تنظيم "فتح الإسلام" من التمرد على "أبو عمار" إلى أحضان "القاعدة"

السبت 10/سبتمبر/2022 - 09:45 ص
طباعة تنظيم فتح الإسلام حسام الحداد
 

النشأة / انشقاق عن انشقاق

ظهرت حركة فتح الإسلام إلى حيز الوجود لأول مرة في شهر نوفمبر من عام 2006 بعد انشقاقها عن حركة "فتح الانتفاضة" الفلسطينية المتمركزة في لبنان.
تنظيم فتح الإسلام
وحركة فتح الانتفاضة هي تنظيم فلسطيني شكل عام 1983 على يد نائب قائد قوات العاصفة أبو صالح والعقيدين "أبو موسى" و"أبو خالد العملة" و"أبو فاخر عدلي الخطيب" إثر انشقاقهم عن حركة فتح الفلسطينية.
وقد أيدت سوريا هذا الانشقاق ودعمته بقوة وهو ما يفسر نشوب عدة معارك في البقاع وطرابلس ضد الموالين لياسر عرفات، ثم انتقال الصراع في ما بعد إلى المخيمات حيث شاركت فتح الانتفاضة، حركة أمل، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة ومنظمة الصاعقة في ما سمي بحرب المخيمات بين 1985 و1988.
وحرب المخيمات هي المعارك التي دارت بين مايو 1985 ويوليو 1988 بين قوات حركة أمل والجيش السوري والجيش اللبناني وبعض الفصائل الفلسطينية المدعومة من قبل سوريا من ضمنها حركة فتح الانتفاضة، ضد قوات فتح الموالية لياسر عرفات ومقاتلي حركة "المرابطون"، حول مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في بيروت. 
ياسر عرفات
ياسر عرفات
وتوضع هذه الحرب في إطار صراع سوريا وحليفتها أمل ضد نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات في لبنان، وقد انتهت المعارك بخروج قوات ياسر عرفات إلى مخيمات الجنوب، وكبح جموح السلاح الفلسطيني داخل لبنان، وانحسار المقاومة الفلسطينية داخل المخيمات.
وقد لعبت حركة فتح الانتفاضة دوراً كبيرا بعد اندلاع الحرب في سوريا، حيثُ كان لها دور محوري في قتال جبهة النصرة والتنظيمات المسلحة داخل مخيم اليرموك منذ منتصف 2012 بعد سقوط المخيم بيد قوات المعارضة السورية لا سيما جبهة النصرة والجيش الحر، فضلا عن ذلك لعبت فتح الانتفاضة دورا مهما في استعادة مخيم الحسينية القريب من مطار دمشق الدولي، حيث خاضت معركة اقتحام المخيم وطرد قوات المعارضة السورية منه، وحاليا فتح الانتفاضة تسيطر على مخيمي جرمانا والحسينية وتقود قوات الدفاع الوطني هناك.

ظهور فتح الإسلام

سعيد مراوغة (أبو
سعيد مراوغة (أبو موسى)
بدأت الخلافات تدب في صفوف حركة فتح الانتفاضة عام 2006، ففي شهر نوفمبر لنفس العام فصل سعيد مراوغة (أبو موسى) أمين سر فتح الانتفاضة مساعده أبو خالد العملة على خلفية اتهامه بارتباطه بانشقاق أصولي سمي "فتح الإسلام"، فيما قامت السلطات السورية باحتجازه. 
وقد ثارت احتجاجات واسعة في صفوف الحركة على خلفية هذا الفصل وما تبعه من فصل أمين سر إقليم الأردن إبراهيم عجوة المسمى "أبو يافا"، وهو عضو مجلس ثوري ومن المقربين من "أبو خالد العملة"، وقد تراجع أبو موسى لاحقاً عن عملية الفصل بحق "أبو يافا" تحت ضغط الاحتجاج الواسع.
وعلى خلفية الأحداث قدم القيادي البارز في حركة فتح الانتفاضة أبو فاخر عدلي الخطيب استقالته؛ مما أثار غضب الحركة ولم تقبل قرار الاستقالة؛ لأنه عماد الحركة السياسي والإعلامي والتنظيمي وعاد بعد استقرار الوضع، وبعد عمليات فصل واسعة وإعادة تشكيل أدت إلى إعلان أعضاء ومنتسبي الحركة في فلسطين إلى إصدار بيان يدين قيادة الحركة ويعتبرها تسعى إلى تدميرها، ومضمونه أن يرجع أبو موسى عن كل بيانات فصله.
هذا وقد صدر قبل ذلك بيان باسم كوادر ومنتسبي الحركة في فلسطين يخالف موقف القيادة حول تصورها لأحداث غزة، واعتبر البيان أن أبناء الحركة في الداخل هم أعرف بالوضع من القيادة في الخارج، وأشار بيان الإدانة إلى أنهم سيفضحون المستور والمؤامرة على الحركة وأن صمتهم فقط للحفاظ على سمعة الحركة وبعض الحلفاء في إشارة توحي بأن كل الموضوع هو مؤامرة كان أبو موسى مجرد أداة فيها، واتهم البيان قيادة "أبو موسى" بحجب الأموال ومستحقات المعتقلين في فلسطين ومنهم العديد من المعتقلين في مناطق الـ 48، كما اتهم البيان القيادة بأنها تبتز المناضلين والمعتقلين بلقمة العيش؛ من أجل إجبارهم على عدم انتقاد الوضع الحركي السيئ والخطوات غير الشرعية التي تم اتخاذها في الحركة. 
بعدها قام أبو موسى بفصل "أبو يافا" بدعوى أنه يسعى مع "أبو خالد العملة" لتأسيس تنظيم قومي. 

