جورج اسحق -في القرن العاشر دعا "بن المقفع" إلى استخدام اللغة العربية حتى لا ينعزل المسيحيون أو تسجن الكنيسة
الثلاثاء 18/نوفمبر/2025 - 11:55 ص
طباعة
روبير الفارس
- اعمل علي دراسة عن أقدم ترجمة عربية شعرية لسفر المزامير بالاندلس في القرن ال19
"جورج إسحق ثابت "معماريٌّ ومُحرِّرٌ وباحثٌ في التُّراثِ العربيّ المسيحيّ. مُحاضِر حصل على درجة البكالوريوس في الفنون الجميلة، قسم العمارة الدَّاخليّة عام 2006 من جامعة المنيا بتقدير جيد جدًا، كما حصل على دبلوما التُّراث العربيّ المسيحيّ عام 2019 من كليّة اللَّاهوت الإنجيليَّة في القاهرة بتقدير امتياز. يدرس الآن درجة ماچستير الآداب في اللَّاهوت كليَّة لاهوت Puritan Reformed Theological Seminary (PRTS) الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة. يشغل حاليًّا منصب المُحرِّر العامّ لدار "رجاء للجميع" للنَّشر المسيحيّ وهي احدث دار نشر مسيحية تأسست بمصر مؤخرا وحول أعماله وأصدرارات الدار كان لنا معه هذا الحوار –
ما الدوافع التي قادتكم لتأسيس دار نشر مسيحية جديدة في هذا التوقيت تحديدًا؟
-بوصفنا قرَّاء في الأول، وكُتَّاب أيضًا، لطالما لفت انتباهنا أزمة المكتبة العربيّة المسيحيّة في جناحيها -كاتب وقارئ. أولا، تعاني المكتبة العربيّة المسيحيّة من ندرة الكتابة الأصيلة، إذ يغلب على قوامها الترجمات -خاصّة المكتبة الإنجيليّة- ولا يخفى عليكم كيف يؤثر هذا على لغة الخطاب، وتوسيع البون بين القارئ والكتاب، إذ لا تتسق روح الكتابة وروح وسياق القارئ. وثانيا، يعاني القارئ من ارتفاع ملحوظ في الأسعار، أجهض معه آخر أحلام استعادة الصحوة الثقافيّة. من هنا جاء مخاض الفكرة لتولد دار رجاء للجميع بغرض مزدوج، تشجيع الأقلام العربية الشابة وتوفير الكتاب بسعر لا يثقل القارئ. لا اخفيك سرًا، كانت تجربة مهرجان القراءة للجميع ومكتبة مصدر إلهامنا
.-كيف تصفون رؤيتكم في سوق النشر الديني الذي يبدو مزدحمًا من جهة ومحدود القرّاء من جهة أخرى؟
تعمل دار "رجاء للجميع" تحت مظلّة مجلس التّربية في سنودس النّيل الإنجيليّ في مصر، وتهدف إلى خدمة الكنيسة والمجتمع من خلال نشر الفكر الكتابيّ المسيحيّ المُصْلَح. تستمد الدَّار هُويتها من إيمانها العميق بالقيم المسيحيَّة وتعاليم الكتاب المقدَّس. وانطلاقًا من قناعتها التّامة أنّ النّهضة التي ترجوها للكنيسة لا يمكن أن تتأتى إلَّا من العودة إلى التّعليم الكتابيّ الأصيل والانطلاق منه، لذا تسعى "رجاء للجميع" لتقديم محتوى متجذِّر في التّعليم الكتابيّ والعقيدة المُصْلَحة، مع الحرص على مواكبة التّجديد والانفتاح على التَّحديات المُعاصرة. أما عن السُّوق فظني أنّه على ازدحامه المفترض، ما زال يستوعب المزيد، لكن ينقصه التنظيم والتخصّص، وهذا أمر يدفعنا للتفكير في كيان يضم الناشرين العرب المسيحيين، كيان يضمن الترتيب الذي ستظهر معه المساحات التي تحتاج لدور نشر جديدة تملأها، وربما يفتح هذا الكيان بابًا لتشجيع القراء وجذبهم والتخفيف عن كاهلهم. كل المشكلات ممكنة الحل متى جلسنا نفكر معًا.
