قيود جديدة على النساء في أفغانستان تثير إدانات حقوقية دولية
محمد شعت
في الوقت الذي يحتفل فيه العالم بخطوات متقدمة نحو المساواة وتمكين المرأة، تعيش النساء في أفغانستان واقعًا مختلفًا تمامًا، واقعًا يتسم بالقمع والتجريد من أبسط الحقوق الإنسانية. فمنذ عودة حركة طالبان إلى السلطة في أغسطس 2021، تحوّلت حياة النساء الأفغانيات إلى دائرة من القيود الصارمة والتهديدات المستمرة، التي أعادت البلاد عقودًا إلى الوراء في ما يتعلق بحقوق الإنسان والحريات الأساسية.
وحذرت
المنظمة من أن حرمان النساء غير المرتديات للبرقع من دخول المرافق الصحية سيؤدي
إلى تدهور أوضاع الرعاية الصحية في صفوف النساء، وسيعرض حياة آلاف الأفغانيات
للخطر بسبب عدم تمكنهن من الحصول على الخدمات الطبية الحيوية.
وأضاف
البيان أن "على المجتمع الدولي أن يظهر تضامنه مع النساء والفتيات الشجاعات
في أفغانستان، من خلال دعم حقوقهن ومحاسبة طالبان على انتهاكاتها المستمرة"،
في إشارة إلى عجز الجهود الدبلوماسية حتى الآن عن تغيير سلوك الحركة أو إلزامها
باحترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
من
التهميش إلى الإقصاء الكامل
منذ
استعادتها السيطرة على البلاد بعد انسحاب القوات الأميركية، تبنت حركة طالبان
سياسات ممنهجة استهدفت النساء بشكل خاص، وبدأت بإغلاق أبواب التعليم والعمل أمامهن
تحت ذرائع دينية واجتماعية. فقد تم إقصاء النساء من معظم الوظائف الحكومية،
وأُغلقت الجامعات أمام الطالبات، كما مُنعن من السفر دون محرم، ومن ممارسة أنشطة
ثقافية أو رياضية أو حتى زيارة الحدائق العامة في بعض المناطق.
وفي
ظل هذه السياسات، تحولت المرأة الأفغانية من فاعل اجتماعي كان يشارك في التعليم
والإدارة والعمل المدني، إلى كائن محاصر داخل جدران المنزل، يخضع لرقابة صارمة
ويتعرض للعقاب عند أي محاولة لكسر القيود المفروضة عليه.
كما
نصّ قانون "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" الذي اعتمدته الحركة على
ضرورة تغطية النساء لأجسادهن بالكامل، واعتبر أن "صوت المرأة عورة" يجب
ألا يُسمع في الأماكن العامة، ما يعكس ذهنية متشددة تنظر إلى المرأة باعتبارها
مصدرًا للفتنة، لا شريكًا في بناء المجتمع.
ورغم
تبريرات طالبان بأن تلك الإجراءات تهدف إلى "صون الأخلاق العامة"، يرى
مراقبون وناشطون حقوقيون أن ما يجري هو إعادة إنتاج لمرحلة التسعينيات، حينما فرضت
الحركة السابقة الحكم نفسه بين عامي 1996 و2001، وهو ما أدى في النهاية إلى عزل
أفغانستان دوليًا وحرمانها من التنمية والاستقرار.
إدانات
دولية متصاعدة
من
جانبها، أعربت "الأمم المتحدة" ومفوضيتها السامية لحقوق الإنسان عن
"قلق بالغ" إزاء القرارات الأخيرة لطالبان، ووصفتها بأنها "تتناقض
مع كل المواثيق الدولية التي التزمت بها أفغانستان سابقًا". وطالبت المفوضية
بضرورة التراجع الفوري عن تلك الإجراءات، والسماح للنساء بالوصول إلى التعليم
والعمل والرعاية الصحية دون قيود.
