الرد على هرطقة "الدولة الداعشية" في بيعة البغدادي ووهم الخلافة
الأحد 07/ديسمبر/2014 - 09:30 م
طباعة

مدخل

موجة من الانتقادات الشرعية واجهها تنظيم "الدولة الإسلامية"، بعد إعلانه قيام دولة الخلافة ومبايعة زعيمه أبوبكر البغدادي، حيث عدد التنظيم الأشرف في العالم، وقت ذاك العديد من الأدلة الشرعية التي تُؤكد صحة موقفه من الناحية الشرعية، إلا أن مؤسسة الأزهر الشريف، فضلاً عن موقف التيار السلفي العلمي كان واضحاً في دحض هذه المزاعم.
وقال الجامع الأزهر على لسان شيخه أحمد الطيب، أن التنظيم الإرهابي يدعم المخططات الطائفية الرامية إلى تقسيم العراق، وتابع خلال مؤتمر "مواجهة الإرهاب" الذي نظمه الأزهر منذ أيام وحضره نحو120 ممثلاً عن دول العالم، أن الخلافة ليست أصلًا في الإسلام، وأنها من فروعه، وأن عدم إقامتها ليست خروجاً عن الإسلام.
أما زعماء التيار السلفي التقليدي، فأعلن رفضه أدلة التنظيم حول إقامة الخلافة، ووصف إعلان الخلافة بـ"الخطة المشبوهة" لتحقيق الأهداف الاميركية من أجل تمزيق وتشتيت الأمة عبر مفاهيم خاطئة، وخاصة أن الأصول الشرعية التي استندت إليها "داعش" مشكوك في صحتها.
وأن من بين الأدلة الشرعية أن الخلافة من الناحية الشرعية والفقهية تعني الإنابة، فالخليفة – لغة وشرعاً – هونائب عن الأمة الإسلامية، ووكيل عنها وهذه النيابة لا تثبت شرعًا وعقلاً وعرفاً إلا بأن تقوم الأمة جميعها بمنحها للخليفة، أومن خلال ممثليها الذين سموا في السابق بأهل الحل والعقد وأولي الأمر من العلماء.
كما أن المشروعات الكبرى لابد لها من تفكير طويل، وإعداد ثقيل، وتجميع للقوى، ورصد لما عند الأعداء لضمان النجاح، كما أن إعلان تنظيم الدولة الإسلامية ما أسموه بالخلافة الإسلامية ما هوإلا افتقار لفقه الواقع.
كان تنظيم "الدولة الإسلامية" حدد شروط بيعة الأفراد لزعيم التنظيم أبوبكر البغدادي، ونشر التنظيم بيان البيعة على موقعه الرسمي على الشبكة العنكبوتية "الانترنت"، حيث خاطب البيان عموم الناس، فيما رد على ما اعتبروه شبهات أثارها بعض الدعاة والعلماء حول بيعة البغدادي وإقامة الخلافة الإسلامية.
واللافت للنظر أن تنظيم "الدولة الإسلامية" أحد أعنف التيارات الجهادية التي ظهرت أخيراً، استهدف من ذلك البيان توضيح أمور عدة يمكن إجمالها في نقاط مختلفة، بينها :-
1 ـ مزاعم داعش عن "شرعية" دولتهم وخليفتهم :

