باكوجا.. هدف استراتيجي للقوات الأمريكية في مواجهة الإرهاب بالصومال

الأربعاء 26/نوفمبر/2025 - 02:42 م
طباعة باكوجا.. هدف استراتيجي علي رجب
 
نفذت القوات الأمريكية الخاصة عملية عسكرية دقيقة منتصف ليل الثلاثاء الماضي استهدفت بئر باكوجا الواقعة في منطقة توغا ماريرو النائية، والتي تعد أحد أهم المعاقل الحصينة لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في الصومال،  تقع المنطقة المستهدفة على بعد نحو 39 كيلومترا من مدينة بوساسو الساحلية، العاصمة التجارية لإقليم بونتلاند شبه المستقل في شمال الصومال.

وتعتبر هذه العملية جزءا من الجهود الأمريكية المتواصلة لتفكيك شبكات التنظيمات الإرهابية في القرن الأفريقي، حيث تواصل الولايات المتحدة استراتيجيتها في مكافحة الإرهاب عبر عمليات استهداف دقيقة ضد قيادات وعناصر الجماعات المتطرفة في المنطقة.

 تفاصيل المواجهة المسلحة

أشارت التقارير الميدانية الأولية الواردة من المنطقة إلى اندلاع اشتباك مباشر وعنيف بين عناصر القوات الأمريكية الخاصة ومقاتلي تنظيم داعش المتحصنين في الموقع. وقد تمكنت القوات الأمريكية من إلقاء القبض على اثنين من أعضاء التنظيم على قيد الحياة، في حين أسفرت الاشتباكات عن مقتل عدد من المسلحين، وإن كانت الأعداد الدقيقة للقتلى لا تزال قيد التحقق والتأكيد من قبل الجهات الرسمية.، بحسب موقع المنشر الاخباري

لم تكشف المصادر الأمنية حتى الآن عن جنسيات العنصرين اللذين تم اعتقالهما، ما يثير تساؤلات حول التركيبة الدولية لعناصر التنظيم في المنطقة وما إذا كان من بينهم مقاتلون أجانب من جنسيات مختلفة. وعادة ما تحرص القوات الأمريكية على إجراء استجوابات مكثفة للمعتقلين للحصول على معلومات استخباراتية حيوية حول هيكل التنظيم وخططه المستقبلية.

السياق الجغرافي والاستراتيجي

تكتسب منطقة باكوجا أهمية استراتيجية خاصة بالنسبة لتنظيم داعش في الصومال، حيث توفر لها طبيعتها الجغرافية الوعرة والنائية ملاذا آمنا نسبيا بعيدا عن أعين القوات الحكومية والدولية. وتعتبر المنطقة الممتدة بين بوساسو والمناطق الجبلية المحيطة ممرا حيويا للتنظيمات المتطرفة، حيث تتيح لها التحرك والتخطيط لعملياتها بعيدا عن المدن الرئيسية.

تقع المنطقة ضمن نطاق جبال غوليس، وهي سلسلة جبلية وعرة شهدت عمليات أمريكية سابقة استهدفت قيادات بارزة في تنظيم الدولة، وقد استغل التنظيم هذه التضاريس الصعبة لإنشاء معسكرات تدريب ومخابئ محصنة يصعب الوصول إليها من خلال العمليات البرية التقليدية.

 داعش في الصومال: تاريخ وحضور

يعد فرع تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال من أصغر فروع التنظيم في القارة الأفريقية، لكنه يشكل تهديدا متناميا للاستقرار في منطقة شمال شرق الصومال. وقد أعلن التنظيم ولاءه للبغدادي في عام 2015، منشقا عن حركة الشباب المجاهدين الصومالية المرتبطة بتنظيم القاعدة.

يتمركز معظم عناصر التنظيم في إقليم بونتلاند، خاصة في جبال غوليس التي تمتد بين بوساسو وبلدة قنداله. وعلى الرغم من محدودية عدد مقاتليه مقارنة بحركة الشباب، إلا أن التنظيم نجح في تنفيذ عمليات نوعية وشن هجمات ضد أهداف حكومية ومدنية في المنطقة.

الاستراتيجية الأمريكية في مكافحة الإرهاب

تواصل الولايات المتحدة انتهاج استراتيجية متعددة المحاور في مواجهة التنظيمات الإرهابية في الصومال، تعتمد بشكل أساسي على عمليات الضربات الجوية الدقيقة والعمليات الخاصة المحدودة، بدلا من النشر العسكري الكثيف على الأرض. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى تقليل الخسائر الأمريكية مع الحفاظ على قدرة فعالة على استهداف القيادات الإرهابية.

وقد نفذت القوات الأمريكية عشرات الضربات الجوية في الصومال خلال السنوات الأخيرة، استهدفت قيادات وعناصر من حركة الشباب وتنظيم داعش على حد سواء. وتنسق واشنطن هذه العمليات مع الحكومة الصومالية الفيدرالية وحكومات الأقاليم، وتستند إلى معلومات استخباراتية دقيقة يتم جمعها عبر الطائرات المسيرة والأقمار الصناعية والعملاء على الأرض.

 التداعيات الأمنية والسياسية

تمثل هذه العملية ضربة موجعة لتنظيم داعش في الصومال، خاصة إذا كان الموقع المستهدف يضم بالفعل قيادات رفيعة المستوى كما تشير المعلومات الأولية. فاعتقال عناصر أحياء يعتبر مكسبا استخباراتيا كبيرا قد يؤدي إلى الكشف عن مزيد من المعلومات حول بنية التنظيم وشبكات تمويله وخططه المستقبلية.

من المتوقع أن تؤدي العملية إلى تشديد الإجراءات الأمنية في إقليم بونتلاند، حيث قد يسعى التنظيم إلى الانتقام عبر تنفيذ هجمات انتقامية ضد أهداف حكومية أو مدنية. كما قد تدفع العملية عناصر التنظيم إلى الانتقال إلى مناطق أخرى أكثر أمانا، ما قد يوسع من نطاق انتشاره الجغرافي.
 التحديات المستقبلية

على الرغم من نجاح العمليات العسكرية في القضاء على قيادات وعناصر إرهابية، إلا أن القضاء النهائي على التنظيمات المتطرفة يتطلب نهجا شاملا يتجاوز الحل العسكري. فالصومال لا يزال يعاني من هشاشة المؤسسات الحكومية، والفقر المدقع، وانعدام الفرص الاقتصادية، وهي جميعها عوامل تساهم في خلق بيئة خصبة لنمو التطرف.

تحتاج الحكومة الصومالية وحكومات الأقاليم إلى تعزيز قدراتها الأمنية والعسكرية لتكون قادرة على السيطرة على المناطق النائية ومنع التنظيمات الإرهابية من إعادة التمركز فيها. كما يتطلب الأمر جهودا تنموية واجتماعية لمعالجة الأسباب الجذرية التي تدفع الشباب الصومالي إلى الانضمام لهذه التنظيمات.


تعد العملية الأمريكية في باكوجا إضافة جديدة إلى سلسلة العمليات التي تستهدف التنظيمات الإرهابية في القرن الأفريقي، وتؤكد التزام واشنطن بمواصلة الضغط على هذه الجماعات رغم التحديات الأمنية والجغرافية. وبينما تنتظر المنطقة مزيدا من التفاصيل حول نتائج العملية وهوية المعتقلين والقتلى، تبقى مسألة القضاء النهائي على الإرهاب في الصومال رهينة بتحقيق الاستقرار الشامل وبناء دولة قادرة على بسط سيطرتها على كامل أراضيها.

شارك