جماعة المسلمين (التكفير والهجرة)

الجمعة 02/يوليو/2021 - 09:40 ص
طباعة جماعة المسلمين (التكفير حسام الحداد
 

مدخل

إن قضية تكفير المسلم قضية قديمة، ولها جذورها في تاريخ الفكر الإسلامي منذ عهد الخوارج، ومع انتشار الفساد والإلحاد في المجمعات الإسلامية ومحاربة الحركات الإسلامية الإصلاحية وظهور الكتب الإسلامية التي تحمل بذور الغلو، بالإضافة إلى عدم فهم حقيقية الدين ونصوصه والإسراف في التحريم والتباس المفاهيم وتميع عقيدة ومنهج أهل السنة  فكان طبيعا أن تظهر جماعات التكفير وتجهيل المجتمع.

سيد قطب
سيد قطب

تعد أفكار "التكفير" و"الحاكمية" التي ابتدعها الإخواني ”سيد قطب” هي البذرة الأولى للعنف والإرهاب في مصر، فبعد أن روجت جماعة الإخوان لهذه الأفكار انتقلت من مرحلة الترويج إلى الفعل التنظيمي من خلال عدد من الشباب وفر لهم الإخوان البيئة الحاضنة للعنف والقتل وتكفير المجتمع عند تلامذة قطب واجبة ما دام لا يحتكم أفراده إلى شرع الله وإلى تحكيم شريعة الله، فهم كفار مهما نطقوا الشهادتين او أدوا الأركان الخمسة.

جماعة المسلمين أو التكفير والهجرة نموذج مثالي للفكر التكفيري فهذه الجماعة قامت بإحياء فكر الخوارج بتكفير كل من ارتكب كبيرة وأصر عليها وتكفير الحكام بإطلاق ودون تفصيل؛ لأنهم لا يحكمون بشرع الله وتكفر المحكومين لرضاهم بهم بدون تفصيل وتكفر العلماء لعدم تكفيرهم أولئك الحكام.

واعتبروا أن الهجرة هي العنصر الثاني في تفكير الجماعة من خلال اعتزال المجتمع الجاهلي عزلة مكانية وعزلة شعورية من خلال اعتزال معابد الجاهلية "المساجد" ووجوب التوقف والتبين بالنسبة لآحاد المسلمين وإشاعة مفهوم الحد الأدنى من الإسلام في مخالفة واضحة لأفكار منهج أهل السنة والجماعة في مصادر التلقي والاستدلال وقضايا الكفر والإيمان.

النشأة

النشأة
تبلورت أفكار ومبادئ جماعة التكفير والهجرة في السجون المصرية وخاصة بعد اعتقالات عام 1965م التي أعدم إثرها سيد قطب وإخوانه.. بدأت تنتشر بسرعة كتابات سيد قطب، خاصة كتابيه "معالم في الطريق" و"في ظلال القرآن"، وكتابات أبي الأعلى المودودي عن الألوهية والحاكمية، وبدأت مجموعة منهم في السجون تتبنى هذه الأفكار.

ومع ما أثير خلال هذه الفترة من حديث حول التعذيب والقتل ولد الغلو، ونبتت فكرة التكفير، ووجدت البيئة الحاضنة لها في هؤلاء المعتقلين الذين سأل البعض الكثيرين منهم: هل من يقومون بتعذيبنا مسلمون؟ وإذا لم يكونوا كذلك، فهل من يأمرهم بالتعذيب يعد من زمرة المسلمين؟ وهكذا نشأت فكرة التكفير في سجون عبد الناصر.

