الإرهاب بوجه نسائي: المنظور الجندري في فهم الانتحاريات

الإثنين 20/أكتوبر/2025 - 04:53 م
طباعة الإرهاب بوجه نسائي: علي رجب
 
كشفت دراسة حديثة تحت عنوان " النساء كأسلحة: الانتحاريات والتهديدات الأمنية العابرة للحدود" صادرة عن مركز جورج تاون للدراسات الأمنية، عن دورتجنيد النساء في الجامعات الارهابيةـ ففي العقود الأخيرة، عمدت منظمات متطرفة، مثل بوكو حرام في نيجيريا، وداعش في الشرق الأوسط، ونمور التاميل في سريلانكا، إلى نشر النساء بشكل متزايد في بعض أكثر العمليات عنفا وتأثيرا. يكمن المنطق الواضح وراء هذه الاستراتيجية في أن النساء أكثر قدرة على التحايل على التدابير الأمنية. تستغل الجماعات الإرهابية الأعراف المجتمعية والتحيزات الجنسانية، لعلمها أن النساء غالبا ما يجذبن شكوكا أقل من قوات الأمن. لا يشكل هذا التوجه تحديا للأطر الأمنية فحسب، بل يثير أيضا معضلات أخلاقية عميقة حول الفاعلية والإكراه في التطرف العنيف.

المرأة في مشهد الإرهاب المتغير
شهدت العقود الأخيرة صعودا لافتا في استخدام النساء كمنفذات لهجمات انتحارية من قبل جماعات متطرفة مثل بوكو حرام في نيجيريا، وداعش في الشرق الأوسط، ونمور التاميل في سريلانكا. هذا التوجه يبرز تحولا استراتيجيا خطيرا، إذ تستغل هذه الجماعات الصور النمطية الجندرية والأعراف الاجتماعية التي تفترض أن النساء أقل ميلا للعنف، ما يمنحهن قدرة أكبر على التحايل على التدابير الأمنية.

يثير هذا الاستخدام المزدوج للنساء – كضحايا وكمنفذات – تساؤلات أخلاقية وأمنية معقدة، تضع السياسات التقليدية لمكافحة الإرهاب أمام تحديات غير مسبوقة.

الإرهاب الانتحاري: أداة نفسية واستراتيجية
يرى الباحث روبرت بيب أن الإرهاب الانتحاري لم يعد فقط وسيلة لتدمير أهداف عسكرية أو سياسية، بل أصبح أيضا أداة نفسية قوية تهدف إلى زعزعة ثقة المجتمعات في مؤسساتها الأمنية، وبث الخوف الجماعي. وتستغل الجماعات الإرهابية "الاستعداد للموت" كرسالة رمزية مفادها أن الإيمان بالقضية أقوى من الخوف من الفناء.

وفي هذا السياق، تصبح الانتحاريات وسيلة مضاعفة الأثر، إذ يجري توظيف البراءة المتصورة في النساء لتضليل المجتمعات، وتوسيع نطاق الصدمة، وضرب النسيج الاجتماعي من الداخل.

وبين عامي 2014 و2018، استخدمت جماعة بوكو حرام الاهرابية في نيجيريا أكثر من 468 امرأة وفتاة لتنفيذ 240 هجوما انتحاريا، أسفرت عن مقتل ما يقرب من 1200 شخص وإصابة حوالي 3000 آخرين، وفقا لمركز مكافحة الإرهاب في ويست بوينت، هذا الرقم يعد الأعلى عالميا في توظيف الانتحاريات من قبل جماعة إرهابية.

معظم هؤلاء النساء اختطفن وأجبرن على تنفيذ العمليات تحت التهديد أو بعد إخضاعهن لسنوات من الاستغلال الجنسي والنفسي والبدني، ما جعل مقاومتهن شبه مستحيلة. ويظهر هذا النمط استغلالا متعمدا وممنهجا للنساء كـ"أدوات تفجير".

هذا الاستخدام للانتحاريات غير مسبوق؛ فبحلول عام 2018، شكلت النساء أكثر من نصف العمليات الانتحارية التي نفذتها جماعة بوكو حرام. تجبر النساء المختطفات على المشاركة في الأنشطة الإرهابية من خلال مجموعة من التكتيكات التلاعبية والوحشية. ويضغط على الكثيرات منهن للقيام بمهام انتحارية، بينما تخضع أخريات للعبودية المنزلية أو الجنسية القسرية، مما يحقق أهدافا عنيفة فورية ويدعم جهود التلقين طويلة الأمد.

ويبدأ الإكراه بإساءة بدنية ونفسية ممنهجة تخلق مناخا من الخوف، وتجرد الضحايا من القدرة على التصرف. وبعزلهن عن عائلاتهن ومجتمعاتهن، تقطع هؤلاء النساء عن شبكات الدعم التي يمكن أن تساعدهن على المقاومة. وتتفاقم هذه العزلة بسبب التهديدات بالعنف، ليس فقط تجاه النساء ولكن أيضا تجاه أحبائهن، مما لا يترك لهن خيارا سوى الامتثال.