-- ما المعايير التي تعتمدونها لاختيار الكتب التي تصدرونها؟
-الدار تهتم بالموضوعات التي تتناول أفكارًا جديدة هادِفة، وتتناسَب مع الواقع المُعاش. والتي تُعمِّق تُثري الفكر الكتابيّ المُستنير وتُشدَّد على القِيم المُجتمعيَّة المؤسَّسة على مبادئ كتابيَّة. القصص والرّوايات الأدبيَّة المؤسَّسة على أفكار كتابيَّة والتي تُثري الفكر المسيحي وتوسَّع آفاق الدّراسة والبحث، وتصنع فارقًا في خدمة الكنيسة. والقراءات التَّاريخيَّة، في تاريخ الكنيسة بصفة عامَّة، والكنيسة الإنجيليَّة بصفة خاصَّة؛ الكتابات التي تهتمّ بالبناء الشَّخصيّ؛ آليَّات تطبيق المبادئ الكتابيَّة في أمثلة حياتيَّة مُعاشة؛ كتابات التَّأريخ وتدوين الأحداث، لتكون مَرجعًا في المستقبل. وأيضًا بالدِّراسات الأكاديميَّة التي تقدِّم إساهمًا نظريًّا وتطبيقيًّا يخدم الكنيسة والمجتمع. –
ما التحديات الاقتصادية الأبرز التي تواجه دور النشر المسيحية اليوم في العالم العربي؟
-أظن أن التحديات هي تحديات عامة تواجه كل الناشرين. نحن -بأيادينا العارية- نواجه من جانب وحش التضخم وارتفاع الأسعار الجنوني، ومن الجانب الآخر تفترس مكتسباتنا المحدودة هجمات القرصنة والسرقات الأدبية التي يبدو ألا رادع لها. لكنك لن تسأل مسؤولا عن دار نشر -هو في الأصل معني ومهموم بالثقافة- إلا وسيجيبك أن ما يقضّ مضاجعنا جميعًا هو سؤال: كيف نوفر كتابًا قيّمًا بسعر في متناول القارئ؟!
-كيف تتعاملون مع ارتفاع تكاليف الورق والطباعة في ظل محدودية المبيعات؟
نحن ضحايا التضخم كغيرنا! نجتهد في انتقاء مركّز قدر الإمكان، ونتغاضى -آسفين- عن بعض الرفاهية في التصميمات والإخراج، وربما أحيانًا الخامات حتى نبقي الأمور في نصابها. أو كما يلخص الساسة هذه الآلية في "محاربة الغلاء بالاستغناء". أرجو ألا تتفاقم الأزمة أكثر! –
هل تتوقعون أن يكون النشر الإلكتروني مستقبل الكتاب المسيحي؟ النشر الإلكترونيّ وسيط مهم، لكنه ليس بديلا -على الأقل في رأيي. يجدر بنا استغلاله، لكن وفق سياقه وقدراته، وبالتأكيد وفق أخلاقيات وحقوق الملكية الفكرية. لدينا تجربة رائدة مع مكتبة ميناتي الإلكترونية التي دشنتها لخدمة طلاب اللاهوت، حيث منحناها عددا من إصداراتنا لتتيحها بشكل رقمي، فنحن لا نعادي التطور ما دام يعمل وفق ضوابط. لا أريد ان أبدو سوداويًا، لكن لو بقيت الفوضى العارمة التي تعصف بحقوق الملكية الفكرية على حالها، فالصناعة كلها -ورقية إلكترونية- في خطر.
