حسن حماد: الإرهاب الديني هو الخطر الأكبر الذي يهدد الكثير من الدول العربية

الأربعاء 07/أغسطس/2019 - 02:17 م
طباعة حسن حماد: الإرهاب حسام الحداد
 
حسن حماد واحدا من أبرز الباحثين المصريين المناهضين لتيار الإسلام السياسي، وتوصف آراؤه بأنها جريئة جدا، وتعتبر كتاباته تفنيدا عقلانيا لمخاطر خلط الدين بالسياسة في مصر والعالم العربي.
هو من مواليد محافظة المنيا، جنوب القاهرة سنة 1957، ودرس الفلسفة، وحصل على درجة الماجستير عن “الاغتراب عند إيريك فروم”، ثُم الدكتوراه عن “النظرية النقدية عند هربرت ماركيوز”، ومن بعدها تخصص بشكل كبير في نقد حركات الإسلام السياسي وتعمق في دراسة التيارات الأصولية.
وشغل خلال مسيرته الفكرية عدة مواقع علمية رفيعة، بينها عميد كلية الآداب جامعة الزقازيق، شمال القاهرة، ورئيس جمعية الفنون والآداب، وعضو بلجنة الفلسفة في المجلس الأعلى للثقافة. وله مؤلفات ودراسات عديدة ومتنوعة من أهمها “الخيال اليوتوبي” و”النقد الفني وعلم الجمال” و”مفهوم العبث بين الفلسفة والفن” و”التقدم” و”دوائر التحريم، السلطة، الجسد، والمقدس”، و”ذهنية التكفير.. الأصوليات الإسلامية والعنف المقدس”. ونال جائزة الدولة التشجيعية في الآداب عن دراسة بعنوان “محنة العبث ورحلة البحث عن خلاص”.
ويعتبر الباحث حسن حماد أن هناك فرصا لمقاومة الأصولية وتفكيكها وشل قدراتها التخريبية من خلال عمل مؤسسي منظم تقوم به الأنظمة الحاكمة في العالم العربي.
وقال حسن حماد، في حواره الذي أجراه معه الكاتب مصطفى عبيد لـ”العرب”، “يجب أن ننتبه إلى أن الإرهاب الديني ما زال هو الخطر الأكبر الذي يهدد الكثير من الدول العربية”.
انحسار الإسلام السياسي لا يعني نهايته
لا يعني انحسار أدوار الجماعات الإسلامية -ومنها على وجه التحديد جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة- انتصارا نهائيا ومضمونا لمفهوم الدولة العلمانية، فجل الدول والمجتمعات العربية ما زالت محاطة بمخاطر خلط الدين بالسياسة وبالإرهاب الديني، لعدة أسباب ثقافية وحضارية وسياسية. كما أن غياب قادة الإسلام السياسي عن المشهد مؤخرا لأسباب عدة لا يعني البتة التخلص ممّا تركوه من أدبيات متطرفة، وكل هذا يتطلب احتشاد المثقفين والمفكرين لمناهضة هذه التيارات الإسلامية وخلق فلسفة جديدة تقود الدول وقادتها إلى علمنة أنظمتها وجعلها متسقة مع مبادئ الدولة المدنية الحديثة. هذا الطرح الفكري كان محل نقاش وحديث أدلى به الباحث المصري حسن حماد لصحيفة “العرب”.
 ليس أخطر علينا من قتلة يقتلون باسم السماء؛ مَن يختلف معهم ملعون، ومَن يخالفهم كافر، ومَن يعارضهم حلال الدم. ذلك خطر خلط الدين بالسياسة، وتلك إشكالية العالم العربي المكررة والممتدة من الخليج إلى المحيط، لتعصف بالتنمية، وتصطدم بالتحضر، وتُكرّس الكراهية والعنف.
هذا ما اعتبره حسن حماد، الباحث وأستاذ الفلسفة المصري، الهم الأعظم الجدير بالتحليل والدراسة والتعمق. ورأى أننا في حاجة ماسة إلى وضع حواجز مستقبلية حقيقية أمام الأصولية الضاربة في المجتمعات العربية، ومنعها من التمدد.
وأكد حماد في حواره مع “العرب” أن المثقفين مطالبون بالاحتشاد والتحاور والتشاور بشأن مستقبل الأصولية، وأن اعتقاد البعض في انحسار ظاهرة الإرهاب الديني بتواري بعض التيارات أو غياب صوتها تصور خاطئ، لأن الوجدان الشعبي في مصر وفي الكثير من البلدان العربية ما زال مسكونا بالفكر الأصولي، ولا يعني غياب القيادات بالسجن أو الهرب توقفَ الخطر، فكم غابت تلك القيادات من قبل في عصور مضت؟
ويرى ببساطة أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر مثلا انتهى وجودها كتنظيم قوي، لكنها موجودة كفكرة، وتتحين الفرصة السانحة للعودة بقوة استغلالا للأزمة الاقتصادية التي لا تجد حلولا عملية ناجعة.