وفي عام 1967م طلب رجال الأمن من جميع الدعاة المعتقلين تأييد رئيس الدولة جمال عبد الناصر، فانقسم المعتقلون إلى عدة فئات؛ الأولى: سارعت إلى تأييد الرئيس ونظامه؛ بغية الإفراج عنهم والعودة إلى وظائفهم، وزعموا أنهم يتكلمون باسم جميع الدعاة، والثانية: جمهور الدعاة المعتقلون الذين لجئوا إلى الصمت ولم يعارضوا أو يؤيدوا؛ باعتبار أنهم في حالة إكراه، والثالثة: رفضت موقف السلطة، وأعلنت كفر رئيس الدولة ونظامه، بل واعتبروا الذين أيدوا السلطة من إخوانهم مرتدين عن الإسلام، ومن لم يكفرهم فهو كافر، والمجتمع بأفراده كفار؛ لأنهم موالون للحكام، وبالتالي لا ينفعهم صوم ولا صلاة.

ومن هنا ظهرت جماعة التكفير والهجرة  وكان إمام هذه الفكرة الشيخ الأزهري علي إسماعيل الأخ الشقيق لعبد الفتاح إسماعيل، الذي أعدم مع سيد قطب، وقام علي إسماعيل بتشكيل أول مجموعة صغيرة، وسرعان ما أفتى بكفر مرتكب الكبيرة، ولكنه تراجع عن أفكاره ليتولى "شكري مصطفى" الذي كني بـ"أبو سعد" قيادة المجموعة وتطوير أفكار الشيخ علي إسماعيل، وتجذيرها، وبلورتها في الشكل الذي انتشرت به من الدعوة إلى الله، وإقامة الدولة الإسلامية عن طريق الاعتزال والهجرة، ثم استخدام العنف.

المرتكزات الفكرية

جماعة التكفير والهجرة نظرت إلى الإسلام باعتباره جملة من الفرائض التي يجب أداؤها، فمن لم يؤدها أو قصَّر فيها أو ترك بعضًا منها فلا يعتبر مسلمًا واعتبر شكري مصطفى، نفسه مصلحًا عظيمًا والمهدي المنتظر، بل وبايعه أتباعه أميرًا للمؤمنين وقائدًا لجماعة المسلمين، بناء على عدد من الأفكار والقراءات الضالة للمنهج الإسلامي.
اعتمدت الجماعة على عدد من المرتكزات الدينية بفهم غير صحيح لجوهر الإسلام وسماحته تمثلت فيما يلي:
1- قاعدة التبين، ومعناها التوقف عن الحكم على من هو خارج جماعتهم حتى يتبين حالهم، والبينة هي لزوم جماعتهم ومبايعة إمامهم، أو من ينوب عنه، فمن أجاب كان مسلمًا ومن رفضها كان كافرًا، على الرغم من أن قاعدة التبين كمبدأ الاستعراض الذي قال به وطبقته طائفة الأزارقة الخوارج.
2- المساجد كلها حرام؛ لأنها مساجد “ضرار” فلا نعرف نية بانيها ومصدر أمواله وبالتالي فالمساجد الأربعة الصحيح الصلاة فيها هي المسجد الحرام، المسجد الاقصى، مسجد قباء والمسجد النبوي.
3- قاعدة تعارض الفرائض، من خلال ترك صلاة الجمعة فى جماعة تحت دعوى أنهم في مرحلة استضعاف، وأن من شروط الجمعة التمكين 
ولأن المساجد "ضرار"، ولأن شرع الله ليس قائما بصورة كلية تامة ولا بد من الجهاد أولا واستلام السلطة وإقامة شريعة الله كاملة، ثم الصلاة في المساجد!
4- تقديم الهدف الأكبر إقامة الخلافة، على غيره من الأهداف.
5- مفاصلة المجتمع وهجرته، فأعلنوا المفاصلة التامة بينهم وبين مجتمع المسلمين الذي وصفوه بالجاهلية والكفر.
6- الامتناع عن الزواج من أفراد هذا المجتمع ، تحت دعوى أن الله حرّم نكاح المشركات.
7- كل من يرتكب معصية هو كافر وكل معصية هي شرك.
8- رد الإجماع ومنع التقليد، وتكفير المقلد، ونبذ آراء الصحابة وأقوالهم.
9- ضرورة تأدية كل الفرائض، وإذا نقص فرض واحد فقد أحبط الجميع.
10- كل مسلم بلغته دعوة جماعه المسلمين ولم ينضم فهو كافر.
11- الكافر عقابه القتل فإن أصل الحكم في الكافر أنه حلال الدم والمال والعرض.
12- حرضت الجماعة أعضاءها على الهروب من أداء الخدمة العسكرية فهو جيش يحمى المجتمع الكافر ويحمي حكام طغاة لا يقيمون شرع الله ويحمى أرض الكفار، أما في حالة حدوث غزو خارجي للدولة يتوجب "فرار" أعضاء الجماعة للإعداد والتمكن، ثم العودة للسلطة ثم مقاتلة العدو الوافد!
13- الدعوة لمحو الأمية دعوة يهودية لشغل الناس بعلوم الكفر عن تعلم الإسلام، فما العلم إلا ما يتلقونه في حلقاتهم الخاصة.
14- العصور الإسلامية بعد القرن الرابع الهجري كلها عصور كفر وجاهلية؛ لتقديسها لصنم التقليد المعبود من دون الله تعالى، فعلى المسلم أن يعرف الأحكام بأدلتها، ولا يجوز لديهم التقليد في أي أمر من أمور الدين.
15- قالوا بحجية الكتاب والسنة فقط، كغيرهم من أصحاب البدع الذين اعتقدوا رأياً ثم حملوا ألفاظ القرآن عليه، فما وافق أقوالهم من السنة قبلوه، وما خالفها تحايلوا في رده أو رد دلالته.
16- زعمو أن أميرهم شكري مصطفى هو مهدي هذه الأمة المنتظر، وأن الله تعالى سيحقق على يد جماعته ما لم يحقق على يد محمد صلى الله عليه وسلم من ظهور الإسلام على جميع الأديان؛ وعليه فإن دور الجماعة يبدأ بعد تدمير الأرض بمن عليها بحرب كونية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي؛ تنقرض بسببها الأسلحة الحديثة كالصواريخ والطائرات وغيرها، ويعود القتال كما كان في السابق رجل لرجل بالسلاح القديم من سيوف ورماح وحراب.
17- ادعى زعماء الجماعة أنهم بلغوا درجة الإمامة، والاجتهاد المطلق، وأن لهم أن يخالفوا الأمة كلها وما أجمعت عليه سلفاً وخلفاً.