- هل هناك دعم كنسي أو مؤسسي لداركم الجديدة، أم أن التمويل بالكامل خاص؟
ليس لنا أي دعم كنسي أو مؤسسي. نشأت الدار بجهد شخصي ودعوة خاصة من الدكتور القس راضي عطالله لهيئة التحرير التي تعمل متطوعة. نسعى لتكوين شراكات مع هيئات كميناتي وغيرها لإطلاق مشاريع مختلفة من باب توحيد وتنظيم الجهود الذي أتمنى أن يتطور لتعاون عام بين كل الناشرين المسيحيين كما أخبرتك سابقًا عن حلمي. - كيف تنظرون إلى مسألة التسعير — بين تحقيق الاستدامة المالية وبين الحفاظ على وصول الكتاب للقارئ البسيط؟ ثمَّ فارق نوعي يا عزيزي، دار النشر في قناعتنا هي خدمة في المقام الأول، لا تسعى للربح، وعليه فإن شغلنا الأول هو أن تصل كتبنا للقارئ بسعر يناسبه، ولو نستطيع لقدمناها مجانا. مسألة التسعير عندنا هي تغطية النفقات والحمد لله
. - ما الفئات التي تستهدفونها في إصداراتكم؟
نتحرك في عدّة سلاسل مثل: الدراسات الكتابية والقراءات التاريخية والمسيحية العربية والدراسات العقدية والأسرة والادب والدراسات الأكاديمية والحوارات الشبابية وغيرها، ما يجعل إصداراتنا تخاطب فئات عديدة من الشباب إلى الأكاديميين. - هل تخططون لترجمة كتب لاهوتية أو روحية من الخارج؟ في الحقيقة، نحن معنيون -كما قلت سابقًا- بتأصيل الأقلام العربية المسيحية، لتولد الكتابة من رحم مجتمعها، وعلى قائمة اهتمامنا تمكين الشباب الكتاب العرب المسيحيين من أدوات الكتابة من خلال عدد من ورش الكتابة التي طفنا بها محافظات مصر نعلم شباب الكتاب مهارات الكتابة والتخطيط وغيرها لنستثمر فيهم للغد. لكننا مع ذلك لا نستبعد الترجمات متى كانت ملحة ومطلوبة. - في ظل تراجع القراءة الورقية،
كيف تفكرون في جذب القارئ المسيحي المعاصر؟
نتعاون مع عدد من الهيئات لدعم مكتبات إلكترونية مختصة ومراقبة، توفر مادة محترمة وتؤمن ما توفره. لكننا إلى جانب هذا نعتمد على التواصل مع جمهورنا، من خلال ندوات الكتب التي نعقدها في محافظات مختلفة نتواصل فيها مع القراء، نعرفهم ويعرفوننا، ونجهز مخططاتنا من ملاحظاتهم. - ما رؤيتكم لدور الكتاب المسيحي في زمن السوشيال ميديا والمحتوى السريع؟ لا أنكر أن المحتوى السريع جاذب، من منا لا يشتهي المأكولات السريعة! لكن السرعة لا تفيد من يطلب علمًا حقيقيًا، لذا ما زلت أومن أن الكتاب مهم والتدوين حاجة، لكن يمكننا ان نستفيد من المحتوى السريع في التشويق لمحتوى أعمق من خلال الملخصات الترويجية –
هل ترون أن الكتاب المسيحي يُسهم في الحوار الثقافي العام أم يظل داخل الإطار الكنسي فقط؟
الكتاب المسيحي معني بالقارئ المسيحي، هذا القارئ يعيش سياقًا ثقافيًا واجتماعيًا يولِّد في أسئلة لا بد من تسديدها، وإلا تولدت القطيعة بينه وبينك. في القرن العاشر دعا الانبا ساويرس بن المقفع أسقف الأشمونين إلى استخدام اللغة العربية حتى لا ينعزل المسيحيون أو تسجن الكنيسة في قطيعة مع سياقها. الكتاب المسيحي فكر، ولا بد للفكر أن يحرك الحوار الثقافي المجتمعي وإلا أصبح تحفة جامدة لا تصلح إلا لصالات المتاحف.
- ما مدى تعاونكم مع معارض الكتب الكبرى مثل معرض القاهرة الدولي؟
إطلاق الدار كان في نوفمبر 2024، ونشارك -إن شاء الله- في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2026 من خلال موزعينا. - هل هناك خطط لإطلاق مجلة أو منصة إلكترونية موازية للنشر الورقي؟ نعمل على هذا بالفعل لكن من خلال شراكة مع شركاء آخرين.
