مالي بين فوهة الإرهاب ومأزق السياسة.. عودة الإمام ديكو من المنفى وارتباك المشهد الانتقالي
الجمعة 26/ديسمبر/2025 - 03:14 م
طباعة
محمود البتاكوشي
في توقيت بالغ الحساسية، حيث أصبح الأمن ومكافحة الإرهاب المعيار الأول لشرعية السلطة، عاد اسم الإمام محمود ديكو ليتصدر المشهد السياسي في مالي، ولكن هذه المرة من المنفى، مانحًا غطاءً معنويًا لكيان سياسي معارض وليد، في لحظة تتقاطع فيها التهديدات الأمنية مع انسداد الأفق السياسي.
يأتي هذا التحرك في وقت تعيش فيه العاصمة باماكو تحت ضغط أمني خانق، بعد أن تمكنت الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة من تطويق المدينة وقطع شرايينها الحيوية، في مؤشر خطير على هشاشة الوضع الأمني رغم الخطاب الرسمي المتفائل.
وفي خضم هذا المشهد، ظهر الإمام ديكو في مقطع مصور، معلنًا انضمامه إلى “ائتلاف القوى من أجل الجمهورية”، داعيًا الشعب المالي إلى “النهوض من أجل السلام”، في رسالة بدت موجهة إلى الداخل والخارج على حد سواء.
هذا الإعلان لم يكن معزولًا عن السياق الإقليمي، بل تزامن مع انعقاد القمة الثانية لرؤساء دول تحالف الساحل، التي جمعت قادة مالي وبوركينا فاسو والنيجر فبعد وصول الرئيس الانتقالي في النيجر، الجنرال عبد الرحمن تياني، إلى باماكو، لحق به النقيب البوركيني إبراهيم تراوري، وكان في استقباله الجنرال أسيمي غويتا، الرئيس الانتقالي لمالي والرئيس الحالي لتحالف دول الساحل.
وقد أجبرت القمة على اختصار أعمالها إلى يوم واحد فقط، بسبب تأخر غير مفسر في وصول تراوري، ما أضفى على اللقاء طابعًا مرتبكًا يعكس بدوره تعقيدات المرحلة.
وبوصول القادة الثلاثة، توجهوا مباشرة، بملابسهم العسكرية المعتادة، إلى مقر محطة تلفزيون تحالف دول الساحل لحضور حفل إطلاقها الرسمي، في خطوة تحمل دلالات رمزية واضحة على مركزية الخطاب الأمني والعسكري في إدارة الشأن العام.
وفي مساء اليوم ذاته، خرج الجنرال غويتا عبر التلفزيون المالي ليقدم تقييماً أوليًا لما وصفه بـ”إنجازات” التحالف، مشيرًا إلى حماية الموارد الطبيعية، وتعزيز التنسيق الدبلوماسي، والأهم “تحقيق تقدم كبير في المجال الأمني” ضد الجماعات الإرهابية، مؤكدًا أن البلاد باتت “حرة في التنقل”.
غير أن هذا الخطاب الرسمي يتناقض مع الوقائع الميدانية التي كشفت عن تصاعد غير مسبوق في الهجمات، ما أتاح مساحة لعودة الأصوات المعارضة ففي هذا السياق، كسر الإمام محمود ديكو صمته، معلنًا انضمامه إلى “ائتلاف القوى من أجل الجمهورية”، الذي يعرف نفسه كحركة مقاومة سلمية تسعى إلى إنهاء العنف وإعادة السلام.
وأكد ديكو، في رسائل مصورة باللغتين الفولانية والبامبارا، أن تحركه جاء استجابة لنداءات شعبية تطالبه بالتدخل “لوضع حد للمعاناة والقتل المستمرين”.
الائتلاف المعارض، الذي أطلق مطلع ديسمبر الجاري، يقوده الأكاديمي إتيان فاكابا سيسوكو، الذي اضطر إلى مغادرة مالي بعد قضائه عامًا في السجن، في مؤشر آخر على تضييق المجال السياسي، أما ديكو، الذي يوصف داخل الائتلاف بـ”الممثل الجمهوري”، فيقيم في المنفى بالجزائر منذ ديسمبر 2023، ويؤكد أن السلطات الانتقالية تمنعه من العودة إلى البلاد، فضلًا عن اعتقال عدد من أنصاره، وهي اتهامات لم تؤكدها الحكومة.
في خطابه، دعا ديكو إلى الوحدة والحوار، معتبرًا أن الأزمة الراهنة لا يمكن حلها بالقوة وحدها، ومشددًا على أن “الجميع يعاني” في ظل واقع يمنع حرية التعبير ويغلق أبواب المشاركة السياسية، كما وجّه نداءً خاصًا إلى عرقية الفولاني، التي ينتمي إليها، في ظل ما تتعرض له من استهداف مزدوج، سواء من قبل الجماعات الإرهابية التي تسعى لتجنيد أبنائها، أو من خلال عمليات أمنية تتهمها قطاعات واسعة بالخلط بينها وبين التنظيمات المتطرفة.
كما يضيف هذا البعد العرقي طبقة أخرى من التعقيد إلى الأزمة، حيث يرى كثير من قادة الفولاني أنهم يدفعون ثمن هذا “الخلط” القاتل؛ ما يعمق الشعور بالتهميش ويفتح الباب أمام مزيد من الاحتقان. وفي المقابل، تعلن شخصيات سياسية ومجتمعية بارزة تباعًا دعمها للائتلاف المعارض، من بينهم الوزير السابق حسيني أميون غويندو، بينما تشير مصادر أخرى إلى أن أطرافًا عدة تنتظر موقفًا أوضح وأكثر تصعيدًا من الإمام ديكو قبل الانضمام رسميًا.