حاول ما يسمى بـ"تنظيم الدولة الإسلامية"، إظهار تلتمس العذر لعوام الناس، تحت حجة جهلهم بالعلوم الشرعية، حيث قال التنظيم: " نحن في زمن كنا نظن أن أحكام البيعة تغيب عن عوام الناس وهم في ذلك معذورون لأن طواغيت العصر وعملاء الاستعمار وطواغيت سايكس بيكوأخفوا الكثير من أحكام البيعة سواء في المناهج أوتحاشي التكلم عنها بإسهاب في الدروس التي تعلم منها هؤلاء".
وفي الوقت ذاته، قال التنظيم إنه، لم يكن يعلم أن جهل العوام بأحكام البيعة وشروطها عن كثير من العلماء الذين يدرسون العلم الشرعي، وزعم التنظيم أن هؤلاء العلماء يُدرسون العوام تلك الأحكام، التي وصفوها بـ"شواذ الأقوال" وأنها جاءت عن هوى ينم عن جهل وعدم انقيادهم للأحكام الشرعية الصحيحة.
ووصف التنظيم العلماء الذين ينكرون البيعة للبغدادى بانهم يشبهون "المعتزلة" التي أنزلت ما يحسبه عقولهم على الأدلة الشرعية.
البيعة عند تنظيم "داعش"
ويقول "داعش" إن البيعة تعني اختيار مجموعة من الناس ممن أسماهم التنظيم بـ"أهل الحل والعقد" لرجل من المسلمين طبقا لشروط معينة كي يكون إماما للمسلمين ويتولى أمر الأمة لجلب المنافع الدينية والدنيوية ودفع المضار عنها، وقمع الفتن وإقامة الحدود ونشر العدل بينهم وردع الظالم ونصر المظلوم
وتلزم إعطاء العهد من المبايع على السمع والطاعة للإمام في غير معصية، في المنشط والمكره والعسر واليسر وعدم منازعته الأمر وتفويض الأمور إليه.
وقال التنظيم أنه يأثم من يترك البيعة، معتمدين على حديث قال فيه النبي " من مات وليس في عنقه بيعة مات مِيتة جاهلية"، مؤكدين وجوب البيعة للإمام، حيث قال التنظيم: "الإمام الشرعي المتنصب تحت راية الحق بجماعة وشوكة تجب مبايعته والخروج من عهدة الواجب الشرعي، فإن لم يوجد وجب على الأمة أوعلى طائفة منها إيجاد الشوكة بالاجتماع على راية الحق وأن تنصب لها إماماً والا أثموا".
واحتج التنظيم، بقول الإمام الماوردي أن اختيار إمام للأمة واجب وفرض كفاية، فإذا ثبت وجوب الإمامة ففرضها على الكفاية كالجهاد وطلب العلم، فإذا قام بها من هومن أهلها سقط فرضها على الكفاية، وإن لم يقم بها أحد خرج من الناس فريقان : أحدهما أهل الاختيار حتى يختاروا إماما للأمة، كما احتج التنظيم باقوال الإمام ابن تيمية والجوينى.
"داعش" والطُرق الشرعية لتنصيب الإمام

قال تنظيم "داعش" إن أهل العلم اتفقوا على أن الإمامة تُنصَّب وفقاً لطرق ثلاثة:
1- عن طريق بيعة أهل الحل والعقد من المسلمين لرجل يختارونه اكتملت في حقه صفات الأهلية المطلوبة للإمامة.
2- عن طريق عهد الإمام لرجل من المسلمين من بعده، أولعدد منهم يختار منهم أهل الحل والعقد إماماً.
3 - عن طريق الغلبة والقهر بالسيف، عند حلول الفتن وخلوالزمان عن الإمام، وتباطؤ أهل الحل والعقد عن تنصيبه، فيشرع وقتها لمن تغلب بسيفه من المسلمين ودعا للبيعة وأظهر الشوكة والأتباع أن يصير أميراً للمؤمنين، تجب طاعته وبيعته ولا يحل لأحد منازعته.
وقال بيان التنظيم أن أهل الحل والعقد هم العلماء وسائر وجوه الناس وأهل الرأي، والحكمة الذى يتم بهم اختيار الامام، ولا يشترط لصحه البيعة موافقة جميع أهل الحل والعقد، فلقد تخلف عن بيعة عمر أحدهم وتأخر عن بيعة أبي بكر على بن أبي طالب ولم يقدح هذا في صحة البيعة، وقال التنظيم إن الإمام الجويني نقل إجماع العلماء على عدم اشتراط إجماع أهل الحل والعقد فقال: "مما يقطع به أن الإجماع ليس شرطاً في عقد الإمامة بالإجماع - الغياثى، وقال النووي: "أما البيعة فقد اتفق العلماء على أنه لا يشترط لصحتها مبايعة كل الناس ولا كل أهل الحل والعقد، وإنما يشترط مبايعة من تيسر اجتماعهم من العلماء والرؤساء ووجوه الناس".
ومن الشروط الواجب توافرها في "أهل الحل والعقد":
أ ـ العدالة الجامعة لشروطها الواجبة في الشهادات، من الإسلام والعقل والبلوغ وعدم الفسق واكتمال المروءة.
ب ـ العلم الذي يوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة على الشروط المعتبرة فيها.
ج ـ الرأي والحكمة المؤديان إلى اختيار من هو للإمامة أصلح.
د ـ أن يكون من ذوي الشوكة الذين يتبعهم الناس، ويصدرون عن رأيهم، ليحصل بهم مقصود الولاية.
هـ ـ الإخلاص والنصيحة للمسلمين.
2- محاولة إقناع الناس بالبغدادي أميراً للمسلمين