- كيف يمكن للكنيسة أو الإعلام المسيحي أن يدعموا نشر الثقافة المسيحية بفاعلية أكبر؟
الدعم الأهم والأبلغ أثرًا، هو دعم فعل القراءة والبحث، وتغذية هذه الروح في الجيل الجديد من صغره، هكذا يقدم لك مستهلكًا ويهيئ لك سوقًا. إلى جانب هذا، جيد أن يسلط الإعلام الضوء على الكتابة والكتاب، إلى جانب مئات الساعات من الحوارات والبرامج وخلافه. باختصار إعادة القيمة وتحريك مركز الثقل ناحية الكتابة والقراءة. لكن هذا في الأصل يستدعي أن يكونوا على قناعة بأهمية هذا الأمر، عندها لن يألوا جهدًا في دعمه كما كان المأمون يدفع وزن التراجم ذهبًا ويؤسس للحكمة بيتًا.
- ما الإصدارات التي تخططون لإطلاقها في المرحلة القادمة؟
في المجموعة القادمة توسعنا في سلاسل النشر لنفتح بابًا للأعمال الأدبيّة، والأعمال المهتمة بالأسرة والتربية، وأيضًا الدراسات الأكاديمية المختصة التي تقتحم قضايا الكنيسة والمجتمع، وقد افتتحناها بدراسة أكاديمية عن قضية طلاق الأقباط، تلك القضية الحساسة التي يتقاطع فيها المجتمع الكنسي مع المدني. كما نسعى أيضًا لاقتحام مجالات أخرى مثل: الطّفل، المشورة الكتابيّة، السياسة الكنسيّة، سواء تأليف أو ترجمة، ونجتهد أكثر لإصدار كتابات تفحص التحديات المعاصرة للمسيحية، وإعادة نشر عددًا من الأعمال التراثيّة المهمة في تاريخ الكنيسة المشيخيّة لتعاون عام بين كل الناشرين المسيحيين كما أخبرتك سابقًا عن حلمي. –
كيف تنظرون إلى مسألة التسعير — بين تحقيق الاستدامة المالية وبين الحفاظ على وصول الكتاب للقارئ البسيط؟
ثمَّ فارق نوعي يا عزيزي، دار النشر في قناعتنا هي خدمة في المقام الأول، لا تسعى للربح، وعليه فإن شغلنا الأول هو أن تصل كتبنا للقارئ بسعر يناسبه، ولو نستطيع لقدمناها مجانا. مسألة التسعير عندنا هي تغطية النفقات والحمد لله
. - كباحث مرموق قدمت عدة كتب ما أهمها في رايك ؟
- "فارس بيت الحكمة" يقدِّم العمل لمحة عن الدور الريادي الذي لعبه مسيحيّو الشرق الأوسط في النهضة الثقافيّة والعلميّة، مما أسهم في جعل العربيّة لغةً للمعرفة والفكر. يركّز العمل على شخصية العلّامة حنين بن إسحاق العبادي (810–873م)، الطبيب والمترجم واللاهوتي العربيّ المسيحي، الذي برز في بيت الحكمة ببغداد، وترجم أعمال جالينوس وأبقراط بدقّة علميّة حفظت كثيرًا منها من الضياع. كما وضع أوّل مؤلَّف علميّ منهجيّ في طبّ العيون بعنوان العشر مقالات في العين، وخلّف عشرات المؤلفات في الطبّ واللاهوت. قدَّمت حنينًا مثالًا للمسيحيّ العربيّ الذي أسهم بعمق في بناء الحضارة العربيّة الإسلاميّة، وتأكيدًا وتحفيزًا لاستمرار عطاء المسيحيّين العرب في صياغة التراث الثقافيّ المشترك لهذه المنطقة عبر العصور. ومن كتبي أيضا "الكتاب المقدس في اللسان العربي قبل الإسلام" يتناول هذا العمل سؤالًا محوريًّا طالما شغل الدارسين، وهو: هل عرفت العرب الكتاب المقدّس في لسانها قبل الإسلام؟ إذ يُعدّ هذا التساؤل امتدادًا للبحث في الحضور المسيحيّ في التراث العربيّ قبل الإسلام، الذي تشير شواهد متعدّدة إلى عمقه وتأثيره الثقافيّ. فعلى الرغم من غياب أيّ مخطوط كامل لترجمة عربيّة للكتاب المقدّس تعود إلى ما قبل الإسلام، إلا أنّ وجود جماعات مسيحيّة عربيّة فاعلة، وشعراء جاهليّين مسيحيّين مثل أميّة بن أبي الصّلت وعديّ بن زيد العباديّ، يوحيان بأنّ نصوصًا كتابيّة كانت متداولة بالعربيّة في شكل جزئيّ أو شفهيّ. أهدف من هذا العمل تأكيد أصالة الوجود المسيحيّ العربيّ، ودحض دعاوى القطيعة بين العربيّة والمسيحيّة، والتشجيع على دراسات أوسع حول أثر النصّ المقدّس في التكوين الثقافيّ واللغويّ للعرب قبل الإسلام
