بعد دورها المحوري داخل التنظيمات.. هل تشكِّل المرأة ملامح الجيل القادم للإرهاب؟!

الإثنين 08/ديسمبر/2014 - 06:47 م
طباعة بعد دورها المحوري
 

مدخل

كانت الصورة الغالبة للمرأة، والمترسخة في وعي الجماعات الجهادية أنها خُلقت لتربية الأبناء والتزام البيت، ولتأكيد هذه الصورة تم تسويق ما اعتبروه أدلة شرعية على تحريم عمل المرأة، غير أنها صار لها أدوار مختلفة وإضافية في الآونة الأخيرة، لتصبح مهمة وحيوية للجماعات الجهادية، التي ضربت بقناعاتِها الزائفة عرض الحائط، طالما كانت هُناك نتائج إضافية تصب في مصلحة توسعاِتها، باستخدام أي عنصر جديد، وإن كانت المرأة.

ويعتبر الدور الذي تلعبه السيدات داخل التنظيمات المتطرفة والإرهابية، وفي مقدمتهم تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، دورًا جديدًا ومختلفًا، في ظل الأفكار المتشددة التي يأتي في  مقدمتها ألا يُسمح بالاختلاط والتواصل بين الرجال والنساء..

دور المرأة:

دور المرأة:
في ظل تنامي ظاهرة استخدام النساء من قبل الجماعات الجهادية، تقول الكاتبة السعودية "بينة الملحم" إن السؤال الذي يجب أن نعلّقه دوماً ولا نتجاهله: إلى أي مدى المرأة في مجتمعنا بعيدة عن إمكانات التجنيد الإرهابي أو قريبة منها؟ مع الأخذ في الاعتبار أن الوصول للمرأة ووسائل تجنيدها أقل كُلفة من تجنيد الرجل، وفي ذات الوقت هي أكثر فداحة من حيث النتائج، الخطورة الحقيقية التي تكمن في التطرف وقدرة الجماعات الإرهابية على تجنيد مناصرات من النساء لها أو منفذات لأجندتها، حتى إن سلّمنا بأنها لا تشكل ظاهرة كما لدى الرجال، أن العلاقة التي تربط المرأة بأفراد المجتمع تشكل شبكة مركزها المرأة (الأم). 
وتضيف "الملحم" أن القيادة وصناعة القرار مازالت في أيدي الرجال داخل الجماعات الإرهابية، ولكن هذا لا يغفل الدور الذي تلعبه النساء في تجنيد أو التسهيل لعملية التجنيد لغيرهن من النساء، وقد يبدو هذا الدور غير واضح بشكل كبير في تنظيم مثل "القاعدة" باستثناء منطقة شبه الجزيرة العربية، بعكس بعض التنظيمات الأخرى في أمريكا اللاتينية أو الغرب.
وتتابع: يعتمد دور التجنيد على روابط الأسرة والأصدقاء، وينشط أكثر في المناطق النائية والبعيدة، وقد ظهر دور المرأة في التجنيد داخل الجماعات المتطرفة في بلد مثل بيرو، حيث اعتمد تنظيم مثل "الدرب الساطع"، على النساء كفئة أساسية لتجديد وإحياء التنظيم على مدى ثلاثة عقود، امتدت من الستينيات وحتى التسعينيات  من خلال إدخال أعضاء جدد بشكل مستمر إلى التنظيم.
وفي تقرير لمرصد الفتاوى التكفيرية التابع لدار الإفتاء المصرية، أوضح أهم وأبرز الأسباب التي تدفع بالنساء إلى الانضمام لهذا التنظيم دون غيره من التنظيمات التكفيرية الأخرى، منها: محاولة التكفير عن الذنوب والحياة الصاخبة التي عاشتها في السابق، عن طريق الجهاد على حد قولهم، وهو ما دفع الكثيرات منهن لترك حياتهن الهانئة والذهاب إلى المجهول، إضافة إلى حب المغامرة، والمشاركة في قتال الكفار مع الدولة الإسلامية على حد زعمهم، كلها عناوين قد تغري صغيرات السن من الفتيات للذهاب فيما يعتقدن أنه تجربة مثيرة، من دون الاكتراث بالنتائج والعواقب.
وأضاف تقرير مرصد الإفتاء، أن هناك عنصر جذب آخر للنساء في تلك التنظيمات، قد يظهر جليًّا في مدى الدعم والإعجاب المتحمس الذي يظهر بوضوح عبر شبكات التواصل الاجتماعي من نساء مسلمات أوروبيات يعبرن عن دعمهن لنساء داعش، وهذا يرجع إلى الرغبة في تحدي تلك الصورة النمطية الغربية عن المرأة المسلمة الضعيفة مهضومة الحقوق، بصورة أخرى لنساء يحملن السلاح وقادرات على تنفيذ أقصى عمليات القتل وحشية بأيديهن،  وربما نوع جديد من الثقافة الناشئة التي تطلق عليها "سلطة الفتاة الجهادية"، والذي غالبًا ما يأتي على حساب نساء أخريات، إضافة إلى ذلك فهناك سبب آخر، وهو تزايد حدة الإسلام فوبيا وصعود الأحزاب اليمينية في أوروبا من الأسباب التي تدفع الفتيات الغربيات إلى الانضمام للتنظيمات الإرهابية، بالإضافة إلى أن طفولة تلك الفتيات أيضًا تلعب دورًا مهمًّا في ذلك، حيث تعتقد أغلبية الفتيات أنه "ليس لهن مكان في المجتمع الذي يعشن فيه، ويشعرن بالإقصاء من جهات كثيرة، حتى من بعض المسلمين".
وأكد التقرير على أن نساء منشقي القاعدة لسن سوى أدوات تستغلها قيادات داعش لتحقيق أهدافها، في ظل رعبهن من أن يتعرضن للممارسات المتطرفة من قبل هذا التنظيم التكفيري.