أما
"الولايات المتحدة" والاتحاد الأوروبي، فقد جددا دعوتهما للحركة إلى
احترام حقوق النساء والفتيات كشرط أساسي لأي تقارب سياسي أو اعتراف رسمي بالحكومة
الأفغانية الحالية. ورغم كثرة البيانات الداعية إلى "المساءلة"، إلا أن
الواقع على الأرض يكشف محدودية تأثير هذه الإدانات، إذ تواصل طالبان فرض رؤيتها
الدينية المتشددة دون اكتراث بالضغوط الخارجية.
ويرى
محللون أن المجتمع الدولي، وعلى رأسه الأمم المتحدة، لم ينجح في صياغة آلية فعّالة
للضغط على طالبان، بسبب الانقسام بين الدول حول كيفية التعامل مع سلطات كابول.
فبينما يفضّل البعض انتهاج سياسة الانخراط والحوار، يرى آخرون أن العقوبات والعزلة
هما السبيل الوحيد لدفع الحركة إلى تغيير سلوكها.
وفي
هذا السياق، أشارت منظمة العفو الدولية إلى أن "الصمت أو الاكتفاء بالإدانة
لا يكفي"، داعية إلى "خطوات عملية، من بينها فرض عقوبات محددة على قادة
طالبان المسؤولين عن الانتهاكات، وضمان وصول الدعم الإنساني مباشرة إلى الفئات
المستضعفة دون المرور عبر قنوات الحركة".
المرأة
الأفغانية بين المقاومة واليأس
رغم
هذا القمع، لم تفقد النساء الأفغانيات روح المقاومة. ففي مدن مثل كابول وهرات
ومزار الشريف، خرجت مجموعات صغيرة من النساء في مظاهرات متفرقة للمطالبة بحقوقهن
في التعليم والعمل. لكن طالبان سرعان ما قمعت تلك الاحتجاجات بعنف، واعتقلت العديد
من المشاركات، في محاولة لطمس أي صوت معارض داخل البلاد.
تقول
إحدى الناشطات، التي فضّلت عدم الكشف عن اسمها لدواعٍ أمنية: "نخرج إلى
الشارع ونحن نعلم أننا قد لا نعود إلى منازلنا. لكننا نريد أن يعرف العالم أننا ما
زلنا هنا، وأننا لن نصمت مهما كانت المخاطر".
هذه
الشجاعة الفردية تقابلها حالة من الإحباط واليأس في أوساط أخرى، حيث لجأت مئات
الأسر إلى تزويج بناتهن قسراً خوفًا من بطش طالبان أو لتخفيف الأعباء الاقتصادية،
في ظل تدهور الوضع المعيشي وانهيار الخدمات.
كما
دفعت هذه الأوضاع العديد من النساء المتعلمات إلى مغادرة البلاد، بحثًا عن الحرية
والأمان، ما تسبب في "نزيف بشري خطير" أفقد أفغانستان نخبتها النسائية
التي كانت تشكل ركيزة أساسية في المؤسسات التعليمية والصحية والمدنية.
الحاجة
إلى موقف دولي حازم
يرى
خبراء حقوق الإنسان أن ما تتعرض له النساء في أفغانستان لا يمكن فصله عن السياق
العام لانهيار مؤسسات الدولة، وفقدان سيادة القانون، وانعدام آليات المساءلة.
فطالبان، بحسب وصف منظمة العفو الدولية، "تسعى إلى إعادة تشكيل المجتمع
الأفغاني وفق رؤيتها الأيديولوجية الضيقة، دون أي اعتبار للحقوق الفردية أو القيم
الإنسانية".
ولذلك،
بات من الضروري – بحسب منظمات المجتمع المدني – أن يتحرك المجتمع الدولي بخطة
واضحة ومحددة، تضع حماية النساء والفتيات في صلب أي مفاوضات أو مساعدات مستقبلية
لأفغانستان.
ففي
غياب مثل هذا الموقف، سيظل مصير المرأة الأفغانية معلقًا بين مطرقة التطرف وسندان
الصمت الدولي، في بلد يتجه بسرعة نحو عزلة قاتمة، تحجب عنه نور الحرية والمساواة
الذي طال انتظاره.