. وفي كتابي "نبيّ مثل موسى" استكشف النبوءة الواردة في سفر تثنية 18: 15–18 التي يقول فيها موسى: «يُقِيمُ لَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي»، محاولًا الكشف عن هويّة هذا النبيّ، في ضوء القراءات اليهوديّة والمسيحيّة والإسلاميّة عبر التاريخ. يقدّم الكتاب مقاربةً لاهوتيّة تفسيريّة وتحليلٍ سياقيٍّ ولغويٍّ وتاريخيٍّ. تتناول الدراسة: طبيعة العهد والتوراة والمثال الموسويّ، والتأويل اليهوديّ القديم والمتأخّر للنصّ، والتأويل الإسلاميّ وبنية حجّته، وأعرض فيه لإحدى المجادلات الثريّة في التراث العربي المسيحي حول هذه النبوة، وهي المُجادلة التي جرت بين الخليفة المهديّ والجاثليق (بطرك الكنيسة الشّرقيَّة) تيموثاوس الأوَّل، والقراءة الآبائيّة، وكذا الأدلة الكتابيّة. أهدف من هذا العمل إلى إطلاع القارئ التأويلات المختلفة للنص المقدّس، ليستكشف كيف يتبلور التأويل في كل سياق، ما يحملنا مسؤولية الانتباه لسياقية التأويل ومعالجاته.
وفي "كنيسة شمال إفريقيا: تراثها وتاريخها" سلطت الضوء على هذا التراث الغنيّ من خلال دراسات بحثيّة تستعرض السياق التاريخيّ والحضاريّ والفنيّ للكنيسة في شمال إفريقيا، ويبحث في أسباب تراجع المسيحية هناك، مؤكّدًا أنّ إرثها اللاهوتيّ والثقافيّ ما زال جزءًا أصيلًا من تاريخ المسيحية والعالم المتوسطيّ. وفي كتاب "التجسد بيان الجود الإلهي" تناول هذا العمل أحد أهمّ موضوعات الجدل اللاهوتي في المسيحية، وهو قضيّة التجسّد وسببه، تركّز الورقة على إجابات اللاهوتيين العرب المسيحيين في العصور الوسطى الذين أرسوا منهجيّة دفاعيّة عقلانيّة استندت إلى مفهوم "الجود الإلهي" بوصفه تعبيرًا عن محبّة الله المطلقة، وهو مفهوم متجذّر في الوعي الفلسفي والأخلاقي العربيّ. تُحلِّل الورقة معالجة هذا المفهوم في عدد من النصوص اللاهوتيّة العربيّة، التي تُظهر كيف طوّر اللاهوتيون العرب خطابًا دفاعيًّا فلسفيًّا أصيلًا جمع بين الإيمان المسيحيّ والمنطق العقليّ المتأثّر بعلم الكلام الإسلاميّ
. وفي كتاب "التقديس الحاسم" ترجمة لعمل جون موراي "التَّقديس الحاسم" الذي يعرض عقيدة التقديس الحاسم بوصفها عملًا نهائيًّا يُجريه الله في بداية حياة المؤمن، ويركّز على أنَّ الكتاب المقدَّس نفسه، وخصوصًا في كتابات بولس الرسول. يعرض موراي ببراعة نماذج كتابيَّة لهذا النَّوع من التَّقديس، ليبيّن كيف أنَّ الاتحاد بالمسيح في موته وقيامته ليس فقط موضوعًا قانونيًّا أو تمثيليًّا، بل علاقة فعّالة تنتج آثارًا روحيَّة ملموسة، يتقدَّس بها المؤمن "مرَّة واحدة وإلى الأبد". نُشر هذ المقال لأوَّل مرة في مجلة كالڨن اللَّاهوتيَّة Calvin Theological Journal عام 1967، ومنذ ذلك الحين، أصبح مرجعًا كلاسيكيًّا في موضوع التَّقديس، لما يتضمّنه من عرض متكامل يجمع بين الشَّرح الكتابيّ، والتَّأصيل العقديّ، والتَّطبيق الرَّعويّ.