ومع المشكلات الحياتية المتعددة وفراغ الساحة السياسية، يتجه العامة نحو الحلول الغيبية أو المعجزات، لذا “فكلما ضاقت الأرض اتسعت السماء”، لأن الناس يسعون إلى الفكر الديني لمواجهة الفقر والتخلف والضعف، وهو ما يمثل للأصولية فرصةً للتغول والتسيد على المجتمع مرة أخرى.
ورأى حماد أن الأصولية القابعة في مصر تحت لافتات غير سياسية تتحين فرصةَ الظهور للعلن في أي لحظة من لحظات الضعف، “إنها ليست قاصرة على مصر وإنما هي متمددة في المجتمعات العربية على المستويات الشعبية، من خلال جمعيات أهلية ودعوية رسمية في كثير من الأحيان”.
وأضاف أنه مندهش من رؤية جماعات سلفية تعمل بتصريح من وزارة الأوقاف في مصر، باعتبارها جمعيات أهلية رسمية، ولا فرق بين كل من الفكر الإخواني والتصوّر السلفي ونظيره الجهادي، والتباينات مقصورة على الممارسات، لكن جميع التيارات الدينية تتفق مع فكرة الحاكمية، وحلم الخلافة، وتطبيق الشريعة. كما تتفق أيضا مع الموقف من الآخر والمرأة والديمقراطية.
بالطبع، تلك سمة طبيعية في العقل الأصولي، لكونه عقلا “دوغمائيّا” لديه اعتقاد مطلق في امتلاك الحقيقة، ومن ثم فإن كل من هو غيره كافر أو على ضلال، وذلك موجود في كل الأصوليات سواء أكانت أصوليات إسلامية أم أصوليات أخرى.
وذكر أن “الداعشي” يتصور أن الله أقرب إليه من أي شخص آخر، ويزعم أنه يقتل الناس في سبيل الله، وليس غريبا أن تجد سلفيا يكفّر الإخواني، وقد تجد داعشيا يكفر السلفيين، والعكس صحيح أيضا، لأن الكل يعتقدون أنهم أصحاب الحق المطلق، وحتى في تاريخ الإسلام سنجد أن كل فريق يفترض أنه على حق، والآخر على باطل.
استدعى حسن حماد رواية الروائي الإيطالي إمبرتو إيكو المعنونة بـ”اسم الوردة” ليشير إلى بيورغي سيد الدير، وهو مَن يرى نفسه خازن المعرفة الذي لا يكتف باحتكارها وتحريمها، بل يتجاوز ذلك إلى الحكم بإعدام كل من يقترب منها، فانتهى به الأمر في نهاية المطاف إلى حرق الدير نفسه الذي أراد أن يصونه.
لكن قبل أن يموت استمع إلى عبارات نقيضه الذي كان يؤمن بالتسامح دي بارسكافرفيل التي تقول “الشيطان ليس أمير المادة، الشيطان هو صلف الفكرة، هو الإيمان دون ابتسام، هو الحقيقة التي لا يعتريها الشك”.
ويكذب الأصولي باسم الله، يكره، يحرّض، يقتل، يدمّر، ويرتكب الجرائم الإنسانية بتصور أنه ظل الله على الأرض. وليس أدل على ذلك من استدعاء تبريرات القتلة من جماعات الإسلام السياسي تجاه خصومهم.
ومن ذلك ما ورد في كتاب “النظام الخاص للإخوان المسلمين” للكاتبة سوزان حرفي، حول قيام الإخوان باغتيال محمود فهمي النقراشي رئيس وزراء مصر سنة 1948 بعد قراره بحل جماعة الإخوان، وما ذكره شباب الإخوان من تبريرات تصل إلى حد الاعتقاد في أنهم يطبقون مراد الله، ومنهم يوسف القرضاوي الذي كان أحد شباب الجماعة وقتها، وكتب شعرا يمدح فيه عبدالمجيد حسن، قاتل النقراشي، قال فيه “عبدالمجيد تحية وسلاما/ أبشر فإنك للشباب إماما/ سممت كلبًا جاء كلبٌ بعده/ ولكل كلبٍ عندا سماما”.
وحول صمود الأصولية وتناميها المستتر، إلا أن هناك فرصا لمقاومتها وتفكيكها وشل قدراتها التخريبية من خلال عمل مؤسسي منظم تقوم به الأنظمة الحاكمة في العالم العربي.
شدد حسن حماد على أن مستقبل جماعات الإسلام السياسي مرتهن بقدرة الأنظمة الحاكمة على علمنة مؤسسات الدولة بجرأة وحسم حقيقيين.