القاعدة تديرها النساء:

القاعدة تديرها النساء:
كما كشفت حملة السكينة بوزارة الشؤون الإسلامية بالمملكة العربية السعودية، عن  أن 40%من المواقع الإلكترونية والمنتديات التابعة لتنظيم (القاعدة) والمتعاطفة معها تديرها وتشرف عليها نساء، مشيرة إلى أن هذه النسبة العالية إشارة واضحة إلى الدور المهم الذي تقوم به المرأة في التنظيم الضال.
وأوضحت حملة السكينة، انه ظهر لهم عدة مجموعات نسائية في عالم الإنترنت بمسميات مختلفة تدل على رغبة كبيرة في المشاركة مثل (مجاهدات) و(الخنساء) و(مكتب معلومات المجاهدات في جزيرة العرب) وغيرها، وأخيراً صدرت في مجلة «صدى الملاحم» التابعة للقاعدة مقالة باسم وفاء الشهري دعت فيه النساء إلى الانضمام إلى من أسموهم بالمجاهدين في جزيرة العرب.
ولفتت الحملة إلى أن التجييش والضغط المكثف يدل على نجاح عملية تجفيف المنابع، وأن القاعدة بدأت تعاني وأصبحت تستجلب العون والمساعدة من النساء رغم أنه في أدبيات التنظيم قديماً عدم الزج بالنساء في أتون المعركة كما ذكر ذلك الظواهري.
وحاولت القاعدة تجنيد عشرات الفتيات الصغيرات كانتحاريات بسبب قدرة النساء على التخفي، وقصة الانتحاريات في العراق التي بدأت في سبتمبر 2005، حيث أعلن مسئول تنظيم القاعدة في العراق آنذاك مصعب الزرقاوي تجنيد امرأة لتنفيذ عملية انتحارية في منطقة تلعفر على الحدود السورية، تلا ذلك تفجير آخر إلى الشرق من العاصمة، وأدى نجاح هاتين العمليتين وسهولة تخفي منفذتيها إلى استغلال النساء.
وأعلن الزرقاوي حينها أن القاعدة ستوسع عملياتها حتى الدول المجاورة، وكانت العراقية ساجد الريشاوي قد تسللت مع زوجها إلى الأردن، وفي العاصمة عمان دوت ثلاث انفجارات كبرى في ثلاثة فنادق كبرى، فقتل المنفذون، إلا أن الريشاوي لم تتمكن من تفجير نفسها فقبض عليها.

