مار يوليان مراد… الأسقف الذي نجا من “داعش” يُكرَّم في الفاتيكان

الأحد 19/أكتوبر/2025 - 01:59 م
طباعة مار يوليان مراد… روبير الفارس
 
في لحظةٍ تفيض بالرمزية الروحية والإنسانية، وصل سيادة المطران مار يوليان مراد، رئيس أساقفة حمص وحماة والنبك وتوابعها للسريان الكاثوليك، إلى العاصمة الإيطالية روما لتسلّم جائزة القديس يوحنا بولس الثاني لعام 2025، التي تمنحها المؤسسة الفاتيكانية التي تحمل اسم البابا الراحل، تكريمًا لشهادته في الإيمان والشجاعة والرجاء
ويُقام الحفل الرسمي اليوم  في القصر الرسولي بالفاتيكان، حيث سيتسلّم المطران الجائزة من يد الكاردينال كورت كوخ، عميد دائرة تعزيز وحدة المسيحيين في الكرسي الرسولي.
الاسير 
تكريم المطران مراد يحمل معنى خاصًا في مسيرة رجلٍ عاش تجربة قاسية عام 2015 حين اختطفه مسلّحون من تنظيم "داعش" الإرهابي في سوريا.
خلال أشهر الأسر، تعرّض للتعذيب والتهديد بالقتل، وحاول الخاطفون إجباره على التخلي عن إيمانه. لكن المطران الشاب حينها تمسّك بثباته الروحي، فحوّل سجنه إلى زمن صلاة وصمود.
وروى لاحقًا أنه واجه محاولة إعدام صورية، قبل أن ينجو بمعجزة بمساعدة مجموعة من المسلمين المحليين الذين خاطروا بحياتهم لإنقاذه. تلك الحادثة، التي هزّت الضمير الكنسي والدولي، جعلت منه  رمز  للشهادة في زمن العنف.
الايمان في النار 
بيان لجنة التحكيم وصف المطران مراد بأنه “شاهدٌ للإيمان المصهور في نار الألم والمفعم بمحبة الله والإنسان”، مؤكدًا أن الجائزة تُمنح له تقديرًا لقدرته على تحويل تجربة الخطف والعذاب إلى رسالة رجاء ومصالحة في الشرق الأوسط.
فمنذ إطلاق سراحه، واصل مراد خدمته في المناطق المنكوبة بالحرب، يحمل رسالة السلام والوحدة بين المسيحيين والمسلمين، ويعمل على دعم العائلات المهجّرة وإعادة بناء الكنائس المدمّرة.

من رهبنة مار موسى إلى أسقفية حمص
المطران مراد من مواليد حلب عام 1968 نشأ في عائلة سريانية كاثوليكية، والتحق مبكرًا برهبنة دير مار موسى الحبشي الشهيرة بدعوتها إلى الحوار بين الأديان. سيم كاهنًا عام 1993، وخدم في سوريا والعراق وإيطاليا، قبل أن يعيّنه البابا فرنسيس عام *2023* رئيسًا لأساقفة حمص وحماة والنبك.

الفاتيكان يحتفي بالشاهد الحي

وخلال الحفل المنتظر غدًا، سيُلقي المطران مراد كلمة روحية بعنوان “شهادة الإيمان في وجه الألم” يتأمل فيها معنى الرجاء في عالمٍ تتكاثر فيه الحروب والاضطرابات.
ومن المقرر أن يحضر الحفل نخبة من الشخصيات الكنسية والدبلوماسية، بينهم الكاردينال جيمس مايكل هارڤي، والمفكر أندريا ريكاردي مؤسس جماعة سانت إيجيديو، إلى جانب ممثلي الكنيسة السريانية وسفراء لدى الكرسي الرسولي.
 تكريم يتجاوز الشخص إلى الرسالة

جائزة القديس يوحنا بولس الثاني، التي تأسست عام 1981، تُمنح للأشخاص الذين يجسّدون في حياتهم قيم البابا الراحل: كرامة الإنسان، والحوار، والإيمان العملي.
وبتكريم المطران مار يوليان مراد، لا يكرّم الفاتيكان شخصًا واحدًا فحسب، بل شهادة الكنيسة في المشرق، وصوت الذين واجهوا الموت بالإيمان، فصاروا شهودًا للرجاء وسط الركام.

إن تكريم المطران الذي خُطف على يد “داعش” ثم عاد ليبني الجسور لا الأسوار، يذكّر العالم بأن القداسة ليست غياب الألم، بل القدرة على تحويله إلى حبٍّ حيٍّ يخدم الجميع.

شارك