وحاول تنظيم "داعش" تحسين صورة زعيم التنظيم، وأنه الاختيار المناسب، حيث ناقش البيان الشروط الواجب توافرها في الامام الذى يختارونه.
فقال التنظيم إن من بين الشروط الواجب توافرها في الإمام عشرة أوصاف هي:
أن يكون قريشيا ذكراً، حراً، بالغاً، عاقلاً، مسلماً، عدلاً، شجاعاً، عالماً، كافيا لما يتولاه من سياسة الأمة ومصالحها. فإذا اختاروه على هذه المواصفات، فقد تمت البيعة له من قبل الأمة، ولزمهم طاعته، وتنفيذ ما أمر به، وترك ما نهى عنه، إلاّ إذا أمر بمعصية الله، فلا يطاع، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف" متفق عليه.
ويبدو أن التنظيم لا يزال يروج بقوة لزعيمه، حيث قال إن البغدادي
قرشي الأصل، في وقت قال إن الإمام لابد وان يكون قرشيًا، لدى أهل السنة، التي وضعته شرطاً أساسياً في الامامة، معتبراً أن الذي قال بغير ذلك هم الخوارج والمعتزلة والأشاعرة، ويعتمدون على حديث النبي (لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان).
وأكد التنظيم أنه لا يلزم أن يكون الإمام معروفًا لكل الناس، واحتج التنظيم على ذلك بقول الماوردي، في الأحكام السلطانية أنّ معرفة الإمام تلزم الكافة على الجملة دون التفصيل، وليس على كلّ أحدٍ أن يعرفه بعينه واسمه إلا عند النوازل التي تٌحوِجُ إليه.
"داعش" تُكفر من نكث بيعته للإمام:

وقال التنظيم أن حكم من نكث البيعة هو الكفر والردة، فقال التنظيم:
1 - من نكث بيعته فهو كافر ومرتد، باتفاق العلماء، وإن اختلفوا في عقوبته بحسب حاله وحال الأمة.
2 - وحكم من نكث البيعة على النصرة أو الجهاد أو السمع والطاعة والإمامة دون أن يصدر عنه ما ينافي أصل الإيمان فهو عاص مرتكب لكبيرة من الكبائر، لأنها نقض عهد، وقد توعد الله من نقض العهد، ولكنها تختلف حرمتها باختلاف موضوعها فأشدها حرمة نكث بيعة الإمام الشرعي على السمع والطاعة في غير معصية دون مبرر شرعي.
3 - أما حكم نكث البيعة على النصرة والجهاد فهي تأتي في ظروف استثنائية، فلذلك نكثها أخف من نكث بيعة الإمام.
3 – مبررات "داعش" لتنصيب البغدادي
وحاول التنظيم الدفاع عن تنصيب البغدادي بالقول، إن الحكم الشرعي في إعلان إحدى الكتائب الدولة الإسلامية، وتطبيق الشرعية الإسلامية، جائز، وقال التنظيم إن الإمامة سابقة عن البيعة، فما إن تعين السابق منهما استقرت له الإمامة وعلى المسبوق تسليم الأمر إليه والدخول في بيعته.
ودافع التنظيم عن بيعة البغدادي، بعدما قال البعض أنه لا يجوز بيعة البغدادي، لأن عمر رضي الله عنه قال: "من بايع رجلا دون مشورة المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا، أرجعها التنظيم إلى واقعة معينة، وهي أنه وصل لعمر رضي الله عنه ان فلانا يقول لو مات عمر لقد بايعت فلانا، فأراد عمر رضي الله عنه ان يبين ان البيعات لا تكن فلتة، أي فجأة (كما تسرع فلان الذي قال لو قد مات عمر لبايعت فلان) والشورى التي يقصدها عمر هي في حقيقتها بين أهل العقد والحل، اما بقية المسلمين تبع لهم في الاختيار وهذا ما عليه اجماع العلماء.
"تأكيدات داعش" عن صحة البيعة
وفي فقرة قال عنها "داعش" أنها فقرة تأكيدات وتضمنت عدة نقاط اهمها:
1 – اعتبر التنظيم أن إعلان الدولة الإسلامية، الخلافة جاءت بشروط إمامة صحيحة وبمبايعة أهل الحل والعقد علي دولة إسلامية معتبرة، هي الدولة الاسلامية في العراق ثم الشام حديثا"
2 - جماعة أنصار الإسلام - أنصار الإسلام هي جماعة سلفية كردية من العراق تدعو إلى تطبيق الدين الإسلامي، كانت الجماعة قبل غزو قوات التحالف للعراق في 2003 تُسيطر على مجموعة من المدن الصغيرة والقرى في شمال العراق - رغم قدمها فهي لم تبايع إماما علي إمارة أو دولة إسلامية، بل كانت بيعة جهاد وقتال فقط" نقطة هامة.
3 - الملا عمر من مبادئ إمارته الاقتصار على أفغانستان فلم يبايع على إمامة عامة.
4 - ليس من شروط صحة انعقاد البيعة علي الامامة شورى الجميع بل تنعقد بمبايعة من تيسر من حضوره من اهل الحل والعقد كما لا يشترط اجماعهم بل تنعقد بواحد مطاع تتحقق به الشوكة.
وأضاف التنظيم في ذلك الأمر، "إن الستة الذين يمثلون أهل الشورى الذين عهد إليهم عمر تبرأوا من الاختيار وجعلوه إلى واحد، وهو عبد الرحمن بن عوف، قال: فقد صح إجماعهم على أن الإمامة تنعقد بواحد، وتابع بيان التنظيم: "قد وفق الله الإخوة في "حلف المطيبين" في العراق وقتها وهو يمثل جمهور أهل الحل والعقد في هذا البلد، بعدما دخل فيه "مجلس شورى المجاهدين" وهو تشكيل من سبع جماعات جهادية، لها أسماء وأمراء وجنود معروفون، ولقد تم مشاورة أكثر من ستين في المائة من شيوخ عشائر أهل السنة في أماكن وجود المقاتلين فتمت البيعة.
من كل ذلك يتضح مساعي الدولة الإسلامية، في تبرير وجودها الشرعي في إقامة الدولة الإسلامية، حيث ركز التنظيم على تبرير الوجود الشرعي، للدولة وإظهار النصوص الشرعية التي تؤكد صحة بيعة البغدادي، وربما يكون السبب في ذلك هو الهجوم الكبير على الأدلة الشرعية التي استندت عليها الدولة في إعلان الخلافة ومبايعة البغدادي.
أدلة بطلان مبايعة البغدادي:

