التهديد المتصاعد للنفط في دير الزور: داعش يضغط على الاقتصاد المحلي

الخميس 13/نوفمبر/2025 - 06:44 م
طباعة التهديد المتصاعد علي رجب
 
شهد ريف دير الزور الشرقي في سوريا تصعيدا ملحوظا في نشاط خلايا تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) خلال الفترة الأخيرة، حيث وقع هجوم جديد على صهريج نفط في ليلة 12-13 نوفمبر 2025، في حادثة تأتي ضمن سلسلة من الهجمات على البنية التحتية النفطية في المنطقة. ويأتي هذا التصعيد في سياق أوسع من العنف المتواصل الذي يعاني منه ريف دير الزور، الذي يعد أحد أكثر مناطق سوريا ثراء بالنفط والموارد الطبيعية، وهو ما يجعل السيطرة على المنشآت النفطية هدفا استراتيجيا لجميع الأطراف الفاعلة، بما في ذلك داعش وقسد والجيش السوري والقوات الأجنبية المشاركة في المنطقة.

تفاصيل الهجوم الأخير على صهريج النفط
وقع الهجوم في بلدة الطكيحي، الواقعة شمالي دير الزور، على الطريق المؤدي إلى الآبار النفطية. وأفادت مصادر محلية بأن مسلحين استقلوا دراجة نارية وأطلقوا النار على الصهريج أثناء توجهه لجمع النفط من الحقول القريبة، ما أدى إلى انسكاب الحمولة وتضرر المركبة بشكل كبير، دون وقوع إصابات فورية بين المدنيين أو سائقي الصهاريج.

ويعتقد أن الهجوم جزء من حملة داعش لتعطيل الاقتصاد المحلي وفرض "الزكاة" القسرية على سائقي الصهاريج والشركات الصغيرة التي تعمل في مجال النفط. فقد سبق أن استهدفت خلايا التنظيم صهاريج أخرى رفض أصحابها دفع المبالغ المالية التي يفرضها التنظيم، في إطار سياسة تهدف إلى السيطرة الاقتصادية على مناطق نفوذ الإدارة الذاتية (قسد) وتأمين موارد مالية لتغطية عملياته العسكرية.

لم يعلن تنظيم داعش عن مسؤوليته بشكل رسمي حتى الآن، إلا أن المصادر المحلية ترجح ضلوعه استنادا إلى أسلوب الهجوم المعروف، الذي يعتمد على السرعة والمفاجأة، والانسحاب الفوري بعد الهجوم، وهي أساليب تميز العمليات الصغيرة التي ينفذها التنظيم في البادية السورية.

الهجوم الأخير يأتي بعد حادث مماثل خلال 24 ساعة السابقة قرب دوار العتال في بلدة الشحيل الشرقية، والذي أسفر عن إصابة سائق وتضرر صهريج آخر، مما يشير إلى استمرار حملة متعمدة ضد المنشآت النفطية في المنطقة.

السياق الأوسع لتصعيد نشاط داعش في 2025
أحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان أكثر من 171 عملية لتنظيم داعش في مناطق نفوذ الإدارة الذاتية منذ بداية 2025، كان منها 55 عملية في محافظة دير الزور وحدها، أسفرت عن مقتل 9 عناصر من القوات الأمنية، وعنصر واحد من التنظيم، و5 مدنيين، مع إصابة 13 آخرين.

تركز الهجمات على البنية التحتية النفطية باعتبارها مصدر الدخل الأساسي للإدارة الذاتية في المنطقة، وهو ما يجعلها هدفا استراتيجيا لتنظيم داعش الذي يسعى إلى إضعاف سلطة قسد وإثارة الفوضى. في الأشهر الأخيرة، شملت هذه الهجمات:
استهداف قوافل صهاريج النفط في الريف الشمالي لدير الزور، مع تهديد سائقي الصهاريج بالقتل إذا لم يدفعوا ما يسميه التنظيم "الزكاة".

إحراق بئر نفطية قرب بلدة رويشيد، وهو عمل يهدف إلى تعطيل الإنتاج وتأمين موارد مالية للتنظيم من خلال فرض رسوم على العمليات النفطية.

هجمات متكررة على صهاريج النفط في مناطق أبو خشب الغربية، مما أدى إلى تضرر عدة مركبات وإعاقة الحركة في الطرق الرئيسية المؤدية إلى الحقول.

وتشير التحليلات إلى أن هذه الحملة تأتي ضمن استراتيجية داعش لإعادة بناء شبكاته بعد تراجع قوته في السنوات الأخيرة نتيجة العمليات العسكرية المستمرة، سواء من قبل الجيش السوري، أو التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، أو روسيا.

ردود فعل عسكرية وأمنية
واجهت القوات الأمنية في دير الزور هذه الهجمات بعمليات مختلفة، شملت تعزيز الدوريات على الطرق الرئيسة وحماية القوافل النفطية. ونفذت روسيا ضربات جوية مستمرة على مواقع داعش في جبل البشري والرصافة منذ نوفمبر 2024، بينما أجرت قوات التحالف الأمريكي مناورات أمنية في حقل العمر لتعزيز السيطرة على المنطقة.

