود مع مصر"، مشيرة إلى أن هذه هي الثانية خلال ساعة واحدة، بعد أن أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض طائرة أخرى في المنطقة ذاتها، كما كشف الجيش الإسرائيلي قبل ذلك بيومين عن اعتراض أربع طائرات مسيرة أُطلقت من اليمن باتجاه مدينة إيلات الجنوبية، مؤكداً أنه تمكن من إسقاطها جميعاً.
ويأتي هذا التزامن بين الترحيب الحوثي بالاتفاق وبين استمرار الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة ليعكس ازدواجية الموقف داخل الجماعة بين الخطاب السياسي الهادئ الظاهري، والسلوك العسكري التصعيدي المستمر، فبينما تحاول الجماعة الظهور بمظهر "الفاعل الإقليمي المسؤول" الداعم للقضية الفلسطينية، فإنها في الواقع تستغل الصراع في غزة لتبرير هجماتها على الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وتوسيع نفوذها الإقليمي تحت مظلة "نصرة فلسطين".
ويرى مراقبون أن الموقف الحوثي من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ليس مجرد تضامن سياسي، بل يدخل ضمن استراتيجية أوسع تتبناها الجماعة لإثبات حضورها في معادلة "محور المقاومة" الذي تقوده طهران، فترحيبها بالاتفاق مقرون بتحفظ مشروط يشير إلى أنها تسعى لربط وقف هجماتها ضد إسرائيل بمدى تحقيق الاتفاق لأهدافها الأيديولوجية، لا بوقف الحرب نفسه، كما أن تصريحات عبد الملك الحوثي تكشف رغبة الجماعة في الاحتفاظ بخياراتها العسكرية مفتوحة كورقة ضغط إقليمية، بالتنسيق غير المعلن مع إيران وحزب الله، بهدف تعزيز أوراقهم التفاوضية في أي تسوية مستقبلية.
ويشير المراقبون كذلك إلى أن استمرار إطلاق المسيّرات والصواريخ من اليمن رغم الترحيب العلني بالاتفاق، يعكس التناقض بين خطاب الجماعة السياسي ومسارها العسكري الفعلي، ويؤكد أنها تستخدم شعار "الدفاع عن فلسطين" كغطاء لتبرير أعمال عدائية تهدد الأمن الإقليمي والملاحة الدولية. ويرى البعض أن هذا النهج يسهم في تعقيد المشهد الإقليمي، إذ تحاول الجماعة توظيف الحرب في غزة لتثبيت مكانتها كلاعب مؤثر في المنطقة، في وقت تواجه فيه عزلة دولية متزايدة بسبب تصنيفها منظمة إرهابية من قبل عدد من الدول.
وفي ضوء ذلك، يتفق المراقبون على أن الموقف الحوثي الأخير يحمل طابعاً سياسياً مزدوجاً، فهو من جهة يسعى لاستثمار الهدنة في غزة لتلميع صورة الجماعة كمدافع عن “الحقوق الفلسطينية”، ومن جهة أخرى يهدف إلى إبقاء جبهتها العسكرية مفتوحة لتأكيد ولائها لمحور طهران ومواصلة الضغط على إسرائيل والغرب، ويرى المراقبون أن استمرار هذا النهج سيفاقم التوتر في البحر الأحمر ويطيل أمد عدم الاستقرار الإقليمي، خاصة مع تمسك الجماعة بخطاب "المقاومة" في الوقت الذي تمارس فيه أعمالاً عسكرية تهدد التجارة العالمية والأمن الدولي، مما يجعل موقفها أقرب إلى المناورة السياسية منه إلى الالتزام الفعلي بتهدئة الصراع في المنطقة.

شارك