وضرب مثلا الدستور المصري الذي تنص مادته الثانية على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، معتبرا ذلك خضوعا للمد الأصولي وابتعادا عن العلمانية الحقيقية، مكررا أن العلمنة ليست كفرا أو خروجا عن الدين بقدر ما هي تنزيه له.
وأوصى بإلغاء تلك المادة تماما، لأنها تبقى ذريعة لدى التيارات الدينية المختلفة للتدخل في شؤون السياسة، وعلى الأنظمة السياسية مساندة وجود تيارات سياسية فاعلة في الشارع، وذلك لا يضعف قوةَ النظام أبدا، وتلك القوة هي المدنية المتنوعة بمختلف فروعها، يمينية أو يسارية أو وسطية، مع الحذر الشديد من السماح بإنشاء أحزاب ذات مرجعية دينية.
وطالب حماد بضرورة تحرير الفكر والإبداع تحريرا كاملا وحقيقيا دون قيود، مع منع توغل المؤسسات الدينية في الحياة المدنية، وقال مفصّلا رأيه “ليس لدي مانع في إنشاء مؤسسات تعليمية لاهوتية، أو الإبقاء على بعض المؤسسات التقليدية القائمة، لكن لا ينبغي لهذه المؤسسات أن تتدخل في شؤون الثقافة والإبداع أو غيرهما”.
وأضاف أن الأزهر مؤسسة تعليمية فقط، ونحن جميعا نحترمها ونقدر مكانتها، لكن ليس لها الحق في أن تتجاوز نطاق التعليم إلى مناحي الحياة. ودلف الحوار إلى الطرح المكرر -سواء من جانب الدولة أو من جانب بعض المؤسسات الدينية- الذي ينادي بتجديد الخطاب الديني، واعتبر حماد أنه من السذاجة تصور أن تتخلى المؤسسات الدينية عن مكانتها وهيمنتها ونفوذها، لافتا إلى أن لعبة المصطلحات خادعة، وأنه يجب تحجيم الخطاب الديني أو تغييره، بمعنى وقف تغوله على الجوانب السياسية والحياتية.
وقال حسن حماد، إنه إذا تحرر الخطاب السياسي وتقدم الخطاب الثقافي تجدد الخطاب الديني، وتحوّل إلى خطاب أكثر تحضّرا.
تأثرت مناحي الفكر العربي خلال العقود الماضية بتمدد الأصولية، وتراجع الطروحات العلمية والفلسفية الخلاقة الرامية إلى تطوير الإنسان وتحديثه، وإذا كان الكثير من المثقفين يلومون أساتذة الفلسفة وباحثيها على عدم طرح أفكار ورؤى عربية معاصرة، فإن حسن حماد يرد على هذا اللوم بصراحة شديدة قائلا “إن الخوف ما زال مقيدا للأدمغة”.
وأكد أن الحالة العربية الراهنة لا تنشئ تفكيرا فلسفيا حقيقيا، فطالما الخوف يسيطر على العقول -خاصة الخوف من المقدسات- سنبقى بعيدين تماما عن المبادرة بالطرح أو التخصص في أفكار جديدة من أجل الإنسان، و”لا بد من التحرر الكامل والتفكير بلا قيود”.
المؤسف أن المنطق العربي الجمعي ما زال يفكر من منطلق لاهوتي. وما زال يضع في حساباته منطق القبيلة والذكورة ومسلمات المجتمع.
وذكر حماد أن هناك محاولات نادرة لعلماء وباحثي الفلسفة خاصة في دول شمال أفريقيا، لكنها جميعا محاولات لا ترقى إلى مرحلة إنتاج فلاسفة جدد.
وأوضح أنه من الغريب أن معظم الباحثين الأجلاء الذين طرحوا أفكارا تقدمية رائعة مثل محمد أركون، ومحمد عابد الجابري، وجورج طرابيشي، وحسن حنفي، ونصر حامد أبوزيد، تدور معظم محاولاتهم حول الدين، ما جعل النقاشات اللاهوتية تشغلهم أكثر من الأفكار بشأن الحرية أو الإنسان، “لقد ظلوا أسرى ثقافة الجلد بتعبير أستاذ الفلسفة”، بتعبير الفيلسوف الراحل الدكتور صلاح قنصوة.
وحول أطروحات البعض لاستدعاء قيم مدرسة المعتزلة الإسلامية أو أفكار ابن رشد الخاصة بالتسامح لنبذ التعصب، قال حماد “أنا ضد استدعاء رؤى أو تراث أي فصيل من الماضي أو طرح أفكار سلفوية تقول إننا بحاجة إلى ابن رشد  أو غيره، لأن الواقع في العالم الغربي تجاوز كل الأفكار الماضوية، وحتى التنوير الذي ما زلنا نبشر به تجاوزته أوروبا تماما ووصل الأمر إلى أن الباحثين الجدد قاموا بانتقاد العقل نفسه وتفكيك طروحات التنوير والحداثة وغيرها من الطروحات الأخرى”.

شارك