اشتباك مخيم البداوي والظهور الأول

اشتباك مخيم البداوي
كان الظهور الرسمي الأول لـ"فتح الإسلام" كمجموعة مستقلة عن "فتح الانتفاضة" بعد الاشتباك المسلح الذي وقع في مخيم البداوي الفلسطيني في شمال لبنان أواخر نوفمبر عام 2006، بين عناصر من "الكفاح المسلح" الفلسطيني وجماعة منشقة عن حركة فتح- الانتفاضة، وكان هذا الاشتباك الإشارة الأولى حول وجود هذه المجموعة.
 وقد ترددت حينها معلومات بأن هذه المجموعة تتبع لجند الشام، بعدها تناثرت أنباء بأن 13 مسلحا أصوليا فروا من المخيم بعد الاشتباك إلى مخيم نهر البارد بينهم باكستانيون، كانوا قدموا إلى المخيم باسم جماعة أهل الدعوة، ومصري وعراقيان وسوري وفلسطيني والباقون لبنانيون.
وأفاد تقرير أمني لبناني نشر وقتها بأن المسئول في فتح- الانتفاضة أبو خالد العملة أصدر فور الحادثة أوامره إلى مسئول المنظمة في مخيم البداوي خليل ديب الملقب بـ"أبو ياسر" بترحيل أي عضو يحمل الجنسية السورية بعدما تبلغ أن السلطات اللبنانية تسلمت عنصرين من الجماعة قبض عليهما بعد الاشتباك، وهما حسام محمد صيام المعروف بأبي محمد السوري، والسعودي محمد صالح سالم، وقد قبض الأمن السوري على العملة لاحقا وتم وضعه تحت الإقامة الجبرية.
 بعدها أعلنت مجموعة موجودة في مواقع فتح- الانتفاضة في مخيم نهر البارد والتي أطلقت على نفسها بعد ذلك "فتح الإسلام" البيان رقم واحد الذي تقول فيه إنها انفصلت عن المنظمة تحت اسم فتح الإسلام، وقد قدر التقرير عدد عناصر المجموعة بـ300 عنصر مسلح تسليحا جيدا وحديثا بينهم نساء مسلحات أيضا، هن زوجات وقريبات المسلحين الذين قدموا إلى المنطقة مع عائلاتهم.
وسيطرت فتح الإسلام في المخيم على ثلاثة مواقع هي:
ـ موقع صامد القريب من شاطئ البحر ومساحته نحو 1000 متر مربع، وهو محاط بسواتر من الإسمنت المسلح وله ثلاثة مداخل.. وداخل هذا الموقع بناء مساحته نحو 500 متر مربع مؤلف من طابقين يضم الأول مكاتب.. وفي الموقع 3 سيارات عسكرية تحمل رشاشات متوسطة واحد من طراز (دوشكا) الروسي الصنع، والثاني عيار 500 ملم الأمريكي الصنع والثالث رباعي الفوهات، إضافة إلى مستودع للأسلحة تمت السيطرة عليه من قبل المجموعة.
ـ بناية اللجنة الشعبية وهي على المدخل الرئيسي للمخيم لجهة الشمال، ويوجد فيها سيارة تحمل رشاشا رباعي الفوهات.
ـ مكتب فتح- الانتفاضة في الشارع الرئيسي للمخيم.