وقد رد الكثير من الأئمة الحاليين على الأدلة التي استند عليها "داعش" في إعلان الخلافة ومبايعة البغدادي، والتي تضمنت الكثير من الأصول والتي من بينها:
- الخلافة من الناحية الشرعية والفقهية تعني الإنابة، فالخليفة – لغة وشرعاً – هو نائب عن الأمة الإسلامية، ووكيل عنها من خلال البيعة التي منحتها للخليفة، وهذه النيابة لا تثبت شرعاً وعقلاً وعرفاً إلا بأن تقوم الأمة جميعها بمنحها للخليفة، أو من خلال ممثليها الذين سموا في السابق بأهل الحل والعقد وأولي الأمر، من العلماء.
- أن المشروعات الكبرى لابد لها من تفكير طويل، وإعداد ثقيل، وتجميع للقوى، ورصد لما عند الأعداء لضمان النجاح.
- أنه لابد لنا من إقامة بلاد تحكم بالشريعة الإسلامية، وتترابط فيما بينها، وتملك من القوة المادية والبشرية والمعنوية: ما يحفظ عليها كيانها الداخلي، ويحميها من العدوان الخارجي.
2 – أن جميع أمور الدولة والسياسة الشرعية تقوم في الإسلام على الشورى، وإعلان فصيل معين – مهما كان- للخلافة إعلان باطل شرعاً، لا يترتب عليه أي آثار شرعية؛ بل يترتب عليه آثار خطيرة على أهل السنة.
3 - إعلان تنظيم الدولة الإسلامية ما أسموه بالخلافة الإسلامية ما هو إلا افتقار لفقه الواقع وأشبه بالانقضاض على ثورة الشعب التي يشارك فيها أهل السنة بكل قواهم، من العشائر والفصائل المتنوعة من مناطق عديدة في العراق.
4 - لا يمكن قبول إبطال شرعية جميع التنظيمات الإسلامية على الساحة العالمية لمجرد إعلان من طرف واحد لما أطلقوا عليه الخلافة والخليفة، ووسط غياب كامل للأمة، الأمر الذي يعتبر مرفوضاً بشكل كلي .
5 - إن مثل هذه الأمور تفتح باب الفوضى أمام تنظيمات أو حتى دول: أن تنصب نفسها على أمر إسلامي جلل كالخلافة الإسلامية.
6 - إن ربط مفهوم الخلافة الإسلامية بتنظيم بعينه اشتهر بين الناس بالتشدد، والصورة الذهنية عنه سلبية حتى بين أبناء الأمة الإسلامية أنفسهم، لا يخدم المشروع الإسلامي أبدا.