تحالف دول الساحل.. القوة الموحدة بين حلم الاستقرار وواقع التهديدات المتجددة

الخميس 13/نوفمبر/2025 - 05:32 م
طباعة تحالف دول الساحل تحالف دول الساحل محمود البتاكوشي
 
تشهد منطقة الساحل الإفريقي مرحلة جديدة من إعادة تشكيل موازين القوى الإقليمية، مع إعلان كل من النيجر ومالي وبوركينا فاسو اختيار العاصمة النيجرية نيامي مقرًا للقوة العسكرية الموحدة التي تضم نحو 5 آلاف جندي.

تمثل هذه الخطوة، امتدادًا لتحالف الدفاع المشترك الموقع بين الدول الثلاث في سبتمبر 2023، تعكس مسعى واضحًا لبناء منظومة أمنية مستقلة عن الإطار التقليدي الذي كانت تمثله المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، بعدما انسحبت منها الدول الثلاث احتجاجًا على ما وصفته بـ"الهيمنة الخارجية" و"غياب الدعم الفعلي في مواجهة الإرهاب".

كما جاءت القوة الجديدة كنتيجة مباشرة للتحولات العميقة التي عصفت بالإقليم منذ سلسلة الانقلابات العسكرية التي أطاحت بالحكومات المدنية في تلك الدول، فبعد انقلاب النيجر في يوليو 2023، وما تبعه من تهديد إيكواس بالتدخل العسكري لإعادة الرئيس محمد بازوم، اختارت الأنظمة العسكرية في نيامي وباماكو وواغادوغو مسارًا مغايرًا يقوم على فكرة "السيادة الأمنية"، وتفعيل تحالف دفاعي ثلاثي يحمل اسم "ميثاق ليبتاكو غورما"، الذي يهدف إلى تنسيق الجهود العسكرية والاستخباراتية لمواجهة الجماعات المتطرفة وشبكات الجريمة العابرة للحدود.

تحديات معقدة متعدد الأبعاد

لكن رغم الطابع الطموح للمبادرة، تبدو تحدياتها معقدة ومتعددة الأبعاد. فالمشهد الأمني في الساحل لا يزال هشًا، مع اتساع رقعة النشاط الإرهابي وتزايد نفوذ الجماعات المسلحة، خصوصًا "القاعدة" و"داعش" في الصحراء الكبرى.

ورغم توالي العمليات العسكرية المشتركة، تبقى النتائج الميدانية محدودة وغير مستقرة، ما يعكس هشاشة القدرات العملياتية وتفاوت مستوى التنسيق بين الجيوش الثلاثة.

ترافق ذلك مع أزمة إنسانية متفاقمة، إذ تجاوز عدد النازحين في المنطقة أربعة ملايين شخص، وسط تصاعد أعمال العنف وانعدام الأمن، كما تضيف هذه الكارثة الإنسانية عبئًا إضافيًا على الحكومات العسكرية التي تسعى لإثبات قدرتها على إدارة الأزمات، في وقت تتراجع فيه الثقة الدولية بدورها السياسي وتفرض عليها عزلة متزايدة من المؤسسات الغربية والإفريقية.

الانسحابات المتتالية من المنظمات الدولية، مثل المحكمة الجنائية الدولية والمنظمة الدولية للفرانكفونية، أكدت توجه دول الساحل نحو بناء منظومة بديلة تعبر عن استقلالها، لكنها في الوقت نفسه عمقت عزلتها عن النظام الدولي، هذا المسار التصادمي منح الأنظمة العسكرية دعمًا شعبيًا مؤقتًا، باعتباره رفضًا للوصاية الخارجية، لكنه لم ينجح بعد في تقديم بديل تنموي أو أمني فعلي على الأرض.

شركاء جدد

أما على صعيد العلاقات الدولية، فقد اتجهت دول الساحل إلى إعادة صياغة شراكاتها، فاستبدلت القوى التقليدية كفرنسا والاتحاد الأوروبي بشركاء جدد، أبرزهم روسيا وبعض القوى الآسيوية، في إطار ما تصفه بـ"تنويع مصادر الدعم الأمني"، ورغم أن بعض هذه الشراكات أتاح فرصًا اقتصادية محدودة، مثل إعادة التفاوض على عقود استخراج المعادن، إلا أن الأثر الحقيقي على الاستقرار الداخلي ما زال ضعيفًا.

في الجوهر، تعكس القوة الموحدة محاولة لتأسيس نموذج إقليمي جديد يقوم على فكرة "الاعتماد الذاتي في الأمن"، لكنها تظل رهينة واقع اقتصادي هش، وتحديات داخلية عميقة تتعلق بضعف البنى المؤسسية، والانقسامات الاجتماعية، وتغلغل التنظيمات المسلحة في الأطراف الريفية.

ما يحدث اليوم في منطقة الساحل هو صراع بين مشروعين، مشروع يسعى لبناء تحالف عسكري مستقل يرمز للسيادة الوطنية، ومشروع مضاد يتجسد في الفوضى المتنامية التي تغذيها هشاشة الدولة وغياب التنمية. 
وبين الطموح والسياسة، تبقى القوة الموحدة اختبارًا حقيقيًا لقدرة هذه الدول على تحويل شعارات السيادة إلى استقرار ملموس، في منطقة تقف منذ عقود على حافة الانفجار.

شارك