القيادات

شاكر العبسي
شاكر العبسي
قدم شاكر العبسي المسلح الفلسطيني المعروف لوسائل الإعلام بأنه زعيم حركة "فتح الإسلام"، والذي حُكم عليه هو وأبو مصعب الزرقاوي، الزعيم السابق لتنظيم القاعدة في العراق والذي لقي مصرعه عام 2006 في الأردن بالإعدام غيابيا بسبب قتلهم الدبلوماسي الأمريكي لورانس فولي في العاصمة عمان عام 2002.
والعبسي هو قيادي طيار في أحد جيوش منظمة التحرير الفلسطينية، وقد تم القبض عليه بتهمة محاولة تنفيذ عملية في الجولان، وقد حكمت فعلاً بتهمة حيازة السلاح ونقل السلاح إلى فلسطين هذا بحسب تصريحاته هو شخصياً، أما السلطات السورية فقد صرحت أن التهمة التي وجهت له كانت الانضمام لتنظيم القاعدة وقد نفى العبسي ذلك. للمزيد عن شاكر العبسي ......... اضغط هنا
لكن تناثرت بعض التحليلات أن تقديم العبسي لوسائل الإعلام ما هو إلا تمويه حتى لا يظهر الزعيم الحقيقي للتنظيم، ويرى هذا الرأي أنه من غير المعقول تقديم زعيم التنظيم للسلطات هكذا على الملأ.
وحسب الخبير في شئون الجماعات المسلحة بالشرق الأوسط، محمد عبد الرحمن الذي صرح لبعض وسائل الإعلام قائلاً: إن قيادات الصف الأول الذين يديرون الفكر والتنظيم وسياسة الحركة هم الثلاثي: محمد علي عمر (أبو حطاب) ولد في سوريا ويحمل الجنسية اللبنانية ويعيش في طرابلس، وشخص يسمى مروان وهو فلسطيني، والسوري محمد. ح. 
و محمد علي عمر أبو خطاب في الثلاثينيات من عمره، وهو معروف جيدا في طرابلس، ويحمل أيضا لقب أبو عزام، إلا أن هذا اللقب ليس شائعا إلا في الدوائر القيادية للتنظيم، ويقال إنه كان في الشيشان وأفغانستان، ويقال إنه المسئول الأول عن تأسيس التنظيم وليس شاكر العبسي.
 وأما مروان الذي لا يعرف اسمه كاملا فهو فلسطيني ويمسك الملف المالي للتنظيم، مقيم في مخيم عين الحلوة وكان يسافر لبغداد دائما، وأما السوري محمد.ح فقد كان مسئولا عن نقل الأوامر والتعليمات من المسئول الأول، وساعد المتطوعين الذين سافروا إلى العراق بالعودة إلى لبنان، وسبق له أن كان في القائم والأنبار في العراق.