أبرز سيدات القاعدة:

أبرز سيدات القاعدة:
تأتي أولى مخاطبات تنظيم القاعدة للجناح النسوي من خلال زاوية «حفيدات أم عمارة» في مجلة «صدى الملاحم» إحدى أولى المجلات الإعلامية لـ«القاعدة»، إلى أن جاءت مجلة «الخنساء» التي كانت مخصصة للنساء بالكامل. وكانت مشرفتها «أم أسامة»، وهي سيدة مصرية اعتقلتها السلطات السعودية لنشاطها في الذراع الإعلامية النسائية للتنظيم، واعترفت بأنها مسئولة تحرير مجلة «الخنساء» الإلكترونية المتطرفة التي صدرت عام 2004، ولم يصدر منها أكثر من عددين. 
ولعلَّ من أبرز الأسماء والتي تلمع بشكل كبير هي ندى القحطاني المعروفة بـ"الأخت جوليبيب"، التي كونت مجموعة من النساء تطلق على نفسها اسم "صحابة جينان"، وأصدرت مؤخرًا بيانًا لحمل السلاح في سوريا،  وقال البيان: "إن قرار المرأة للقتال في ساحة المعركة هو مسألة خاصة بها، وأن للمرأة الحرية في القتال طالما أنها لا تشارك في أنشطة خاطئة، وتابع البيان أن الجهاد ليس واجبًا على المرأة المسلمة، لكنها ستكافأ عليه حتى لو اقتصر دورها على الرعاية الطبية للجرحى.
وهناك أيضا "هيلة القصير"، وهي إحدى أهم السيدات السعوديات التي اعتنقت وروجت لفكر تنظيم القاعدة، واعتقلتها قوات الأمن السعودية في 2010، قامت بأدوار لوجستية، منها تجنيد السعوديات في إحدى الأسواق النسائية المغلقة، وجمع مبالغ مالية تجاوزت 500 ألف دولار.
وتمكنت هيلة القصير خلال عامين ماضيين من جمع تبرعات للتنظيم في اليمن، من خلال الحصول على حلي ومجوهرات ومبالغ مالية تحت غطاء بناء مساجد ودور أيتام هناك، وبين المصدر أن القصير كانت مسؤولة عن قيادة أكثر من 60 عنصراً متورطاً بالعمليات الإرهابية إضافة إلى أنها كانت تؤوي المطلوبين في منازل آمنة
وكشفت تقارير سعودية أن هيلة القصير كانت تستجلب صغيرات السن من ذوي المطلوبين أمنياً لإدراجهن في التنظيم بشكل أو بآخر سواء عبر توفير الدعم المادي أو المعلومات عن ذوي المطلوبين وأحوالهم، إضافة إلى محاولاتها استقطاب عدد من زوجات المطلوبين وأخواتهم للحاق بهم في اليمن كما فعلت مع زوجة سعيد الشهري.
والأمر ليس مقصورًا على السيدات العرب، بل امتد التنظيم إلى السيدات الأجانب وتعد عافية صديقي، أشهر سيدات القاعدة على الإطلاق، وهي عالمة باكستانية في علم الأعصاب، درست من قبل في معهد ماساشوستس للتقنية، لها علاقات مع تنظيم القاعدة، وأدانتها محكمة داخل نيويورك خلال فبراير 2010 بمحاولة قتل ضابط في الجيش الأمريكي عندما كانت مسجونة عام 2008 داخل أفغانستان، وحكم عليها بالسجن 86 عاما.
وهناك أيضا البلجيكية  ممورييل ديجوك، وتعتبر من أبرز السيدات الأجانب داخل تنظيم القاعدة، فجرت نفسها في بغداد بتاريخ 9 نوفمبر 2005 ضد دورية أمريكية. أسلمت وتزوجت شخصًا مغربيًا وغيرت اسمها إلى مريم، وتعد أول انتحارية في العراق، وبذلك تكون من قصت شريط الانتحاريات من الجناح النسوي لـ«القاعدة» في العراق.