فكرة الهجوم

أما فكرة الهجرة فتقوم على التالي:

 1- هجرة ما نهى الله عنه من آلهة تعبد غير الله وهجرة المعاصي التي نرتكبها.

2- هجرة معابد غير المسلمين، والمسلم عندهم هو المنتمي لجماعه المسلمين فقط.

3- هجرة العادات والتقاليد والملابس والأزياء ودور اللهو والنوادي، واعتزال الناس.

4- هجرة الوطن كلة لأرض لا يعبد فيها إلا الله، ونتبرأ من كل شيء فيها فتنزل اللعنات على المجتمع الكافر الماجن، وتنجو فقط "جماعة المسلمين".

5- هجرة "مصر" حتى يتمكنوا من الإعداد في أرض أخرى للعودة ومقاتلة الكفار ومهاجمة النظام للاستيلاء على الحكم بالقوة.

6- الإسلام هو دعوة تنتشر ثم هجرة أرض الكفار لأرض أخرى (قد تكون صحراء سيناء مثلا) لا يعبد فيها إلا الله ثم إعداد لقتال الكفار، ثم عودة وجهاد وقتال الكفار.

7- أن تهجر الزوجة زوجها إذا أرادت أن تنضم للجماعة بدون طلاق، ثم تتزوج من غيره؛ بشرط أن يكون من أعضاء جماعة المسلمين "التكفير والهجرة".

8- تكفير مرتكب الكبيرة، كما هو مذهب الخوارج قديمًا.