-وعلي أي موضوع تعمل الآن؟
- في حقل التراث العربي المسيحي، أعمل الآن على ورقة تعرض للمنهاجية العربية المسيحية التي طورها العرب المسيحيون في القرون الوسطى لشرح عقيدة من أكثر العقائد إثارة للجدل في هذا السياق، ألا وهي عقيدة الثالوث، وتد استمرارا لما قدمته سابقًا في عقيدة التجسد، وأنتوي استكمال بقية مسائل الجدل في هذه الحقبة، التي تلخصت في: صحة الكتاب المقدس، وصحة المسيحية، الصليب، بالإضافة إلى الثالوث والتجسد. عند اكتمال هذه الخماسية سنكون أمام خريطة لتجربة فريدة ملهمة. كما لا زلت أحلم باستكمال دراستي عن أقدم ترجمة عربية شعرية لسفر المزامير، ذلك العمل البديع الفريد، الذي نسج ببراعة في الاندلس في القرن التاسع الميلادي، لكنه مجهول غريب عنا، رغم أننا الأولى به والأجدر على تبيانه! وفي حقل اللاهوت الكتابي، أعمل على مشروع تمهيدي لقراءة وفهم واستخدام المزامير في الموروث اليهودي والمسيحي، دعوة لإعادة المزامير لدائرة الضوء وتنقيتها من تشوهات المستخدمين
العربيّ قبل الإسلام، الذي تشير شواهد متعدّدة إلى عمقه وتأثيره الثقافيّ. فعلى الرغم من غياب أيّ مخطوط كامل لترجمة عربيّة للكتاب المقدّس تعود إلى ما قبل الإسلام، إلا أنّ وجود جماعات مسيحيّة عربيّة فاعلة، وشعراء جاهليّين مسيحيّين مثل أميّة بن أبي الصّلت وعديّ بن زيد العباديّ، يوحيان بأنّ نصوصًا كتابيّة كانت متداولة بالعربيّة في شكل جزئيّ أو شفهيّ. أهدف من هذا العمل تأكيد أصالة الوجود المسيحيّ العربيّ، ودحض دعاوى القطيعة بين العربيّة والمسيحيّة، والتشجيع على دراسات أوسع حول أثر النصّ المقدّس في التكوين الثقافيّ واللغويّ للعرب قبل الإسلام. وفي كتابي "نبيّ مثل موسى" استكشف النبوءة الواردة في سفر تثنية 18: 15–18 التي يقول فيها موسى: «يُقِيمُ لَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي»، محاولًا الكشف عن هويّة هذا النبيّ، في ضوء القراءات اليهوديّة والمسيحيّة والإسلاميّة عبر التاريخ. يقدّم الكتاب مقاربةً لاهوتيّة تفسيريّة وتحليلٍ سياقيٍّ ولغويٍّ وتاريخيٍّ. تتناول الدراسة: طبيعة العهد والتوراة والمثال الموسويّ، والتأويل اليهوديّ القديم والمتأخّر للنصّ، والتأويل الإسلاميّ وبنية حجّته، وأعرض فيه لإحدى المجادلات الثريّة في التراث العربي المسيحي حول هذه النبوة، وهي المُجادلة التي جرت بين الخليفة المهديّ والجاثليق (بطرك الكنيسة الشّرقيَّة) تيموثاوس الأوَّل، والقراءة الآبائيّة، وكذا الأدلة الكتابيّة. أهدف من هذا العمل إلى إطلاع القارئ التأويلات المختلفة للنص المقدّس، ليستكشف كيف يتبلور التأويل في كل سياق، ما يحملنا مسؤولية الانتباه لسياقية التأويل ومعالجاته. وفي "كنيسة شمال إفريقيا: تراثها وتاريخها" سلطت الضوء على هذا التراث الغنيّ من خلال دراسات