نساء "داعش":

نساء داعش:
تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، أبرز التنظيمات الذي استخدم النساء في الترويج والتجنيد لأفكاره، فقد كون التنظيم كتيبتين نسائيتين رئيسيتين، هما "كتيبة الخنساء" وكتيبة "أم ريان"، وجاء ذلك بعد تعرض أفراد من التنظيم لعدة مكامن نفذها انتحاريون يرتدون زيا شرعيا نسائيا، فشكلت "داعش" كتيبة نسائية لتفتيش جميع النساء خوفا من تكرار هجوم من هذا النوع.
وأشارت تقارير إعلامية إلى أن النساء يلعبن دورًا كبيرًا في إدارة الجناح الإعلامي للتنظيم، بالإضافة إلى تنفيذ قوانين النظام بين النساء في المناطق التي يسيطر عليها.
ومن أبرز هؤلاء النساء، التوأم «سلمى» و«زهرة»، حيث انتقلتا من بريطانيا إلى سوريا للانضمام الى التنظيم الإرهابي والزواج من رجاله.
وهناك «أم المقداد»، المعروفة بـ«أميرة نساء داعش»، وهي المسئولة عن تجنيد الفتيات والسيدات في محافظة الأنبار العراقية، ومنهم أيضاً «أم مهاجر» وهي المسئولة عن كتيبة «الخنساء» في رقة بسوريا، والتي تتكون من ٦٠ امرأة، وتشتهر تلك الكتيبة بوضع «اللثام الأسود» على وجوههن، وحمل الأسلحة دائمًا.
ومن أعضاء «داعش» «أم ليث» التي يتمثل دورها في التخاطب مع النساء الغربيات، ليحذون حذوها وينضممن لـلتنظيم، وصديقتها «أم حارثة» التي تحرص على نشر صور انتصار «داعش» واستيلائها على سوريا، منها صور فصل رؤوس الجنود عن أجسادهم في عيد الفطر الماضي.

المشهد الحالي:

المشهد الحالي:
في ظل بروز الجماعات الجهادية، واحتلالها حيزًا كبيرًا من الرصد والمتابعة، كظاهرةٍ توازى معها ظهور مُسميات جديدة، بمثابة فروعٍ متصارعة أحيانًا، لأصلٍ واحد يستند إلى تصدير الدين كواجهةٍ عامة نحو نشر أفكارٍ متشددة، تسعى بالأساس إلى مجرد السيطرة والانتشار، وفي مفارقةٍ دالة على تناقض الوسائل مع القناعات، تأتي المرأة كشاهدٍ حي على ذلك، بحيث انتقلت داخل هذه الجماعات من الصورة النمطية المرتبطة بالبيت، إلى المشاركة الفعلية في الجهاد وحمل السلاح، وتنفيذ عمليات نوعية، ولم تعد الأمور مقصورةً على  الرجال داخل هذه التنظيمات، بل استطاعت النساء أن تأخذ مساحة داخل التنظيمات خلافا للأدلة الشريعة التي كانت تتبناها هذه الجماعات.
وأصبحت النساء أكثر عرضة لحملات التطرف والإرهاب، من خلال التأثير على السيدات  بمختلف شرائحهن بدءًا من السيدات الفقيرات وذوات المستوى الاجتماعي والتعليمي الأدنى، إلى  السيدات ذوات المستويات التعليمية  والفكرية الأعلى، في مقدمتهن المستهدفات بالتجنيد المأزومات نفسيًا أو من يعانين ضغوطًا اجتماعية أو اقتصادية مختلفة، من كل أنحاء العالم .
وحدث تغير نوعي في دور النساء داخل الجماعات المتطرفة والإرهابية، من مجرد أم ووعاء لشهوة،  إلى كونها فاعلا أساسيا في تغير استراتيجية المعركة على الأرض، وهو ما كان واضحًا في العمليات الإرهابية الأخيرة لتنظيم القاعدة، بالإضافة إلى اتساع دور النساء في صراعات الجماعات الإرهابية في مختلف مناطق العالم وخاصة في العراق وسوريا.. ما يضعنا أمام التساؤل: هل تخلت بالفعل قيادات الجماعات الجهادية عن قناعاتهم الفكرية وأدلتهم الشرعية عن المرأة، وسوف يكون الجيل القادم للإرهاب من النساء؟!

شارك

موضوعات ذات صلة