أبرز القيادات

شكري أحمد مصطفى عبد
شكري أحمد مصطفى عبد العال
شكري مصطفى
ولد بقرية الخرص مركز أبوتيج محافظة أسيوط 1942م، أحد شباب جماعة الإخوان المسلمين الذين اعتقلوا صيف عام 1963م حتى صيف 1971 , وكان لا يزال طالبا بكلية الزارعة بجامعة أسيوط، وتم اعتقاله مع مجموعة من الشباب بتهمة توزيع منشورات لجماعة الإخوان المسلمين، وكان عمره وقتئذ واحدا وعشرين عاماً، وفي هذه الفترة تعرف إلى كتابات سيد قطب وأبو الأعلى المودودي.
كان شكري مصطفى شاعراً وله ديوان شعر مطبوع تحت اسم "ديوان شكرى مصطفى" مطبعة مدبولي الصغير.
في عام 1971م أفرج عنه بعد أن حصل على بكالوريوس الزراعة، ومن ثم بدأ بالتحرك في مجال تكوين الهيكل التنظيمي لجماعته؛ ولذلك تمت مبايعته أميراً للمؤمنين وقائداً لجماعة المسلمين، بعد أن تبرأ من أفكارها الشيخ علي عبده إسماعيل. فعين أمراء للمحافظات والمناطق واستأجر العديد من الشقق كمقار سرية للجماعة بالقاهرة والإسكندرية والجيزة، وبعض محافظات الوجه القبلي.
في سبتمبر 1973م أمر بخروج أعضاء الجماعة إلى المناطق الجبلية واللجوء إلى المغارات الواقعة بدائرة "أبي قرقاص" بمحافظة المنيا بعد أن تصرفوا بالبيع في ممتلكاتهم، وزودوا أنفسهم بالمؤن اللازمة والسلاح الأبيض، تطبيقاً لمفاهيمه الفكرية حول الهجرة.
في 26 أكتوبر 1973م اشتبه في أمرهم رجال الأمن المصري فتم إلقاء القبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة في قضية رقم 618 لسنة 73 أمن دولة عليا.
وفي 21 أبريل 1974م عقب حرب أكتوبر 1973م صدر قرار جمهوري بالعفو عن مصطفى شكري وجماعته إلا أنه عاود ممارسة نشاطه مرة أخرى ولكن هذه المرة بصورة مكثفة أكثر من ذي قبل حيث عمل على توسيع قاعدة الجماعة وإعادة تنظيم صفوفها وقد تمكن من ضم أعضاء جدد للجماعة من شتى محافظات مصر كما قام بتسفير مجموعات أخرى إلى خارج البلاد بغرض التمويل مما مكن لانتشار أفكارهم في أكثر من دولة. هيأ شكري مصطفى لأتباعه بيئة متكاملة من النشاط وشغلهم بالدعوة والعمل والصلوات والدراسة وبذلك عزلهم عن المجتمع إذ أصبح العضو يعتمد على الجماعة في كل احتياجاته ومن ينحرف من الأعضاء يتعرض لعقاب بدني وإذا ترك العضو الجماعة اعتبِر كافراً حيث اعتبر المجتمع خارج الجماعة كله كافراً ومن ثم يتم تعقبه وتصفيته جسدياً.
رغم أن شكري مصطفى كان مستبداً في قراراته إلا أن أتباعه كانوا يطيعونه طاعة عمياء بمقتضى عقد البيعة التي أخذها عليهم في بداية انتسابهم للجماعة واجهت السلطات المصرية شكري مصطفى بقوة، وبخاصة بعد مقتل الشيخ محمد حسين الذهبي وزير الأوقاف المصري السابق.
وبينما كان شكري يقيم في إحدى الشقق المفروشة بمنطقة"حدائق القبة"مع زوجته (شقيقة محمد النجار مسئول التنظيم)، وبالرغم من أنه لم يكن أحد من الجماعة يعلم مكان إقامته، إلا أنه أحس أن الخناق قد اقترب منه، فبدأ في البحث عن مكان أكثر أمانا، وحين عودته لم يجد القميص الأسود منشورا في البلكونة، فعرف أن الشرطة قد هاجمت المكان، فعاد يسير في الشوارع على غير هدى، وبعد أن تعب من السير، هداه تفكيره أن يركب القطار إلى بنها، حيث توجد خلية مؤّمنة يستطيع اللجوء إليهم لإخفائه.

