مالي على حافة الانهيار.. فوضى السلاح وتصاعد الجماعات المسلحة يهددان أمن الساحل والجزائر

الثلاثاء 21/أكتوبر/2025 - 10:32 ص
طباعة الإرهاب الإرهاب محمود البتاكوشي
 
تدخل جمهورية مالي منعطفًا خطيرًا في تاريخها الحديث، إذ تجاوزت أزمتها حدود الاضطراب السياسي والأمني لتتحول إلى انهيار شامل يهدد بتفكك الدولة وامتداد الفوضى إلى عموم منطقة الساحل الإفريقي.
وتتصدر مشهد هذا الانهيار قوتان رئيسيتان تتنازعان النفوذ والسيطرة، جماعة نصرة الإسلام والمسلمين ذات المرجعية الجهادية، وجبهة تحرير أزواد التي تمثل الحركات الانفصالية في شمال البلاد.
هذا الوضع المعقد يثير قلقًا متزايدًا لدى مؤسسة تكتل الحصن المتين التي ترى في التطورات المتسارعة تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الجزائري، خاصة في ظل هشاشة الحدود الجنوبية وازدياد مخاطر التسلل والتهريب.
 
تمدد نصرة الإسلام والمسلمين
باتت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، خلال السنوات الأخيرة، القوة الأكثر نفوذًا في وسط وغرب مالي، بعد أن نجحت في فرض سيطرتها على شريط جغرافي شاسع يمتد حتى حدود النيجر وبوركينا فاسو.
تعمل الجماعة وفق نموذج الدولة الموازية، حيث تدير شؤون مناطقها عبر فرض الإتاوات، جمع الضرائب، وتنظيم حركة القوافل التجارية، ما منحها موارد مالية ضخمة وقدرة على توطيد حضورها الاجتماعي والأمني.
 تحول هذا النفوذ إلى كيان مواز يهدد بجدية الكيان المالي الرسمي، ويقوض أي إمكانية لاستعادة الدولة سلطتها المركزية.
 
انهيار اتفاق الجزائر وعودة الحركات الأزوادية إلى السلاح
أدى تراجع المجلس العسكري الحاكم في باماكو عن التزامات اتفاق الجزائر للسلم والمصالحة إلى عودة الحركات الأزوادية إلى العمل المسلح، بعد سنوات من الهدوء النسبي.
وتوحدت هذه الحركات ضمن جبهة تحرير أزواد، التي تضم خليطًا من المكونات العربية والطوارقية المطالبة بترتيبات سياسية وإدارية تضمن حقوق سكان الشمال.
تدور منذ أسابيع معارك طاحنة في مناطق كيدال وتمبكتو وتساليت، حيث انتقلت الجبهة من الدفاع إلى الهجوم، مستخدمة أسلحة نوعية وتكتيكات صحراوية متقدمة مكنتها من استعادة زمام المبادرة الميدانية في مواجهة الجيش المالي وحلفائه من الفيلق الإفريقي الروسي.
 
جيش أزواد.. تنظيم محلي بعقيدة دفاعية
يمثل جيش أزواد الذراع العسكرية للجبهة، وهو تنظيم تشكل عام 2012 عقب انهيار الدولة في الشمال يتألف من مقاتلين ينتمون إلى قبائل الطوارق والعرب، ويتميز بهيكلية شبه نظامية تشمل وحدات مشاة متنقلة وكتيبة استطلاع ومدفعية خفيفة.
 يعتمد الجيش على عقيدة قتالية دفاعية متحركة تستفيد من معرفة عميقة بالتضاريس الصحراوية، ما يمنحه تفوقًا تكتيكيًا أمام الجيش المالي.
 ورغم طبيعته الانفصالية، يحرص على تأكيد أنه لا يستهدف الجزائر أو دول الجوار، بل يسعى فقط لتطبيق بنود اتفاق الجزائر المؤجل.
 
الحصار الاقتصادي وتداعياته الاجتماعية
منذ سبتمبر 2025، فرضت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين حصارًا خانقًا على العاصمة باماكو وعدد من المدن الكبرى مثل كايس ونيورو، ما تسبب في شلل اقتصادي شبه كامل.
 قفزت أسعار الوقود إلى أكثر من 3000 فرنك إفريقي في تمبكتو، وتوقفت الإمدادات الإنسانية والنقل التجاري، ما خلق حالة من الاختناق المعيشي.
 أمام هذا الوضع، حاول المجلس الأعلى الإسلامي المالي احتواء التوتر عبر بيان دعا فيه للوحدة الوطنية والقنوت من أجل السلم، في خطوة قرأها المراقبون كمحاولة لإعادة الخطاب الديني إلى دائرة التهدئة بعد أن استغله المتطرفون في تأجيج العنف.
 
تهديدات أمادو كوفا.. مرحلة جديدة من التصعيد
أضفى زعيم كتيبة ماسينا أمادو كوفا بعدًا أكثر خطورة على المشهد بإطلاقه تهديدات مباشرة للمجلس العسكري، متوعدًا بـ"إسقاط العاصمة من الداخل".
تعكس هذه التهديدات نية واضحة لتوسيع نطاق العمليات نحو المراكز الحضرية، وتحويل الحرب من صراع أطراف إلى هجوم منظم يستهدف قلب الدولة عبر إنهاكها اقتصاديًا وأمنيًا ومعنويًا.
 
الانعكاسات الإقليمية.. الجزائر في قلب المعادلة
ترى مؤسسة تكتل الحصن المتين أن تدهور الأوضاع في مالي يتجاوز الطابع الداخلي ليشكل خطرًا إقليميًا داهمًا، خاصة على الجزائر التي تتقاطع حدودها الطويلة مع مناطق النزاع.
 وتكمن أبرز المخاطر في:
احتمالات تسلل الجماعات الإرهابية إلى العمق الجزائري.
انتعاش شبكات التهريب عبر الحدود الجنوبية.
تزايد موجات النزوح واللاجئين بما يخلق أعباء إنسانية وأمنية متنامية.
 
الرؤية الجزائرية.. العودة إلى اتفاق السلم
تؤكد المؤسسة أن الحل لا يمكن أن يكون عسكريًا، بل سياسيًا – تنمويًا، عبر إحياء اتفاق الجزائر للسلم والمصالحة كإطار شامل لتسوية النزاع.
 وترى أن الجزائر، بما تمتلكه من ثقل دبلوماسي وموقع استراتيجي، تبقى حجر الزاوية في استقرار الساحل، وأن أي وصاية أو تدخل خارجي يزيد تعقيد الأزمة بدلًا من حلها.

شارك