البحر الأحمر بعد غزة: هل يتغير سلوك الحوثيين أم يدخل مرحلة ابتزاز إقليمي جديد؟
الأحد 19/أكتوبر/2025 - 12:58 م
طباعة

أصدر المجلس الأطلسي – وهو مركز أبحاث أمريكي متخصص في الشؤون الدولية – تقريرًا تحليلًا تناول فيه ما بعد وقف إطلاق النار في غزة، وتحديدًا ما الذي ينتظر الحوثيين، وما إذا كان توقفهم عن الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل يمثل تحولًا استراتيجيًا أم مجرد توقف تكتيكي مؤقت.
يرى التقرير أن إعلان حماس وإسرائيل وقف إطلاق النار بوساطة أمريكية يمثل محطة حساسة بالنسبة للحوثيين، لأن الجماعة استثمرت الحرب في غزة كي تقدم نفسها كلاعب إقليمي لا يقتصر فعله داخل اليمن، وبمجرد بدء التهدئة في القطاع، توقف الحوثيون عن هجماتهم، لكن التقرير يشدد على أن هذا التوقف ليس نابعًا من رغبة في خفض التصعيد، بل من إعادة حسابات ظرفية بانتظار مرحلة جديدة من الاشتباك.
بحسب التقرير، كان الحوثيون ينظرون إلى حرب غزة باعتبارها منصة سياسية وعسكرية لتعويض عجزهم الداخلي عن تقديم الخدمات وتحسين الوضع الاقتصادي في مناطق سيطرتهم، وعبر هذا الاستثمار استطاعت الجماعة أن ترفع خطاب "المقاومة" إلى مستوى يتجاوز الساحة اليمنية، وتقدم نفسها كقوة تحظى بشرعية إقليمية رمزية، رغم الأثمان الباهظة التي دفعها اليمنيون، سواء بسبب الردود العسكرية الإسرائيلية أو انهيار الاقتصاد.
ويشير التقرير إلى أن الجماعة تعتبر ما حققته خلال فترة الحرب مكسبًا سياسيًا لا تريد التفريط به، لذلك فإن وقف إطلاق النار لا يعني انتهاء هذا الدور، بل سيدفع الحوثيين إلى البحث عن صيغة بديلة تُمكّنهم من الحفاظ على حضورهم في المشهد الإقليمي. ومن هنا، يضع المجلس الأطلسي ثلاثة مسارات محتملة لتوجه الجماعة خلال المرحلة المقبلة:
1. العودة إلى الصراع الداخلي
قد تسعى الجماعة إلى إعادة تنشيط الجبهات داخل اليمن، ليس بالضرورة بهدف الحسم العسكري، بل من أجل خلق بيئة تفاوضية جديدة تسمح لها بابتزاز مكاسب اقتصادية، واستعادة الدعم المالي الذي وعدت به السعودية قبل حرب غزة في إطار التهدئة التي تجمدت لاحقًا، غير أن هذا المسار محفوف بالمخاطر، خاصة بعد تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، وهو ما أدى إلى تراجع الموارد وتخوف المنظمات من العمل داخل مناطق نفوذهم.
2. الضغط على الخليج عبر الابتزاز الأمني
يرى التقرير أن الحوثيين قد يعودون إلى سياسة استهداف البنية التحتية الحيوية في دول الخليج، كأداة لإجبار الرياض على العودة إلى طاولة الترتيبات الاقتصادية التي كانت قائمة قبل أكتوبر 2023، وقد ثبت سابقًا أن هذا الأسلوب حقق نتائج، لكن المناخ الإقليمي والدولي تغير، ما يجعل تكرار الابتزاز أقل سهولة من السابق.
3. استئناف التصعيد الإقليمي عبر البحر الأحمر أو ضد إسرائيل
وهو الاحتمال الأكثر ترجيحًا، لأن أهمية الحوثيين بالنسبة لإيران لا تكمن في دورهم المحلي، بل في كونهم أداة ضغط إقليمي منخفض التكلفة، ومع ازدياد الضغوط الدولية على طهران، قد تدفع الأخيرة الحوثيين إلى استئناف التصعيد المحدود من جديد، خصوصًا عبر البحر الأحمر الذي أصبح المساحة الأوفر تأثيرًا والأقل كلفة مقارنة بالحرب المباشرة.
ويشير المجلس إلى أن إسرائيل نفسها تعتبر أن مواجهة الحوثيين مؤجلة لا ملغاة، وأن تل أبيب قد تجد في لحظة لاحقة أن مزيدًا من الضغط العسكري ضروري "لرد الدين" على ما اعتبرته تهديدًا لأمنها خلال العامين الماضيين، وهذا يعني أن الحوثيين بالنسبة لإسرائيل يشبهون حزب الله في لبنان: تهديد قائم لا يمكن تركه يتوسع.
ويخلص التقرير إلى أن توقف الحوثيين الحالي لا يعكس رغبة سياسية في التهدئة، بل يعبّر عن إعادة تموضع واستنزاف مؤقت للقدرات، مع استمرار البحث عن نقطة إقليمية جديدة لاستئناف التصعيد، وربما في توقيت يتزامن مع تحولات أوسع تخص إيران وصراعها مع الولايات المتحدة وإسرائيل.