ولكنه وعن طريق الخطأ ومن كثرة  التعب والإرهاق وعدم التركيز ركب قطار المرج بالخطأ، وعندما اكتشف ذلك قرر النزول في محطة عزبة النخل، لوجود بعض أتباعه بها، وسار يجر قدميه في شوارع القرية، غير قادر على الاهتداء على البيت الذي يسكنون فيه، والنسوة أمام البيوت يتطلعن مرتابات إلى هذا الغريب ذي اللحية الطويلة والملابس القصيرة والغريب النظرات، وبالصدفة أيضا يلتقي به مخبر كان يعمل في السجن الحربي ويعرفه جيدا، فيمد المخبر يده بالمصافحة، ويمسك بيد شكري بشدة ويسأله عن اسمه، وعندما يرد عليه باسم آخر يقول له: بل أنت "شكري مصطفى". ويقتاده إلى نقطة الشرطة، فيسير معه بهدوء وبلا مقاومة، كمن أراد أن ينهي هذه المأساة.
وفي نقطة الشرطة يتصل قائدها الملازم بالمديرية مباشرة؛ ليحضر على الفور وزير الداخلية، ويعلن للصحافة نجاح الخطة المحكمة التي أعدها للقبض على الخلية الارهابية التي قتلت الشيخ الذهبي وزعيمها.
في 30 مارس صبيحة زيارة السادات للقدس تم تنفيذ حكم الإعدام في شكري مصطفى وإخوانه.

علي إسماعيل

 الشيخ علي عبده إسماعيل وهو أحد خريجي الأزهر وكان أول  إمام لجماعة التكفير والهجرة داخل السجن الحربى وشقيق الشيخ عبد الفتاح إسماعيل، أحد الستة الذين تم إعدامهم مع سيد قطب، وقد صاغ الشيخ علي مبادئ العزلة والتكفير لدى الجماعة، ضمن أطر شرعية حتى تبدو وكأنها أمور شرعية لها أدلتها من الكتاب والسنة ومن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في الفترتين: المكية والمدنية متأثراً في ذلك بأفكار الخوارج إلا أنه رجع إلى رشده وأعلن براءته من تلك الأفكار التي كان ينادي بها.

ماهر بكري عبد العزيز
ماهر بكري عبد العزيز

ماهر عبد العزيز زناتي

ماهر بكري عبد العزيز زناتي الملقب (أبو عبد الله) ابن شقيقة شكري مصطفى ونائبه في قيادة الجماعة بمصر وكان يشغل منصب المسؤول الإعلامي للجماعة أعدم مع شكري في قضية الشيخ  الذهبي وله كتاب الهجرة.

