التنقل الخفي والخطر الرمزي: كيف يحافظ داعش على وجوده في سوريا رغم الضغوط العسكرية
السبت 15/نوفمبر/2025 - 06:45 م
طباعة
علي رجب
صعد تنظيم "داعش" هجماته خلال النصف الأول من نوفمبر 2025 في مناطق شرق دير الزور وريفها، في مؤشر واضح على استمرار نشاط خلاياه وقدرتها على استغلال الفراغ الأمني، رغم فقدانه السيطرة الجغرافية على مناطق واسعة منذ عام 2018. وتكشف الهجمات المتكررة التي نفذها التنظيم عن استراتيجية واضحة تعتمد على التحرك السريع في الأرياف والتضاريس الصعبة، واستهداف المدنيين والموارد الاقتصادية، بما يعكس استمرار التنظيم كتهديد فعال على المستوى الأمني والاقتصادي في المحافظة.
خلفية التهديد
منذ انهيار سيطرته على المدن والمحافظات الرئيسية في سوريا والعراق، انتقل تنظيم "داعش" إلى مرحلة جديدة من العمليات، تعتمد على خلايا صغيرة متنقلة في الأرياف والطرق النائية. هذه الخلايا تستفيد من ضعف الانتشار الأمني في المناطق النائية والتضاريس الصعبة، ما يسمح لها بتنفيذ هجمات مفاجئة ضد أهداف محددة، سواء كانت عسكرية أو مدنية أو اقتصادية. ويظهر هذا التوجه قدرة التنظيم على إعادة تكوين نفسه رغم الضغوط العسكرية المستمرة، واستخدام أساليب منخفضة الكلفة نسبيا لكنها مؤثرة في تعزيز حضوره النفسي والرمزي لدى السكان المحليين.
ويعتبر شرق دير الزور، الذي يمتد على طول نهر الفرات، بيئة مثالية لهذه العمليات. الأرياف الشاسعة، وقلة انتشار القوات الأمنية في بعض المناطق، إضافة إلى وجود موارد اقتصادية مهمة مثل صهاريج النفط، تمنح خلايا التنظيم مساحات للتحرك والتنفيذ دون مواجهة مباشرة مع القوى الأمنية. كما يستخدم التنظيم هذه الهجمات لتذكير السكان المحليين بوجوده وفرض ما يعرف بـ"الزكاة" على التجار وأصحاب الأعمال كمصدر تمويل إضافي.
أبرز الهجمات خلال نوفمبر
2 نوفمبر 2025: اندلعت اشتباكات بمحيط حاجز الصنور التابع لقوات سوريا الديمقراطية في بلدة أبو حمام، بعد استهدافه بقذيفة (RPG) أطلقها مسلحون تابعون لتنظيم "داعش". وأسفرت الاشتباكات عن تبادل كثيف لإطلاق النار، دون ورود تقارير عن خسائر بشرية أو مادية، لكنها أبرزت قدرة التنظيم على التخطيط لهجمات مفاجئة ضد نقاط عسكرية محمية.
3 نوفمبر 2025: فتح مسلحان النار من دراجة نارية على منزل مدير المواصلات في بلدة جديدة عكيدات بريف دير الزور الشرقي، دون تسجيل إصابات بشرية. ويعد هذا الهجوم نموذجا لاستراتيجية التنظيم في استهداف شخصيات مدنية معينة لإثارة الخوف والضغط النفسي، وإرسال رسالة واضحة للسلطات المحلية والمجتمع المدني حول قدرته على تنفيذ عمليات محددة وفعالة.
4 نوفمبر 2025: استهدفت خلايا التنظيم نقطة عسكرية في بلدة ذيبان بقذيفة (RPG)، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات محدودة، دون ورود تقارير عن خسائر بشرية. هذا الهجوم يعكس استمرار التنظيم في استهداف القوات العسكرية بطريقة تسمح له بإظهار قوته دون الدخول في مواجهات طويلة قد تكشف مواقع خلاياه.
5 نوفمبر 2025: هاجم مسلحون منزلا ومحال تجارية لأحد التجار في بلدة الطكيحي شمالي دير الزور، ما أسفر عن خسائر مادية، إضافة إلى رسائل مطالبة بدفع "الزكاة" لصالح التنظيم. ويظهر هذا الهجوم كيف يستخدم التنظيم الضغط الاقتصادي والتهديد المباشر للمدنيين لتعزيز سيطرته الرمزية وتأمين مصادر تمويل إضافية.
7 نوفمبر 2025: استهدف مسلحون صهريج نفط قرب حقل العزبة شمال المحافظة بالأسلحة الرشاشة، دون تسجيل إصابات بشرية. الهجوم يوضح أن التنظيم لم يقتصر على استهداف المدنيين أو القوات، بل يسعى أيضا لتعطيل الاقتصاد المحلي والتحكم في الموارد الاستراتيجية في المنطقة.