هناك أسباب تكتيكية للمنظمات الإرهابية مثل بوكو حرام ونمور التاميل وداعش لاستخدام النساء العاملات في التفجيرات الانتحارية. غالبا ما تثير النساء المشاركات في هذه الهجمات شكوكا أقل، مما يسمح لهن بتجاوز نقاط التفتيش والوصول إلى أهداف مكتظة بالسكان أو عالية القيمة. إن ضعفهن المتصور وافتراض أن النساء أقل عرضة للقيام بأعمال عنف يمنح ميزة غير متاحة للمفجرين الذكور. إن قدرة المفجرات الانتحاريات على التهرب من الاكتشاف تعزز فائدتهن في الحرب غير المتكافئة. تشير خبيرة الإرهاب ميا بلوم إلى أن هذا التكتيك يتماشى مع استراتيجية بوكو حرام غير المتكافئة - استخدام أساليب غير تقليدية لتحدي خصم أقوى - من خلال استخدام المفجرات الإناث اللاتي يمكنهن الوصول إلى أماكن غالبا ما تكون محظورة على العملاء الذكور. يسمح هذا النهج للجماعة باستغلال نقاط الضعف في القوات الحكومية أو الدولية.

المسألة الأبرز في هذا السياق هي: هل تعد الانتحارية جانية أم ضحية؟
الإجابة ليست سهلة، إذ تظهر بعض النساء التزاما أيديولوجيا أو رغبة في الانتقام، بينما تجبر أخريات على تنفيذ الهجمات تحت ضغط شديد.

هذا اللبس يعقد جهود العدالة، ويطرح تحديا على صناع السياسات: هل يعاملن كمجرمات أم كضحايا قابلات للتأهيل؟
في حالات مثل بوكو حرام، تشير تقارير حقوقية إلى أن الإكراه هو القاعدة وليس الاستثناء. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل الحالات التي يكون فيها الدافع ذاتيا.

الديناميكيات الجندرية في مكافحة الإرهاب
حتى وقت قريب، تمحورت استراتيجيات مكافحة الإرهاب حول رؤية ذكورية بحتة. إلا أن تصاعد دور النساء في العمليات الانتحارية يحتم إعادة النظر في السياسات الأمنية. وقد أكد مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب على ضرورة إدماج منظور النوع الاجتماعي في جميع مراحل مكافحة الإرهاب، من التجنيد وحتى إعادة الدمج.

افتراض أن النساء أقل خطرا أو أنهن دائما ضحايا، قد ينتج ثغرات أمنية خطيرة، وقد يقوض من جهود منع التطرف من جذوره.

بين العدالة وإعادة التأهيل: معضلة الاستجابة
يدعو مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة إلى تبني نهج يركز على الضحية في التعامل مع النساء المجبرات على المشاركة في الإرهاب. وهذا يتضمن برامج لإعادة التأهيل النفسي، وإعادة الإدماج الاجتماعي، وتقديم الدعم القانوني والاقتصادي.

لكن، في المقابل، هناك نساء شاركن طواعية، ما يتطلب أدوات تقييم فردية للمخاطر، توازن بين أمن المجتمع وحقوق الفرد. في هذا السياق، تعد مبادرة "الممر الآمن" في نيجيريا نموذجا واعدا لبرامج إعادة التأهيل التي تراعي الفوارق الجندرية وتستهدف الفتيات والنساء المنخرطات في بوكو حرام.

التوصيات الاستراتيجية
إدماج بعد النوع الاجتماعي في مكافحة الإرهاب من خلال تدريب القوات الأمنية على فهم دوافع الانتحاريات وتعقيد دورهن.

توسيع برامج إعادة التأهيل للنساء العائدات من الجماعات المتطرفة، بما يشمل الدعم النفسي، المهني، والاجتماعي.

تحسين جمع المعلومات الاستخباراتية حول شبكات تجنيد النساء.

موازنة العدالة بالرحمة: تطوير أطر قانونية تأخذ بعين الاعتبار الإكراه في السياقات الإرهابية.

حملات توعية مجتمعية لكسر الصور النمطية عن النساء في أدوار الضحايا فقط، وتعزيز الوقاية من التطرف في أوساط الفتيات.

مع تزايد توظيف النساء في الهجمات الانتحارية، لم يعد من الممكن تجاهل الدور الاستراتيجي لهن في الإرهاب المعاصر. ما بين كونهن أدوات قسرية وفاعلات ملتزمات أيديولوجيا، تقف المجتمعات أمام اختبار صعب في كيفية التعامل مع هؤلاء النساء دون الإخلال بالأمن أو بالعدالة الإنسانية.

إن فهم الأدوار المتعددة التي تلعبها النساء في هذا السياق، وتطوير استجابات تراعي هذه التعقيدات، ليس رفاهية، بل ضرورة أمنية وأخلاقية في عصر الإرهاب الجديد.

شارك