أشهر العمليات

أشهر العمليات
قتل الشيخ الذهبي
بعد أن تضخمت جماعة التكفير والهجرة بدأت تواجه بعض المشاكل الداخلية؛ نظرا لاتساعها وتوزعها في الداخل والخارج، خاصة أن شكري لم يكن يتحمل الخروج عنه، ويعتبر كل خارج من جماعته مرتدا عن الإسلام يجب قتله، ولحدوث بعض أحداث العنف فيما بينهم بدأت هذه الحوادث تلفت نظر جهات الأمن؛ ليكتشفوا أن وراء هذه الحالات من الاعتداء تنظيما دينيا كبيرا، يمكن في أي لحظة أن يتحول بالعنف تجاه النظام، عندها ومع تكشف بعض أسرار التنظيم من المعتدى عليهم من المنشقين- بدأت حملة اعتقالات لأفراد الجماعة.
ولم يجد شكري مصطفى بدا أمام هذه الضربات البوليسية إلا الرد متمثلا في عملية اختطاف يساوم بها مع النظام على الإفراج عن المعتقلين، فكان اختطاف وقتل الشيخ الذهبي، وتم تحديده بناء على عدة أسباب:
1- أن  الشيخ الذهبي عالما كبيرا ووزيرا سابقا له وزنه في المجتمع ولدى الحكومة.
2- حجمه الدعوي والفكري الكبير الذي جعله يؤلف كتابا يرد به على أفكارها فكرة فكرة.
3- عدم اكتفاء الشيخ برفض أفكار جماعة التكفير والهجرة ، بل أعلن موقفا مناهضا لها.
4- الشيخ  الذهبي كان صيدا سهلا حيث لم تتواجد عليه حراسة لحمايته.
5- الحصول على عدد من المكاسب كالإعلان عن وجود الجماعة، والمطالبة بفدية مالية.
وفي فجر يوم الأحد الثالث من يوليو لعام 1977, اقتربت سيارتان من باب فيلا الشيخ الذهبي المكونة من طابقين في منطقة هادئة ومعزولة بشارع السايس بحدائق حلوان، وتوقفت السيارة الأولى أمام باب الفيلا مباشرة، والأخرى على بعد عدة أمتار وأطفأت أنوارها، وقفز من السيارة الأولى خمسة أفراد بملابس الشرطة وملابس مدنية، أحدهم ضابط برتبة رائد، وفي يد أحدهم مدفع رشاش، وتقدموا نحو الفيلا وطرقوا الباب بعنف.
وسرعان ما استيقظ جميع من بالفيلا، وأضيء الطابق الأرضي حيث ينام الجميع, ومع توالي الطرق فتح الباب الابن الأكبر الدكتور حسين النائب المقيم بالقصر العيني، فقاموا بدفعه بشدة وانطلقوا مسرعين إلى الداخل، وردد قائد المجموعة "أحمد طارق عبد العليم" رائد شرطة سابق "وسّع إحنا مباحث أمن دولة، فين الشيخ الذهبي".
وقبل أن يجيب فتح باب غرفة داخلية وخرج الشيخ بملابس النوم مذعورا ليرى أمامه خمسة أشخاص، وقد شهروا أسلحتهم، وسأل: ما الخبر؟ فجاءه الرد بخشونة أنه مطلوب للتحقيق، وعندما سأل عن السبب طلبوا منه أن يلبس ملابسه بسرعة، وهناك سيعرف كل شيء، وقبل أن يخرج معهم حاول الشيخ أن يهدئ من روع أبنائه وأمهم، أخبرهم أن ثمة خطأ في الأمر وأنه سيعود سريعا.
وتحركت السيارة الأولى بسرعة، حاملين معهم الشيخ في الكرسي الخلفي، بينما حدث عطل مفاجئ في السيارة الثانية ولم يتمكن سائقها من تشغيلها، وعندما خرج الابن الأكبر مسرعا وراءهم واستعان ببعض المصلين من المسجد القريب للفيلا، بالإمساك بقائد السيارة، والاتصال بالشرطة.
في الطريق سأل الشيخ مرّة ثانية عن سبب القبض عليه، أجابه أحدهم بتهكم: لكونك على علاقة بجماعة التكفير والهجرة. فأخذ الشيخيردد: كيف تقولون ذلك؟ إنني ضد أفكارهم على طول الخط. وقد ألفت كتابا في الرد عليهم وإبطال حججهم, وإنني متبرئ منهم إلى يوم القيامة.
