تجدد العنف في إفريقيا الوسطى والغربية.. تصاعد هجمات الجماعات المتطرفة وتآكل سلطة الدولة
الإثنين 17/نوفمبر/2025 - 10:34 ص
طباعة
محمود البتاكوشي
يشهد شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية موجة عنف متجددة بعد هجوم دموي استهدف مركزًا صحيًا في منطقة بيامبوي، وأسفر عن مقتل ما لا يقل عن 18 شخصًا، في حلقة جديدة من سلسلة اعتداءات تنفذها "القوات الديمقراطية المتحالفة"، وهي إحدى أكثر الجماعات وحشية في المشهد المسلح بالمنطقة، هذه الضربة ليست حدثًا معزولًا، بل نتيجة تراكمات ممتدة تعكس هشاشة الأمن وضعف سيطرة الدولة على مناطق واسعة من الشرق.
على مدى ثلاثة عقود، تحولت الأقاليم الشرقية في الكونغو الديمقراطية إلى ساحة مفتوحة لنشاط العشرات من المجموعات المسلحة، الانهيار المؤسسي، وضعف الجيش، والصراع على الموارد، كلها عوامل سمحت بنشوء بيئة معقدة تتنافس فيها الجماعات على النفوذ.
وخلال العام الجاري، زادت المعادلة تعقيدًا بعد توسع حركة إم23 المدعومة من رواندا وسيطرتها على أجزاء واسعة من شمال وجنوب كيفو؛ ما أدى إلى خلخلة التوازنات الأمنية، وخلق فراغات تستغلها التنظيمات الأكثر تطرفًا.
قتل جماعي وحرق المنشآت المدنية
في المناطق الواقعة شمال انتشار إم23، واصلت "القوات الديمقراطية المتحالفة" تنفيذ نمطها المعتاد من الهجمات القاسية: اقتحام قرى معزولة، قتل جماعي، وحرق منشآت مدنية، الجماعة، التي تأسست أصلًا من متمردين أوغنديين ثم بايعت تنظيم داعش، نقلت الصراع من مجرد تمرد مسلح إلى حالة عنف عابر للحدود يهدد السكان المحليين على نحوٍ مستمر.
ورغم التدخل المشترك بين الجيشين الكونغولي والأوغندي منذ 2021، فإن العمليات لم تنجح في تحجيم قدرات الجماعة، التي تتجنب المواجهات المباشرة وتعتمد تكتيكات الكر والفر.
الهجوم الأخير على مركز بيامبوي الصحي يوضح مدى استهداف الجماعة للمدنيين باعتبارهم الحلقة الأضعف في سلسلة الأمن المحلي، إحراق المنشآت وخطف السكان بدأ يتحول من أعمال متفرقة إلى استراتيجية منظمة تهدف لإفراغ القرى وإخضاع المناطق عبر الترهيب.
نشاط داعش في نيجيريا
وفي سياق متصل، تمتد حالة الغليان الأمني إلى شمال شرق نيجيريا، حيث يستمر تنظيم داعش في غرب إفريقيا بتنفيذ هجمات منتظمة ضد الجيش والمجموعات المحلية المتحالفة معه، الكمين الأخير في ولاية بورنو، الذي أدى إلى مقتل أربعة جنود وأفراد من قوات الدفاع الذاتي، يؤكد قدرة التنظيم على التحرك واستغلال التضاريس الوعرة لتنفيذ عمليات دقيقة وسريعة.
كما استولى المسلحون على عدد كبير من الدراجات النارية، وهو عنصر أساسي في مناورتهم القتالية؛ ما يعني أن التنظيم يعزز قدرته اللوجستية.
أما على الجانب الآخر من الصراع، فقد أظهرت جماعة بوكو حرام، المنافس التقليدي لإيسواب، قدرتها على شن هجمات مضادة واسعة، ففي عملية دامية قبل أسبوع واحد فقط، قتلت ما يقارب 200 مقاتل من داعش في غرب إفريقيا في ضفاف بحيرة تشاد.
وعلى الرغم من صراع النفوذ بين الجماعتين، فإن النتيجة النهائية واحدة: استمرار تدهور الوضع الأمني في حوض بحيرة تشاد، وتوسع دائرة العنف إلى دول الجوار مثل النيجر وتشاد والكاميرون.
منذ 2009، تسبب التمرد في شمال شرق نيجيريا في مقتل أكثر من 40 ألف شخص ونزوح ملايين السكان، فيما تحاول القوات الإقليمية المشتركة احتواء التهديد، لكن البيئة الجغرافية والسياسية المنهكة تجعل المعركة أطول وأعقد مما تبدو عليه.
مما لا شك فيه أن المشهد العام، سواء في الكونغو أو نيجيريا، يكشف أن التنظيمات المتطرفة ما زالت قادرة على إعادة التموضع، والتكيف مع الضغوط العسكرية، واستغلال الثغرات الأمنية والتداخلات الإقليمية.
وتظل حماية المدنيين وإعادة بسط سلطة الدولة التحدي الأكبر أمام الحكومات والقوات الدولية العاملة في المنطقة.