التنظيم والقاعدة

التنظيم والقاعدة
أشارت تحليلات عدة بأن تنظيم "فتح الإسلام" هو عبار ة عن مجموعة تتألف من تيار من الجماعات الإسلامية المسلحة التي تعتمد على القاعدة في الدعم المالي واللوجستي، وأنها تشترك مع القاعدة بنفس الأهداف والأيديوليوجية العقائدية.
وهو ما أكده العبسي في مقابلة مع وكالة رويترز للأنباء حيثُ إنه قال إن لجماعته هدفين اثنين وهما:
- الإصلاح الإسلامي لمجتمع المخيمات الفلسطينية في لبنان لكي تتوافق مع الشريعة الإسلامية.
- التوجه لمواجهة إسرائيل، بطرد الأمريكيين خارج الوطن العربي وإنهاء مصالحهم فيه.
 هذا إلى جانب أن بيانات "فتح الإسلام" كانت تنشر على المواقع الإسلامية على شبكة الإنترنت المعروفة بنشرها لبيانات تنظيم القاعدة، وهذا قد لا يكون دليلا على ارتباطهما التنظيمي ببعضهما البعض الفكري والأيديولوجي. 
وفي حوار نشره التنظيم مع العبسي على موقعهم تم سؤاله عن صلة فتح الإسلام بالقاعدة: 
* هل أنتم جزء من تنظيم "القاعدة" كما أثير في وسائل الإعلام؟
-  هي لا تتبع لأي نظام ولا لأي تنظيم على وجه الأرض. إنها حركة مستقلة تجعل الكتاب والسنة منهجا لها، والهدف كما أسلفت إصلاح ما أفسد، والدعوة إلى الله وإقامة راية لا إله إلا الله فوق سماء فلسطين.
* كيف تنظر فتح الإسلام اليوم إلى تنظيم "القاعدة" وإلى كل المجاهدين في الأطر الإسلامية الأصولية الأخرى؟
-  كل من يقاتل دفاعا عن هذه الراية، وتحت ظلها، ويقاتل أعداء الله الذين جاءوا من كل حدب وصوب ونهبوا خيرات هذه الأمة فاحتلوا أرضها واستباحوا عرضها، كل من يقاتلهم على وجه هذه الأرض هو أخ لنا.
أسامة بن لادن وأيمن
أسامة بن لادن وأيمن الظواهري
* كيف تنظرون إلى أسامة بن لادن أو أيمن الظواهري وإلى هذا النوع من القيادات الإسلامية التي ترفع لواء الجهاد ضد أعداء الأمة؟ هل هم القدوة بالنسبة إليكم أو مجرد إخوة؟ فيما تختلفون وأين تلتقون معهم؟
- الذين يقاتلون عدونا هم إخوتنا، هؤلاء الذين يقاتلون الأمريكيين وأعداؤنا الذين جاءوا إلى هذه الأرض كلهم إخوة لنا. هذه هي نظرتنا إلى كل من يقاتل وكل من أحيا هذه السنة على وجه الأرض.
* من يمول حركة "فتح الإسلام" اليوم؟
- المسلمون.
* كيف؟
- سواء بالتبرع أو بدفع الصدقات والزكاة. فالذين جادوا بدمائهم لا يبخلون بأموالهم.
* أليس لديكم أي ارتباط بأي نظام معين في هذا العالم؟
- البتة.

عمليات فتح الإسلام

عمليات فتح الإسلام
الصراع مع الجيش اللبناني
اندلع القتال بين فتح الإسلام والجيش اللبناني في 20 مايو 2007 في مخيم نهر البارد، وكانت شرارة هذه الأحداث سرقة بنك البحر المتوسط من قبل عناصر فتح الإسلام وإطلاق نار على عناصر الجيش اللبناني وقوى الأمن، وأصبح مخيم نهر البارد محور صراع بين الجيش اللبناني ومسلحي حركة فتح من جهة، وضد مسلحي جماعة فتح الإسلام من الجهة الأخرى. 
ووقتها أعلن الجيش أنه قضى على هذا التنظيم بالكامل وقتل زعيمه شاكر العبسي وأسر عددا كبيرا منهم، كما تم تدمير مخيم نهر البارد بالكامل.
تفجير سيارة في سوريا
في 7 نوفمبر 2008 بث التلفزيون السوري اعترافات لبعض الأشخاص الذين ينتمون لتنظيم فتح الإسلام متهمين "بالتخطيط والتنفيذ لتفجير سيارة مفخخة في إحدى مناطق العاصمة السورية دمشق في سبتمبر 2008 والذي أدى لمقتل 14 شخصا وجرح 27 آخرين".
حيث ذكر أن منفذ العملية سعودي الجنسية، كما اتهمت حينها وكالة الأنباء السورية "الرسمية" سانا بأن تيار المستقبل المناوئ لسوريا في لبنان هو أحد ممولي تنظيم فتح الإسلام.

الحرب السورية والتحالف مع داعش

الحرب السورية والتحالف
على الرغم من تفكك حركة "فتح الإسلام" إلا أن من تبقى منها بعد اندلاع الحرب السورية عقب اندلاع الانتفاضة في 2011، انضم إلى قوات الجيش السوري الحر التي تحارب قوات النظام السوري بقيادة بشار الأسد .
لكن بعد الانقسامات الشديدة التي أصابت الجيش الحر لا سيما بعد سيطرة داعش على زمام الأحداث وإعلانها ما يطلق عليه دولة الخلافة بدأت التنظيمات الجهادية إعلان ولاءها لداعش وخليفتها أبو بكر البغدادي، وقد أعلنت فتح الإسلام ولاءها وتعاونها مع داعش .

شارك