التحقيقات
تبين من التحقيقات أن السيارة المتعطلة كان رقمها 28793 ملاكي القاهرة، وأن سائقها هو "إبراهيم محمد حجازي" أحد أفراد العملية وعضو بجماعة التكفير والهجرة ووجد بداخلها مدفع رشاش وطبنجتين.
ومنذ اللحظة الأولى كان موقف الحكومة ممثلة في رئيس وزرائها وزير الداخلية السابق "ممدوح سالم"، هو عدم التنازل والمواجهة، لكنها أوهمت الجماعة بالرغبة في المفاوضات بغية كسب الوقت وتأخير قتل الرهينة حتى تستطيع تحديد المكان وإعداد خطة لتخليص الشيخ.
 وبينما كانت تجري مع الجماعة مفاوضات صورية، كانت وزارة الداخلية تمسح القاهرة طولا وعرضا بحثا عن الشيخ الذهبي وتركز بحثهم على الشقق المفروشة. وبالصدفة اشتبهوا في إحدى الشقق كان اثنان من ضباط الشرطة يسألان عمن يقيم بالشقة المفروشة رقم 1 شارع محمد حسين بشارع الهرم، فرفض مستأجروها الإدلاء بأية بيانات؛ مما أثار الشكوك وبمهاجمة الشقة عثر بداخلها على شخصين من الجماعة هما (أحمد نصر الله حجاج- وصبري محمد القط)، وعثر على مدفع رشاش وألف طلقة ذخيرة، ورسم كروكي لبيت الشيخ الذهبي، وخطابات متبادلة بين أعضاء التنظيم، وأوراق أخرى كان من بينها عقد إيجار فيلا مفروشة في شارع فاطمة رشدي في الهرم.
وأثناء التفتيش حضر شخص ثالث، ما أن شاهد رجال الأمن حتى حاول ابتلاع ورقة كان يحملها، فمنعوه، وأخرجوها من فمه، وتبين أنها رسالة بنقل جثمان الدكتور الذهبي من الفيلا المفروشة على عربة "كارو" بعد إجراء عمليات التمويه لتلقى مع مادة النشادر في مصرف قريب، فتم مهاجمة الفيلا المفروشة وعثر على جثة الشيخ الذهبي، وبعد عمليات مطاردات واسعة أدت إلى سقوط معظم أفراد الجماعة.
وحاول من تبقى من جماعة التكفير والهجرة مناورة الأمن من خلال عدد من العمليات الصغيرة كاستخدام الفخاخ والشقق الملغمة في إيقاع الخسائر برجال الشرطة، والقيام ببعض التفجيرات اليائسة في سينما سفنكس، وميدان العتبة، ومعهد الموسيقى العربية، ولكن الضربات الأمنية سرعان ما قضت عليهم ولم يتبق منهم سوى أعداد صغيرة التحقت بتنظيمات جديدة تنتهج العنف، ولم يبق لهم تواجد إلا في بعض الدول العربية والإسلامية كالمغرب والسودان واليمن والأردن والجزائر، لتظل أفكار "شكري مصطفى" ملهمة لأغلب قادة التطرف في العالم، حتى ولم لم يعترفوا بذلك.
جماعة المسلمين (التكفير
المحاكمة
قال شكري مصطفى في أقواله أمام هيئة محكمة أمن الدولة العسكرية العليا والقضية التي حملت رقم 6 لسنة 1977: "إن كل المجتمعات القائمة مجتمعات جاهلية وكافرة قطعاً. وبيان ذالك أنهم تركوا التحاكم لشرع الله واستبدلوه بقوانين وضعية، ولقد قال الله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، بيد أن الأفراد أنفسهم لا نستطيع الحكم عليهم بالكفر؛ لعدم التبين من ذلك؛ لذا فهم فقط جاهليون ينتمون لمجتمع جاهلي يجب التوقف في الحكم عليهم حتى يتبين إسلامهم من كفرهم.
جماعة المسلمين (التكفير

