استراتيجية "التطويق البطيء" كيف تهدد حركة الشباب بإسقاط مقديشو
الأربعاء 24/ديسمبر/2025 - 06:56 م
طباعة
علي رجب
تشهد العاصمة الصومالية مقديشو حالة من الاستنفار الأمني غير المسبوق، في ظل تطورات ميدانية متسارعة تشير إلى نجاح حركة الشباب في إحكام سيطرتها على مناطق استراتيجية شمال العاصمة، بما ينذر بعزلها جغرافيا عن عدد من الأقاليم الحيوية. ويأتي هذا التصعيد في ذروة الهجوم الواسع الذي تشنه الحركة منذ مطلع عام 2025، والذي أعاد رسم موازين القوى، خصوصا في المناطق الوسطى من البلاد.
سقوط “جاباد غودان” وتغير ميزان السيطرة
يمثل سقوط مدينة جاباد غودان في إقليم شبيلي الوسطى نقطة تحول خطيرة في المشهد الأمني. فعلى الرغم من إعلان الجيش الوطني الصومالي، في 21 ديسمبر/كانون الأول، تنفيذ عملية مضادة أسفرت عن مقتل 15 من مقاتلي الحركة، بينهم قيادات ميدانية بارزة مثل جعفر عدن، فإن هذه العملية لم تنجح في تغيير الواقع الميداني. إذ سارعت حركة الشباب إلى تعزيز انتشارها في المنطقة، مستفيدة من موقعها الاستراتيجي الذي لا يبعد سوى 50 إلى 70 كيلومترا عن مقديشو.
الطريق الساحلي.. شريان مهدد
الأخطر من ذلك هو سيطرة الحركة على أجزاء واسعة من طريق ورشيخ–مقديشو الساحلي، الذي يعد شريانا لوجستيا وتجاريا يربط العاصمة بأقاليم جلجدود والمناطق الوسطى. إقامة نقاط تفتيش عسكرية على هذا الطريق عطلت حركة الإمدادات والبضائع، خاصة بعد سقوط بلدة نور دوغلي وانسحاب القوات الحكومية وميليشيات “الماكاويسلي” القبلية منها، ما فتح المجال أمام الحركة لتوسيع نفوذها دون مقاومة تذكر.
استراتيجية “التطويق البطيء”
يرى محللون أمنيون أن حركة الشباب لا تستهدف اقتحام مقديشو بشكل مباشر في المرحلة الحالية، بل تعتمد على استراتيجية التطويق البطيء، القائمة على عزل العاصمة تدريجيا وقطع خطوط إمدادها. وتتجسد هذه الاستراتيجية في عدة مسارات متوازية:
شمالا: عبر التقدم الساحلي باتجاه راج جيلي وعدال، وهو ما يهدد بعزل مدينة جوهر، عاصمة ولاية هيرشابيل.
جنوبا: من خلال التوغل في شبيلي السفلى والسيطرة على الممرات المؤدية إلى طريق أفجوي، أحد أهم طرق الإمداد البري للعاصمة.
تقنيا ولوجستيا: باستخدام أدوات أكثر تطورا، من بينها طائرات مسيرة، مع تقارير غير مؤكدة عن حصول الحركة على دعم تسليحي عبر شبكات إقليمية.
تراجع الميليشيات القبلية وضعف الرد الحكومي
شكل انسحاب ميليشيات “الماكاويسلي” من عدة مناطق ضربة قوية للجهود الحكومية، إذ كانت هذه الميليشيات تمثل عنصرا حاسما في الانتصارات التي حققتها الدولة بين عامي 2022 و2023. إلا أن الانقسامات القبلية وتراجع المعنويات أضعفا قدرتها على الاستمرار. في المقابل، يقتصر الرد الحكومي حاليا على غارات جوية محدودة، غالبا بدعم أمريكي، وعمليات عسكرية خاطفة تفتقر إلى التنسيق الشامل، في وقت تواجه فيه الحكومة تحديات إضافية مع تقليص قوات بعثة الاتحاد الأفريقي.
تداعيات إنسانية وسياسية
انعكست هذه التطورات الأمنية سريعا على الوضع الإنساني داخل مقديشو، حيث بدأت أسعار السلع الأساسية بالارتفاع نتيجة تعطل طرق الإمداد، ما يفاقم الضغوط المعيشية على السكان. سياسيا، تثير هذه الأوضاع مخاوف من زعزعة الاستقرار الداخلي في توقيت حساس يسبق استحقاقات سياسية مهمة، ويضع الحكومة أمام اختبار صعب في قدرتها على الحفاظ على الأمن والسيطرة.
مع تقديرات تشير إلى امتلاك حركة الشباب ما بين 7 آلاف و12 ألف مقاتل، ونفوذ راسخ في المناطق الريفية عبر فرض الضرائب وإدارة الموارد، تبدو الحركة اليوم أكثر قدرة على المناورة والاستنزاف طويل الأمد. وفي ظل غياب استراتيجية حكومية متكاملة، يبقى خطر تطويق مقديشو قائما، ما يجعل الأسابيع المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كانت العاصمة ستتمكن من الصمود، أم ستدخل مرحلة جديدة من العزلة والضغط الأمني المتزايد.
