مشروع "مسام".. معركة إنسانية كبرى لانتزاع أدوات القتل الحوثية
السبت 18/أكتوبر/2025 - 12:57 م
طباعة

في ظل البيئة الإنسانية الهشة التي يعيشها المدنيون في عدد من المحافظات اليمنية، تبرز جهود مشروع "مسام" كأحد أهم خطوط الدفاع المتبقية في مواجهة الخطر الصامت الذي خلفته ميليشيا الحوثي عبر زرع الألغام والعبوات الناسفة في الأراضي الزراعية والمناطق السكنية ومسارات الرعي، ما أدى إلى شلل شبه كامل في الأنشطة الحياتية وتشريد آلاف السكان، وتهديد مصادر رزقهم اليومية، وقد تحوّل نزع الألغام من مجرد عمل تقني إلى مهمة إنسانية وأمنية استراتيجية، تهدف إلى إعادة الحياة الطبيعية لمناطق كانت تقف على حافة الموت.
ففي محافظة حجة، أعلن الفريق 38 "مسام" تلقيه بلاغاً من أحد المزارعين في مديرية ميدي يفيد بالعثور على حقل ألغام مضادة للدبابات قرب قرية مأهولة بالسكان، وعلى الفور تحرك الفريق وقام بتصنيف الموقع كمنطقة خطرة مع توجيه الأهالي بالابتعاد حفاظاً على سلامتهم، ما يعكس حجم الوعي المتزايد لدى السكان، وأهمية التنسيق المجتمعي في مواجهة هذا التهديد.
وفي مديرية ذوباب بمحافظة تعز، تمكن الفريق 17 من تأمين منطقة رعي واسعة بعد نزع لغمين مضادين للدبابات وتطهير حقلين بمساحة تُقدّر بـ35 ألف متر مربع، وهي منطقة لطالما مثلت خطراً متكرراً على الرعاة ومواشيهم نتيجة كثافة الألغام التي زرعتها الميليشيا، وقد أكد قائد الفريق حسان الجهوري أن السيول كثيراً ما تكشف ألغاماً جديدة، ما يعني استمرار الخطر رغم جهود التطهير، بينما عبّر الأهالي عن تطلعهم لاستكمال العمليات حفاظاً على أرواحهم ومصادر دخلهم.
وفي شبوة، نفذ "مسام" عملية إتلاف 315 لغماً وذخيرة غير منفجرة في مديرية عسيلان بحضور مدير البرنامج الوطني للتعامل مع الألغام العميد الركن أمين العقيلي، الذي أوضح أن كثيراً من هذه الألغام مصنّعة محلياً بطريقة تجعلها أكثر خطورة وصعوبة في التفكيك، ما يؤكد تعمّد الميليشيا توسيع دائرة التهديد ضد المدنيين.
كما شهدت ميدي زيارة ميدانية لأركان حرب المنطقة العسكرية الخامسة العميد الركن عبده سليمان، الذي أشاد بجهود "مسام" ودوره الحيوي في حماية السكان وفتح الطرقات وتأمين حركة النازحين والعائدين، إلى جانب مجهودات الفرق الأخرى التي تواصل عمليات انتزاع الألغام المضادة للدبابات وتفكيكها كما فعل الفريق 37 الذي تمكن من إزالة 13 لغماً خلال مهمته شرق بريد ميدي.
وبالتوازي مع العمليات الميدانية اليومية، وثّقت غرفة عمليات "مسام" تطهير مساحات واسعة خلال الأسبوع الماضي بلغت 252 ألفاً و556 متراً مربعاً، إلى جانب نزع 1319 لغماً وذخيرة غير منفجرة.
ووفق الإحصاءات الرسمية، تمكن المشروع منذ انطلاقه في يونيو 2018 وحتى 3 أكتوبر الجاري من نزع أكثر من 517 ألف قطعة متفجرة، بينها 147 ألف لغم مضاد للدبابات و6911 لغماً مضاداً للأفراد، فيما تجاوزت المساحة المطهرة 71 مليون متر مربع.
كما نفذت فرق "مسام" عملية إضافية لإتلاف 3977 قطعة متفجرة في باب المندب مؤخراً، ضمن عملية نوعية هدفت لحماية الشريط الساحلي الحيوي للبلاد.
ويؤكد خبراء الميدان أن ما يقوم به مشروع "مسام" لم يعد مجرد نشاط هندسي، بل تحول إلى جدار حماية إنساني يعيد الأمان لأكثر المناطق تأثراً بالحرب، وتُظهر الإحصائيات حجم الكارثة التي خلفتها الألغام ليس فقط في عدد الضحايا، بل في شلل الحياة الاقتصادية والاجتماعية خصوصاً في المناطق الزراعية والرعوية التي تشكل مصدر رزق رئيسي للسكان.
ويرى المراقبون أن استمرار "مسام" في مهامه يمثل عاملاً حاسماً في استعادة الحياة المدنية، لكن حجم المساحات الملوثة واتساع انتشار الألغام يتطلبان دعماً دولياً إضافياً واستمرارية في التمويل والغطاء اللوجستي، فضلاً عن الالتزام بملاحقة المسؤولية القانونية للجهات التي زرعت تلك الألغام دون خرائط أو توثيق، في خرق فاضح لقوانين الحرب الإنسانية.
ويخلص المراقبون إلى أن حماية المدنيين لن تكتمل إلا بإجبار الميليشيا على وقف زراعة الألغام، ودعم المبادرات التي تعمل على تطهير الأرواح قبل الأرض.