8 نوفمبر 2025: انفجرت عبوة ناسفة في بلدة السوسة على طريق مرور دورية لقوات سوريا الديمقراطية، دون وقوع خسائر بشرية أو مادية. ويبرز هذا الهجوم قدرة التنظيم على زرع العبوات وإلحاق الضرر المحتمل بالقوات الأمنية، ما يعكس استراتيجيته في شن هجمات متفرقة ومتكررة.
13 نوفمبر 2025: استهدف التنظيم صهريجين لنقل النفط في كل من قرية الطيحكي وبلدة الشحيل، ما أدى إلى أضرار مادية وإصابة سائق أحد الصهاريج بجروح متفاوتة. هذا الهجوم يوضح استمرار استهداف التنظيم للموارد الاقتصادية الحيوية، وهو جزء من سياسة أوسع لتقويض الاستقرار الاقتصادي وتعزيز حضوره الرمزي في مناطق الريف الشرقي.
دلالات الهجمات
تحليل هذه الهجمات يشير إلى عدة دلالات رئيسية تعكس قدرة التنظيم على البقاء كتهديد مستمر في شرق سوريا:
استمرار التهديد الأمني: رغم خسارة التنظيم السيطرة على الأرض منذ عام 2018، إلا أن هذه الهجمات تؤكد أن خلاياه لا تزال فاعلة وقادرة على شن عمليات متفرقة ومتنوعة، ما يشكل تحديا مستمرا للأمن المحلي.
استغلال الفراغ الأمني والجغرافي: يعتمد التنظيم على التضاريس الصعبة وقلة انتشار القوات الأمنية لتسهيل تحرك خلاياه. المناطق النائية والطرق الوعرة تمنحه ميزة التكتيك الخفي والتمويه، ما يزيد من صعوبة ملاحقته.
استهداف المدنيين والموارد الاقتصادية: تشمل الهجمات المدنيين والتجار، إضافة إلى استهداف صهاريج النفط، وهو ما يعكس استراتيجية مزدوجة: زرع الخوف، وتأمين موارد مالية من خلال فرض "الزكاة" على التجار المحليين، إضافة إلى محاولة تقويض الاقتصاد المحلي.
اعتماد استراتيجية منخفضة التكلفة لكنها مؤثرة: الهجمات غالبا صغيرة الحجم ومتفرقة (إطلاق نار، قذائف، عبوات ناسفة)، لكنها متكررة، ما يسمح للتنظيم بالحفاظ على وجوده النفسي والرمزي لدى السكان دون الدخول في مواجهات واسعة قد تكشف مواقع الخلايا.
القدرة على إعادة التنظيم بسرعة: التكرار المتواصل للهجمات يوضح أن التنظيم قادر على إعادة تجميع خلاياه، وتجهيز عمليات جديدة بسرعة، ما يشكل تحديا دائما لقوات الأمن المحلية.
التأثيرات الأمنية والاقتصادية
تؤكد هذه الهجمات استمرار ضعف السيطرة الأمنية في مناطق الريف الشرقي، وتضع تحديا أمام قوات سوريا الديمقراطية والجيش السوري لتأمين الأرياف وحماية المدنيين. كما أن استهداف صهاريج النفط والموارد الاقتصادية الحيوية يشير إلى خطر مباشر على الاقتصاد المحلي، ويعكس استراتيجية التنظيم في زعزعة الاستقرار المالي والاقتصادي للمنطقة.
وبالإضافة إلى ذلك، تؤثر هذه الهجمات على الحالة النفسية للسكان المحليين، حيث يعيشون في حالة قلق دائم من استهداف المنازل والمحال التجارية، ما يزيد من الهجرة الداخلية والاعتماد على الموارد الأمنية المحلية المحدودة.
تصعيد هجمات تنظيم "داعش" في شرق دير الزور خلال نوفمبر 2025 يؤكد أن التنظيم لم يزل تهديدا قائما رغم فقدانه السيطرة الجغرافية. قدرته على التحرك في الأرياف، واستهداف المدنيين والموارد الاقتصادية، وفرض "الزكاة"، تعكس استراتيجية واضحة للحفاظ على حضوره النفسي والرمزي. وتشير التحليلات إلى أن تعزيز الانتشار الأمني، ومراقبة التحركات المدنية والاقتصادية، ومضاعفة جهود استخباراتية دقيقة، أمر ضروري للحد من قدرة التنظيم على استغلال الفراغ الأمني وتحويله إلى عمليات تهدد الاستقرار المحلي.
إن استمرار هذه الهجمات يمثل جرس إنذار للسلطات المحلية والدولية على حد سواء، ويؤكد الحاجة إلى استراتيجيات شاملة تجمع بين الأمن، الاقتصاد، والمجتمع المدني لضمان حماية السكان ومنع التنظيم من إعادة بناء قدراته في المنطقة.