قسد بدورها كثفت من تواجدها العسكري في مناطق إنتاج النفط وحماية الطرق المؤدية للحقول، مع التركيز على جمع المعلومات الاستخبارية حول تحركات خلايا داعش. وفي المقابل، يتهم الجيش السوري التنظيم بمحاولة إثارة الفتنة بين الفصائل المحلية، مستغلا الفوضى الأمنية لتحقيق أهدافه في المناطق الصحراوية النائية التي يسهل فيها تحرك المسلحين.

الأبعاد الاقتصادية للهجمات
تمثل هذه الهجمات تهديدا مباشرا للاقتصاد المحلي، حيث يعتمد آلاف السكان في دير الزور على العمل في صناعة النفط البدائية لكسب رزقهم. ومع تصاعد الهجمات، يزداد خطر توقف الإنتاج أو تعطيله، ما يؤثر على السكان مباشرة، سواء من خلال فقدان الدخل أو تأثر أسعار الوقود والمواد الأساسية في المنطقة.

كما أن الهجمات على الصهاريج والحقول النفطية تؤدي إلى ارتفاع تكاليف النقل والحماية الأمنية، الأمر الذي يزيد الضغوط المالية على الإدارة الذاتية وقسد، ويجعل المنطقة أكثر هشاشة أمام تدخلات أطراف خارجية قد تستفيد من حالة الفوضى.

التحديات الإنسانية والأمنية
تصاعد الهجمات يزيد من التوتر في ريف دير الزور، ويجعل آلاف السكان عرضة لمخاطر النزوح والإصابة، خصوصا العمال الذين يشاركون في عمليات استخراج النفط ونقله. حذرت منظمات دولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، من تفاقم الأزمة الإنسانية في حال استمرار الهجمات، مشيرة إلى احتمالية نزوح السكان نحو مناطق أكثر أمانا، أو دخولهم في حلقة من الفقر والاعتماد على المساعدات الإنسانية.

كما يمثل النشاط المتصاعد لداعش تهديدا للأمن العام في المنطقة، إذ يفرض التنظيم نوعا من "الرقابة الاقتصادية" على السكان من خلال فرض الرسوم المالية أو تهديد سائقي الصهاريج، ما يزيد من استقطاب عناصر جديدة للتنظيم ويجعل من الصعب على السلطات المحلية ضمان الاستقرار والأمن.

العوامل المساعدة على تصعيد النشاط
يرجع تصاعد نشاط داعش في دير الزور إلى عدة عوامل، أبرزها:
التوترات بين الأطراف المحلية: النزاعات بين قسد والجيش السوري توفر غطاء نسبيا لتحركات التنظيم في البادية، حيث يصعب على أي طرف السيطرة الكاملة على جميع الطرق والحقول النفطية.

الاعتماد على النفط كمورد اقتصادي: كون النفط المورد الرئيسي للإدارة الذاتية، يجعل استهدافه وسيلة فعالة للتأثير على القوة الاقتصادية والسياسية للمنطقة.

الخبرة السابقة للتنظيم: داعش طور خلال السنوات الماضية أساليب الهجوم والانسحاب السريع، ما يقلل من احتمالية تعرضه لضربات مباشرة أثناء تنفيذ العمليات الصغيرة.

التحديات الإنسانية والاقتصادية: الفقر والبطالة في المناطق الريفية تجعل بعض السكان عرضة للتجنيد أو التعاون مع التنظيم، ما يسهل عمليات التجسس والدعم اللوجستي.

توقعات مستقبلية
مع استمرار داعش في تصعيد عملياته ضد المنشآت النفطية، من المتوقع أن تشهد المنطقة مزيدا من الهجمات على القوافل وصهاريج النفط، وربما توسع نطاق الاستهداف ليشمل مناطق مأهولة بالسكان. وقد يحاول التنظيم في المستقبل زيادة تأثيره الاقتصادي على الإدارة الذاتية من خلال فرض رسومات أعلى أو استهداف البنية التحتية الأساسية الأخرى، مثل خطوط الكهرباء والمياه.

كما أن استمرار الهجمات قد يدفع الإدارة الذاتية وقسد إلى تعزيز التعاون مع التحالف الدولي والجيش السوري لتنفيذ عمليات مشتركة ضد التنظيم، وهو ما قد يؤدي إلى تصعيد عسكري إضافي في المنطقة.

يشكل تصعيد نشاط داعش في ريف دير الزور خطرا متعدد الأبعاد: اقتصادي، أمني، وإنساني. الهجمات على البنية التحتية النفطية تستهدف تعطيل الاقتصاد المحلي وزعزعة الاستقرار، في حين يواجه السكان تهديدات مباشرة على حياتهم ومعيشتهم. الرد العسكري من قبل قسد والتحالف الدولي، بالتوازي مع تعزيز المراقبة الاقتصادية والاجتماعية، يعد أمرا حيويا لمنع تدهور الوضع أكثر.

الوضع يبقى ديناميكيا، وينصح بمتابعة المصادر المحلية والدولية الموثوقة مثل المرصد السوري و"نورث برس" للحصول على تحديثات دقيقة حول النشاط المستقبلي للتنظيم في المنطقة.

شارك