بحثيّة تستعرض السياق التاريخيّ والحضاريّ والفنيّ للكنيسة في شمال إفريقيا، ويبحث في أسباب تراجع المسيحية هناك، مؤكّدًا أنّ إرثها اللاهوتيّ والثقافيّ ما زال جزءًا أصيلًا من تاريخ المسيحية والعالم المتوسطيّ. وفي كتاب "التجسد بيان الجود الإلهي" تناول هذا العمل أحد أهمّ موضوعات الجدل اللاهوتي في المسيحية، وهو قضيّة التجسّد وسببه، تركّز الورقة على إجابات اللاهوتيين العرب المسيحيين في العصور الوسطى الذين أرسوا منهجيّة دفاعيّة عقلانيّة استندت إلى مفهوم "الجود الإلهي" بوصفه تعبيرًا عن محبّة الله المطلقة، وهو مفهوم متجذّر في الوعي الفلسفي والأخلاقي العربيّ. تُحلِّل الورقة معالجة هذا المفهوم في عدد من النصوص اللاهوتيّة العربيّة، التي تُظهر كيف طوّر اللاهوتيون العرب خطابًا دفاعيًّا فلسفيًّا أصيلًا جمع بين الإيمان المسيحيّ والمنطق العقليّ المتأثّر بعلم الكلام الإسلاميّ. وفي كتاب "التقديس الحاسم" ترجمة لعمل جون موراي "التَّقديس الحاسم" الذي يعرض عقيدة التقديس الحاسم بوصفها عملًا نهائيًّا يُجريه الله في بداية حياة المؤمن، ويركّز على أنَّ الكتاب المقدَّس نفسه، وخصوصًا في كتابات بولس الرسول. يعرض موراي ببراعة نماذج كتابيَّة لهذا النَّوع من التَّقديس، ليبيّن كيف أنَّ الاتحاد بالمسيح في موته وقيامته ليس فقط موضوعًا قانونيًّا أو تمثيليًّا، بل علاقة فعّالة تنتج آثارًا روحيَّة ملموسة، يتقدَّس بها المؤمن "مرَّة واحدة وإلى الأبد". نُشر هذ المقال لأوَّل مرة في مجلة كالڨن اللَّاهوتيَّة Calvin Theological Journal عام 1967، ومنذ ذلك الحين، أصبح مرجعًا كلاسيكيًّا في موضوع التَّقديس، لما يتضمّنه من عرض متكامل يجمع بين الشَّرح الكتابيّ، والتَّأصيل العقديّ، والتَّطبيق الرَّعويّ. -وعلي أي موضوع تعمل الآن؟ - في حقل التراث العربي المسيحي، أعمل الآن على ورقة تعرض للمنهاجية العربية المسيحية التي طورها العرب المسيحيون في القرون الوسطى لشرح عقيدة من أكثر العقائد إثارة للجدل في هذا السياق، ألا وهي عقيدة الثالوث، وتد استمرارا لما قدمته سابقًا في عقيدة التجسد، وأنتوي استكمال بقية مسائل الجدل في هذه الحقبة، التي تلخصت في: صحة الكتاب المقدس، وصحة المسيحية، الصليب، بالإضافة إلى الثالوث والتجسد. عند اكتمال هذه الخماسية سنكون أمام خريطة لتجربة فريدة ملهمة. كما لا زلت أحلم باستكمال دراستي عن أقدم ترجمة عربية شعرية لسفر المزامير، ذلك العمل البديع الفريد، الذي نسج ببراعة في الاندلس في القرن التاسع الميلادي، لكنه مجهول غريب عنا، رغم أننا الأولى به والأجدر على تبيانه! وفي حقل اللاهوت الكتابي، أعمل على مشروع تمهيدي لقراءة وفهم واستخدام المزامير في الموروث اليهودي والمسيحي، دعوة لإعادة المزامير لدائرة الضوء وتنقيتها من تشوهات المستخدمين