وقال أيضا: "إننا نرفض ما يأخذون من أقوال الأئمة والإجماع وسائر ما تسميه الأصنام الأخرى كالقياس. وبيان ذلك أن المسلم ملتزم فقط بما ذكر في القرآن الكريم والسنة المطهرة، سواء أكان أمراً أو نهياً وما يزيد عن ذلك عن طريق الإجماع أو القياس أو المصالح المرسلة. فهو بدعة في دين الله.

وتابع: "إن الالتزام بجماعة المسلمين ركن أساس؛ كي يكون المسلم مسلماً، ونرفض ما ابتدعوه من تقاليد، وما رخصوا لأنفسهم فيه، وقد أسلموا أمرهم إلى الطاغوت وهو: الحكم بغير ما أنزل الله، واعتبروا كل من ينطق بالشهادتين مسلماً.

وإن الإسلام ليس بالتلفظ بالشهادتين ولكنه إقرار وعمل، ومن هنا كان المسلم الذي يفارق جماعة المسلمين كافراً. الإسلام الحق هو الذي تتبناه "جماعة المسلمين" وهو ما كان عليه الرسول وصحابته وعهد الخلافة الراشدة فقط- وبعد هذا لم يكن ثمة إسلام صحيح على وجه الأرض حتى الآن. حياة الأسرة داخل الجماعة مترابطة ببعضها بحكم عدم الاختلاط بالعالم الخارجي.

وفي صباح يوم 30 مارس عام 1978 وفي سجن الاستئناف بالقاهرة تم تنفيذ حكم الإعدام في كل من شكري أحمد مصطفى وأحمد طارق عبد العليم وأنور مأمون صقر وماهر عبد العزيز بكر ومصطفى عبد المقصود غازي.

الانتقادات الموجهة للتكفير والهجرة

هناك انتقادات عدة موجهة للتكفير والهجرة، ومنها على سبيل المثال:

1- اعتبار أن أفكارها فهم غريب وشاذ للإسلام وبدون أساس أو سند.

2- إن الإسلام يتمثل في جملة من الفرائض التي يلزم أداؤها، ولكن هذا لا يعني أنه لا يطلق اسم الإسلام إلا على من قام بها جميعًا، كما أن من قصّر في أداء بعضٍ منها لا يسلبه هذا اسم الإسلام ولا يخرجه منه.

3- صنف العديد من علماء الأمة هذه الجماعة على أنها جماعة غالية أحيت فكر الخوارج بتكفير كل من ارتكب كبيرة، وأصر عليها وتكفير الحكام بإطلاق ودون تفصيل وإشاعة مفهوم الحد الأدنى من الإسلام.

4- مخالفة أفكار ومنهج هذه الجماعة لمنهج أهل السنة والجماعة في مصادر التلقي والاستدلال وقضايا الكفر والإيمان، وغير ذلك مما سبق بيانه.

5- لم يرد شرعا ما  يفيد هذا الربط بين قول الشهادة وما في السرائر لنكفر المسلم، وإن من يشترط هذا الربط يكون قد أتى بشرط زائد وخالف هدي النبي، واستحدث في الدين ما لم يرد به نص من كتاب الله أو سنة رسوله.

6- اشتراط جماعة المسلمين أن تكون أعمال الشخص مصدقة لشهادته حتى يحكم بإسلامه ثبت فساده؛ حيث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف الإيمان بالله وحده بأنه شهادة أن لا اله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، واعتبر النطق بالشهادتين عملا.

7- قضية اعتبار الجماعة مرتكب الكبيرة كافرا، فورد عن عمر أن الكبائر هي: قتل النفس، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، ورمى المحصنة، وشهادة الزور، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف (القتال) والسحر، والإلحاد في البيت الحرام .

8- إنه لا خلاف في أن التوبة تسقط الذنوب وإنه من الثابت أن الرسول قد أتى له الزاني والزانية والسارق وشارب الخمر، فلم يعتبرهم كفارا، ولم يقم عليهم حد الردة وهو القتل.

9- اعتبر الشيخ الذهبي تكفير الجماعة للمسلم بأنه (فسوق)- أي خروج عن الدين- واستدل بحديث للرسول يقول: "لا يرمي رجل رجلا بالفسق أو يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك".

10-  مدى خطورة تعرض الشباب بدون علم لتفسير القرآن واستخراج الأحكام منه من غير تأهيل لذلك.

11-  على أئمة المساجد ووعاظ الأزهر تصحيح عقيدة الشباب الدينية وفقا للكتاب والسنة.

شارك